يبدأ المزارعون في محافظة إدلب شمالي غربي سوريا بتجهيز أرضهم للموسم الشتوي في هذا الوقت من كل عام، فيشرعون بحراثة الأرض وبذرها، وإضافة الأسمدة اللازمة لتعزيز جودة التربة، وما يميز هذا العام عزوف عدد عن المزارعين عن الزراعات التقليدية الشتوية مثل القمح والشعير، واتجاههم لزراعات جديدة تحقق لهم موردًا أكبر وبتكلفة أقل.
وتشكل الزراعة موردًا أساسيًا لأهالي ريف إدلب، إذ يعتمدون عليها كمصدر رئيس للدخل، لكن مردودها المادي تراجع خلال السنوات الماضية بسبب ارتفاع تكلفة إنتاج الموسم الزراعي من بذار وأسمدة ومبيدات حشرية، إضافة إلى تكاليف الري والحصاد، وسط تردٍّ في الأوضاع الاقتصادية بالمنطقة.
المهندس الزراعي محمد شيخ دياب قال لعنب بلدي، إن هذا العام شهد إقبالًا كبيرًا على زراعة الكمون على حساب القمح، ويعود السبب إلى “تدني سعر القمح” في الموسم الماضي، وارتفاع سعر الكمون، ما دفع نسبة كبيرة من المزارعين إلى بيع بذار القمح لشراء بذار من الكمون وزراعته هذا الموسم.
وحددت وزارة الزراعة في حكومة “الإنقاذ” سعر شراء القمح من الفلاحين لعام 2023 بـ320 دولارًا للطن الواحد، في حين حددته عام 2022 بـ450 دولارًا، وأقل من السعر الذي حددته “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا للعام الماضي بـ430 دولارًا أمريكيًا.
بحسب مزارعين التقتهم عنب بلدي، فإن زراعة القمح كانت خاسرة أو لم تحقق مرابح في أحسن الأحوال، وفق ما قاله بعضهم، ما دفعهم للاتجاه لزراعات جيدة، آملين أن تحقق لهم هامشًا من الربح لتأمين مورد مادي.
لا تغطي التكلفة
أسعد العبد، مهجر من ريف أبو ظهور شرقي إدلب، ويقيم في مخيمات النازحين شمالي إدلب، حيث يستأجر أراضي زراعية لزراعة محصوله في كل موسم، قال لعنب بلدي، إن كثيرًا من المزارعين في إدلب بدؤوا بالاتجاه نحو المحاصيل الزراعية ذات التكلفة الأقل والإنتاج الأكبر، كالمحاصيل العطرية والطبية مثل الكزبرة والكمون والحبة السوداء (حبة البركة).
وأضاف أن زراعة القمح باتت خاسرة بالنسبة للفلاحين أو بتكلفة الإنتاج، خاصة في الموسم الأحدث، الذي كان الفلاح يأمل أن يعوض خسارته فيه.
وأوضح أن الهكتار الواحد في إدلب تصل تكلفته إلى ألف دولار، في حال كانت تجهيزات الري متوفرة في الأرض، من بئر للمياه، وطاقة شمسية، وغيرها من الأمور التي بات المزارعون يعتمدون عليها بشكل كبير.
وفصّل أسعد التكلفة على المزارع بقوله، إنه يشتري البذار بـ510 دولارات للطن الواحد، ويبلغ سعر كيس السماد 20 دولارًا، ويحتاج إلى قرابة 80 دولارًا من المبيدات الحشرية، إضافة إلى أجور الحراثة والسقاية وأجور العمال لتنظيف الأرض، فتصل تكلفة الهكتار بالمجمل إلى 1000 دولار أمريكي.
مدير مديرية الزراعة في حكومة “الإنقاذ” بإدلب، المهندس تمام الحمود، قال لعنب بلدي، إن اتجاه المزارعين لزراعات أخرى لا يعني عزوفهم عن زراعة القمح، موضحًا أن الأمر مرتبط بـ”الدورة الزراعية”، فلا يمكن زراعة الأرض بذات المحصول لعامين متتاليين.
وأشار إلى أنه في بعض المناطق توجد زيادة في المساحات المزروعة بالقمح مقارنة بالعام الماضي، مثل منطقة سهل الغاب وريف جسر الشغور.
وأضاف الحمود أن الاكتفاء الذاتي تحقق لبعض المحاصيل كالبطاطا والخضار الصيفية في مواسم إنتاجها، وكذلك بالنسبة للمحاصيل العطرية، أما بالنسبة للقمح فمن المستحيل تحقق الاكتفاء الذاتي نظرا إلى الكثافة السكانية وضيق المساحات الزراعية.
الاستعدادات والتحديات
منذ منتصف تشرين الثاني 2023، شرع مزارعو إدلب بزراعة أراضيهم بمحصول القمح، ومع نهاية الموسم اليوم، يعمل معظمهم على تعقيم الأرض عبر رشها بمبيدات حشرية تمهيدًا لزراعتها، ومنع ظهور الأعشاب الضارة مع المحصول من الزراعات العطرية والطبية والبقوليات.
ومن أبرز التحديات التي تواجه المزارعين، القصف الذي تتعرض له المناطق سواء القريبة من خطوط التماس مع قوات النظام أو مناطق تتعرض لاستهدافات دورية في جبل الزاوية جنوبي إدلب، إضافة إلى خروج مشروع ري سهل الروج عن الخدمة، الذي يروي مساحة 10400 هكتار، وارتفاع أسعار المبيدات الزراعية، وفق ما قاله مدير مديرية الزراعة في حكومة “الإنقاذ”، تمام الحمود، لعنب بلدي.
وبحسب الحمود، فإن الواقع الزراعي في العام 2023 يعد جيدًا في إدلب، نظرًا إلى العوامل المناخية القاسية التي مرت بها المنطقة، حيث أثر انقطاع الأمطار مطلع 2023 لفترة تجاوزت الشهر على محصول القمح وإنتاجيته، بالإضافة إلى تعرض المنطقة لموجات الحر الشديد التي أثرت على المحاصيل التكثيفية والخضار الصيفية بشكل عام.
وتبلغ المساحات المزروعة من القمح في إدلب نحو 32800 هكتار، أما في موسم 2022 فكانت المساحة المزروعة 29800 هكتار، و9700 هكتار في موسم 2021، وفق مديرية الزراعة بإدلب.
الحمود أشار إلى أن إنتاج القمح لا يكفي لبضعة أشهر من أجل تأمين الطحين للخبز.
وتتلقى مناطق شمال غربي سوريا مادة الطحين على شكل مساعدات إنسانية من قبل المنظمات العاملة في المنطقة، ما خفف من أعباء تأمين مادة الخبز على السلطات الموجودة، لكن المزارع لا يزال يعاني تحديات ارتفاع التكاليف التي لا تتناسب مع سعر المبيع، كما أن الحكومات تأخذ حاجتها من القمح، أما بقية الإنتاج فيباع في السوق السوداء عن طريق التجار وبسعر أقل.
–