لا يكاد يمر يوم على قاطني منطقة إدلب وريف حلب الغربي دون قصف مدفعي أو صاروخي من قبل قوات النظام السوري والميليشيات الموالية لها، وبمساندة سلاح الجو الروسي الذي لا تتوقف غاراته على المنطقة.
وفي سيناريو مستمر على مدار 12 عامًا وضمن سياسة ممنهجة، بدأ عام 2024 على الشمال السوري بدموية، وخيّم الموت على أحياء متفرقة من إدلب وريف حلب، وارتفعت حصيلة ضحايا قصف قوات النظام على مدينة دارة عزة وقريتي برج حيدر وكباشين في ريف حلب الغربي إلى ستة قتلى مدنيين، و11 مصابًا، في 1 من كانون الثاني الحالي.
وتوزع الضحايا بين ثلاثة قتلى في مدينة دارة عزة، ومدنيَين في قرية برج حيدر، وامرأة في قرية كباشين، وأُصيب أربعة مدنيين في دارة عزة بينهم طفل ورضيع، وتعرض طفلان وامرأتان ورجلان في قرية كباشين للإصابة، وأُصيب طفل في قرية برج حيدر وجروحه بليغة، في حصيلة غير نهائية.
وأُصيب، في 31 من كانون الأول 2023، ثمانية مدنيين في مدينة إدلب، إثر قصف صاروخي نفذته قوات النظام، سبقه بيوم سقوط 4 قتلى، بينهم طفل، وإصابة 15 آخرين، حيث استهدفت قوات النظام السوق الرئيس في مدينة إدلب.
وقُتل خمسة مدنيين من عائلة واحدة (رجل وزوجته وثلاثة من أطفالهما)، وأصيب طفل آخر وكان الناجي الوحيد من العائلة، في مجزرة للطائرات الحربية الروسية التي استهدفت منزلًا في مزرعة علاتا بالقرب من بلدة أرمناز غربي إدلب في 25 من كانون الأول 2023.
وفي اليوم نفسه، قُتل مدني وأصيب خمسة آخرون بينهم ثلاثة أطفال، بقصف صاروخي لقوات النظام استهدف منازل المدنيين والمدرسة الريفية ومرافق عامة وأراضي زراعية في مدينة سرمين بريف إدلب الشرقي.
عام دامٍ.. “استمرار للإجرام”
استجابت فرق “الدفاع المدني السوري” منذ بداية 2023 وحتى تاريخ 24 من كانون الأول من العام نفسه لأكثر من 1276 هجومًا من قوات النظام وروسيا والميليشيات الموالية لهما، قُتل على إثرها 160 شخصًا من بينهم 46 طفلًا و23 امرأة، وأصيب 688 شخصًا بينهم 218 طفلًا و96 امرأة.
المحلل العسكري العقيد عبد الجبار العكيدي، اعتبر أن التصعيد الذي تشهده منطقة إدلب خلال الأيام الماضية هو “استمرار لإجرام” النظام السوري والميليشيات الايرانية المساندة له لأكثر من عشر سنوات، لافتًا إلى أن التصعيد متوقع بأي لحظة تجاه مناطق الشمال.
وقال العكيدي لعنب بلدي، إن النظام والميليشيات الإيرانية كلما تعرضوا لضربة إسرائيلية أو أمريكية موجعة يكون الرد دائمًا باتجاه المدنيين في إدلب وريف حلب، وهذا ليس جديدًا، مضيفًا أن مسؤولي النظام وعلى رأسهم فيصل المقداد صرحوا بأن الرد على الضربات الإسرائيلية يكون في إدلب كون العدو واحدًا حسب رأيه.
وفي 12 من تشرين الأول 2023، اعتبرت وزارة الدفاع في حكومة النظام قصف مطاري “دمشق” و”حلب” من قبل إسرائيل جزءًا من “النهج المستمر في دعم الجماعات الإرهابية المتطرفة التي يحاربها الجيش السوري في شمالي سوريا، والتي تشكل ذراعًا مسلحة للكيان الإسرائيلي (في إشارة إلى قوات المعارضة السورية)”.
ضرب الأماكن الحيوية
رغم توقف العمليات العسكرية من معارك وفتح جبهات، وخضوع شمال غربي سوريا لاتفاقية “موسكو” الموقعة بين روسيا وتركيا، منذ آذار 2020، تتعرض المنطقة لقصف شبه يومي، لكن دون تغيير في خريطة السيطرة.
الناشط السياسي عبد الكريم العمر قال لعنب بلدي، إن الجهات والأطراف المتدخلة في الملف السوري سواء على المستويين الدولي أو المحلي لا تريد تغيير الوضع القائم، مشيرًا إلى أن التصعيد لم يتوقف، فالقصف مستمر على النقاط القريبة من خطوط الاشتباك.
وذكر العمر أن من الملاحظ في التصعيد الحالي تركيز الاستهداف على مناطق وأحياء وسط مدينة إدلب، لم تكن تتعرض للقصف بكثرة في السابق، مثل السوق الرئيس ودوّار “الكرة” وسط المدينة.
وأضاف العمر أن النظام يهدف من قصفه مؤخرًا إلى “ضرب الأماكن الحيوية” داخل مدينة إدلب، وأنه لا يحتاج لأي ذريعة من أجل القصف، فمنطقة “خفض التصعيد” معرضة دائمًا للاستهداف، ولا تزال ساحة حرب.
وذكر العمر أن النظام قادر بلحظة واحدة على أن يعطل الحياة المدنية في إدلب كما يحدث حاليًا، فالمنطقة ما زالت في حالة حرب طالما أنه لا يوجد وقف إطلاق نار برعاية أممية.
وأشار العمر إلى أن عمليات فصائل المعارضة ضد قوات النظام تكون في المناطق غير المأهولة بالسكان والنظام لا يتأثر بها، وهو قادر على شل حركة السكان في إدلب بمجرد قصف المنطقة براجمة صواريخ واحدة.
وترد غرفة عمليات “الفتح المبين” التي تدير العمليات العسكرية في إدلب على التصعيد باستهداف نقاط قوات النظام قرب خطوط التماس، إضافة إلى تنفيذ عمليات “انغماسية” خلف الخطوط.
رسائل لتركيا والشمال
مع كل تصعيد تتوجه الأنظار نحو تركيا، إذ تعتبر ضامنًا لوقف إطلاق النار وتمتلك قواعد ونقاطًا عسكرية في الشمال السوري، ويبلغ عدد مواقعها العسكرية في مناطق إدلب 51 موقعًا.
المحلل السياسي الدكتور باسل المعرواي اعتبر أن التصعيد هو تصعيد نوعي ورسالة إلى تركيا المقبلة على الانتخابات البلدية، ورسالة للمناطق الخارجة عن سيطرته، فحواها أنه لا يمكن عمل أي استثمار أو استقرار أو أي نقلة نوعية أفضل من مناطق سيطرته، طالما أن صواريخه قادرة على الوصول إلى أي منطقة يريدها.
وقال المعراوي لعنب بلدي، إن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قد يرمي من وراء التصعيد إلى استرداد هيبة أهدرها الطيران الإسرائيلي بشكل كبير في الأيام الماضية، بعد استهداف الجنوب السوري ومطاري “دمشق” و”حلب”.
ولا يستبعد المعراوي تجرؤ قوات النظام والميليشيات الإيرانية على قصف مدن اعزاز والباب وجرابلس بريف حلب الشمالي، لضرب استقرار المنطقة، إذا لم يكن هناك ردع تركي قوي.
المسيّرات الانتحارية
كثفت قوات النظام مؤخرًا استخدام الطائرات المسيرة المذخرة والانتحارية في استهداف السيارات والدراجات النارية في البلدات القريبة من خطوط التماس، وسط مخاوف من توسع نطاق القصف ليشمل نقاطًا في عمق مناطق سيطرة المعارضة.
وقال “الدفاع المدني السوري”، إن قوات النظام تتّبع نهجًا جديدًا باستهداف المدنيين شمالي غربي سوريا، يتمثل باستخدام الطائرات المذخرة بقصف المزارعين بالدرجة الأولى.
وفي تعليقه على استخدام المسيّرات، قال العقيد عبد الجبار العكيدي لعنب بلدي، إن المعركة شملت سابقًا استخدام مسيّرات من قبل قوات النظام والميليشيات الايرانية، ولكن بغرض “الاستطلاع”.
وأوضح أن النظام بدأ مؤخرًا يستخدم المسيّرات الانتحارية، وذلك للتعويض عن عدم استخدام طائراته الحوامة أو الحربية، بعد منعها من التحليق في المنطقة التي فيها قواعد تركية، وهذا ناتج عن تفاهمات “أستانة” و”سوتشي”، التي جاءت بعد استهداف القاعدة التركية في جبل الزاوية ومقتل حوالي 30 من الجنود الأتراك عام 2020.
وتُستخدم الطائرات المسيّرة المذخرة كوسيلة للهجوم أو الاستهداف، إذ تحمل متفجرات عادة، ويتم توجيهها نحو الأهداف المحددة بواسطة نظام تحكم عن بُعد يسمح للمشغّل بتوجيهها والتحكم في حركتها وقصف الأهداف.
وتتميز، وفق العكيدي، بفاعليتها وتكلفتها القليلة، فهي أقل من تكلفة تحليق الطائرات الحربية، كما أنها سلاح فعال في الحرب الحديثة، وقادرة على تحقيق إصابات دقيقة، لكونها تُوجَه تحت أنظار العسكريين منذ انطلاقها حتى وصولها إلى الهدف، ولا يمكن اكتشافها سوى بالعين المجردة أو من خلال الصوت.
اقرأ أيضًا: ضربات الروس لا تحرك خريطة إدلب
–