تحظى بالدعم بينما تغلق المدارس العامة ويهجرها المدرسون
مدارس “دار الوحي” أداة “تحرير الشام” لـ”جيل شرعي” في إدلب
تنتشر مدارس “دار الوحي الشريف” بكثرة في محافظة إدلب، وتحظى بدعم من قبل “هيئة تحرير الشام” صاحبة السيطرة العسكرية على المنطقة ومظلتها السياسية حكومة “الإنقاذ”، في وقت تعاني فيه المدارس العامة نقصًا في الكتب وضعفًا في الدعم، وسط احتجاجات لمعلمين منذ سنوات.
توفر مدارس “دار الوحي الشريف” صفوفًا مجهزة بشكل جيد مع تقنيات حديثة بالتدريس وكتب كافية ونقل برسوم “زهيدة” يعفى منها “الفقراء وأبناء الشهداء”، وتُجمع لها التبرعات من تجار ومتنفذين في المنطقة، إضافة إلى حصولها على جزء من عوائد معبر “باب الهوى” (جزء من الرسوم على البضائع).
لباس موحد وتنظيم إداري ودعم واضح وانتشار واسع لهذه المدارس في إدلب، بينما تعاني المدارس العامة من أزمات متلاحقة ونقص في المستلزمات، وتخفيض في الدعم المقدم، ونقص لمادة مازوت للتدفئة والكتب المدرسية وقلة لرواتب المعلمين.
تسلط عنب بلدي في هذا التقرير الضوء على مدارس” دار الوحي” وخدماتها وكوادرها وشروط التسجيل فيها ورواتب المعلمين فيها، وعلى ظروف المدارس العامة في المنطقة.
مدارس “دار الوحي”
منذ تأسيس مدارس “دار الوحي الشريف” نهاية عام 2017، بدأت تتوسع في مدن وبلدات إدلب، ووصل عدد طلابها عام 2021 إلى 13500 طالب، 7000 طالب و6500 طالبة، وفق تصريحات مدير العلاقات العامة لدار الوحي الشريف، عمر سويدان لـ”راديو الثورة” المقرب من “تحرير الشام”.
ولا توجد إحصائية دقيقة حاليًا لعدد المدارس اليوم، في حين وصل عددها عام 2021 إلى 42 مدرسة، وست روضات قرآنية، وتتوزع في إدلب وبنّش وأريحا وتفتناز وسرمدا وحارم والأتارب ومعرة مصرين وحزانو وكللي وأطمة وكفرلوسين وبابسقا وسلقين وقورقنيا وباريشا واليعقوبية وأرمناز والشيخ يوسف، والفوعة والبردقلي.
وخلال عامي 2022 و2023، افتتحت إدارة “دار الوحي” مدارس في سرمين والدانا وخربة الجوز وجسر الشغور، ومدرستين جديدتين في تفتناز.
وفي شباط 2022، حضر رئيس حكومة الإنقاذ علي كده ووزير التربية والتعليم السابق إبراهيم سلامة حفل تدشين مدرستين قرآنيتين هما “حمزة بن عبد المطلب” و”زينب بنت خزيمة ” في بلدة تفتناز.
قال مدير العلاقات العامة عمر سويدان إن فكرة إنشاء المدارس جاءت من حاجة المنطقة إلى وجود مدرسة تجمع بين علوم القرآن والعلوم الكونية، تجمع بين العلوم الشرعية والعلوم الدنيوية، وذكر أربعة أهداف لها هي:
- العمل بقول النبي خيركم من تعلم القرآن وعلمه.
- حفظ القرآن وإتقان علومه والعمل به.
- بناء أجيال مؤهلة علميًا وتربويًا ومتميزة تنهض بالمجتمع بالمنطقة.
- غرس القيم الإنسانية والأخلاقية وزرعها في نفوس الطلاب.
وذكر سويدان أن مدارس دار الوحي مرخصة لدى وزارة التربية والتعليم في حكومة “الإنقاذ”، وقسم من أبنيتها كان عن طريق الوزارة، وقسم آخر عن طريق ما وصفهم “أهل الخير” والتجار، والذين قاموا ببناء مدارس تتبع لـ”دار الوحي”.
مناهج مكثفة ولباس موحد
تُدرس في مدارس “دار الوحي” المناهج الكونية كما يطلق عليها، وهي الكتب ذاتها التي تدرس في المدارس العامة، إضافة للمواد الشرعية والتربية ودروس الأخلاق.
وتعد مادة القرآن أساسية في البرنامج التعليمي، ولا يجتاز الطالب الصف الأول إلا وقد أتقن القراءة من المصحف، ولا يجتاز الصف الرابع أو الخامس إلا وقد أتم حفظ القرآن أو أغلبه، مع تعلم بعض العلوم الشرعية.
تفرض المدرسة لباسًا محددًا على الطلبة الذكور وهو “كلابيات” تصل إلى حد الكاحل وقبعة رأس كالتي يرتديها الشيوخ، ويميل لون الثياب إلى الرمادي الغامق، وتوزعه المدارس مجانًا.
وتلبس الإناث عباءات سوداء أو رمادية تغطي الرأس والوجه من الصف الأول وحتى السادس الابتدائي.
وتتبع المدرسة نظام الفصل بين الجنسين فصلًا تامًا على مستوى الطلاب والكادر أيضًا، وتبدأ الحصص والاصطفاف الصباحي بتلاوة آيات من القرآن وترديد الشعارات الدينية.
شروط واختبارات للمعلمين
يحظى المعلمون في مدارس “دار الوحي” برواتب مجزية مقارنة بالوضع المعيشي والاقتصادي، ومقارنة بنظرائهم في المدارس العامة.
“عبد الله” مدرس لمادة اللغة العربية (فضل عدم التصريح باسمه لأسباب أمنية)، قال لعنب بلدي، إنه تقدّم منذ حوالي شهرين لشاغر في مدرسة “دار الوحي” فرع سرمين، إلا أنه لم يستطع الحصول على الوظيفة بعد أن رفض الالتزام باللباس الموحد وإطالة لحيته.
وأضاف “عبد الله” أن إحدى قريباته بدأت منذ مطلع 2023 في تدريس الصف الأول بمدرسة “دار الوحي”، وتتقاضى راتب 160 دولارًا أمريكيًا كل شهر دون تأخير.
قبل التحاقها بمدارس “دار الوحي”، كانت المعلمة تتقاضى 110 دولارات بمدرسة عامة، ودائمًا تصل الرواتب متأخرة، وهو ما حفزها للانتقال لـ”دار الوحي” رغم تخليها عن بعض أساليبها في التدريس، كترديد الأغاني وارتدائها العباءة السوداء بدل “المانطو” البني.
وتوظف مدارس “دار الوحي” المعلمين باختصاصات مختلفة عن طريق إعلانات تنشرها عبر مجموعاتها الرسمية على مواقع التواصل، ويخضع المتقدمون لاختبارات عدة قد لا تشمل اختصاصاتهم كإتقان تلاوة القرآن والفقه الإسلامي والأخلاق، ويفرض على المعلمين الزي الموحد ويلبس الذكور “الكلابيات” والإناث “العباءات” مع تغطية الوجه والكفين.
خدمات “جيدة”
أبدت السيدة جود حباب وهي مهجرة من ريف دمشق وتقيم بالفوعة، إعجابها بمدارس “دار الوحي”، والتي ألحقت فيها ولديها خلال ثلاثة أيام سمحت فيها إدارة المدرسة بالتسجيل مطلع العام الدراسي الحالي.
وقالت جود إن شروط التسجيل بالمدرسة صعبة، لكن الخدمات المقدمة تستحق العناء، لافتة إلى أن هناك اهتمامًا بتعليم الطلاب ومتابعتهم عبر اختبارات متكررة، كما توفر المدرسة اللباس والنقل والكتب على مدار العام مقابل رسم تسجيل سنوي هو عشرة دولارات فقط.
وأوضحت جود أن طفليها يحفظان دروسهما خلال الحصص، وأن ابنها في الصف الثاني حفظ جزءًا من القرآن خلال شهر واحد.
من جانبها، ترى السيدة اعتدال الصافي من ريف حماة وتقيم في تفتناز أن التشديد الكبير على الطلاب يؤدي في النهاية لكراهية التعليم.
وأوضحت لعنب بلدي أنها اختبرت المدرسة عام 2022 عندما سجلت ابنها في الصف الأول، وكانت المدرسة تلزمه في حفظ القرآن والأحاديث النبوية بشكل مبالغ فيه ويفوق طاقته، إضافة لحرمان الطلاب من حصص الرسم والموسيقى، لذلك أوقفت ابنها عن الذهاب للمدرسة.
شروط التسجيل
ترفض مدارس “دار الوحي” تسجيل الطلاب لديها في حال لم يلتحقوا بها من الصف الأول الابتدائي أو الروضة، بحيث لا يتجاوز عمر الطالب ست سنوات، وفق شهادات الأهالي لعنب بلدي.
ويمكن تسجيل طلاب في صفوف متقدمة في حال لم يصل أعداد الطلاب للحد المطلوب، أو افتتحت المدرسة في منطقة جديدة، أو عند وجود تزكية من أحد الإداريين أو المشرفين على المدارس.
وتشترط المدرسة على الطلاب الجدد القدرة على تلاوة القرآن أو حفظ بعض أجزائه، وهو عامل مهم في قبول الطالب، كما تُلزم أولياء المتقدمين إلى المدرسة بتعهد خطي بالتقيّد بنظام المدرسة، وبمواصلة الدراسة وعدم الانقطاع أو الانتقال حتى نهاية الصف السادس الابتدائي.
بدوره ذكر مدير العلاقات العامة لدار الوحي الشريف، عمر سويدان، أن الطالب الذي يريد الخروج من مدارس دار الوحي يمكنه أخذ إضباراته والالتحاق بأي مدرسة أخرى.
مدارس عامة تعاني
هذا الانتشار والانتعاش على مستوى الخدمات والدعم في “دار الوحي” لا تحظى به المدارس العامة في إدلب، سواء على مستوى البنية التحتية والخدمات المقدمة للطلاب أو على مستوى رواتب المعلمين.
في تشرين الثاني 2022، قال مدير التربية والتعليم في مدينة إدلب، أحمد الحسن، لعنب بلدي، إن مدارس المنطقة تشهد نقصًا بالكتب المدرسية، وإن 500 ألف طالب يحتاجون إلى الكتب.
وأرجع الحسن أسباب النقص إلى انتهاء مذكرات التفاهم مع جهات مانحة لتقديم الكتب في السنوات السابقة، إذ انتهت أواخر عام 2022.
ولا توجد إحصائية رسمية لعدد الطلاب الفعلي في مدارس إدلب وأريافها، إذ تأثرت مدارس بالقصف من قوات النظام وروسيا على المنطقة والتصعيد الذي شنته خاصة خلال تشرين الأول 2023.
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، أن التصعيد العسكري في مناطق شمال غربي سوريا أثّر بشكل كبير على إمكانية الوصول إلى خدمات التعليم لـ2.2 مليون طفل في سن المدرسة.
وأضاف أن 2.2 مليون طفل في سن المدرسة يقيمون شمال غربي سوريا، منهم مليون واحد على الأقل خارج المدرسة، لافتًا إلى أن الوضع مأساوي بشكل خاص في مخيمات النزوح.
ولا يوجد لدى 57% من الأطفال وصول إلى المدارس الابتدائية، و80% لا يوجد لديهم وصول إلى المدارس الثانوية، وفق تقرير للمكتب صدر في 3 من تشرين الثاني 2023.
وعود بالدعم
معلمون التقتهم عنب بلدي خلال احتجاجات نظّموها في تشرين الأول 2023، قالوا إن عددًا كبيرًا من المعلمين يفكرون جديًا بهجر التعليم والبحث عن عمل آخر يحفظ لهم كرامتهم ويسد رمق أُسرهم، لافتين إلى أن أوضاع المعلمين وصلت إلى مرحلة حرجة مع عدم تجاوب من الجهات المعنية رغم اعتصامات سابقة ومتكررة.
وأوضحوا أن المعلم يدخل إلى صفه وهموم الحياة تثقله، وهو بحالة نفسية غير جيدة تعيقه عن إعطاء الدروس بكفاءة عالية، ما يؤثر سلبًا على العملية التدريسية.
ورغم كثرة المطالبات بحلول تنقذ مستقبل الطلاب في المنطقة وتعطي المعلمين حقوقهم، تغيب الأطراف التي تدّعي مسؤوليتها عن قطاع التعليم وتقتصر ردود الفعل على سلل غذائية أو مبالغ رمزية تقدم لمرة واحدة.
مدير مديرية التربية والتعليم في إدلب، أحمد الحسن قال لعنب بلدي إن المديرية تعمل على تأمين المطالب المحقة للمعلمين وهي من ضمن أهدافها، لكن الاستجابة بطيئة بسبب ضخامة حجم الاحتياج.
وأضاف أن سبل الدعم التي تعمل عليها المديرية تتمثل أولًا بالبرامج التعليمية وثانيًا بمشاريع المنظمات وثالثًا بموازنات استجابة طارئة للتعليم.
وذكر أن المديرية التربية تهدف إلى تأمين استقرار في كفالة المعلمين وتحسين أوضاعهم، وإلى تحسين الدخل من خلال لقاءاتها مع الجهات المحلية والدولية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :