توفي في العاصمة الفرنسية باريس، السياسي السوري المعارض، رياض الترك، عن عمر ناهز 93 عامًا.
وقالت ابنة رياض، نسرين الترك، عبر حسابها في “فيس بوك”، وداعًا والدي الغالي رياض الترك.
ونعى سوريون، ووسائل إعلام محلية اليوم، الاثنين 1 من كانون الثاني، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الترك، الذي يعدّ أحد أبرز من اعتقلهم النظام السوري منذ ستينيات القرن الـ20.
ولم تتضح حتى لحظة تحرير هذا الخبر، أسباب وفاة الترك، الذي اعتقله رئيس النظام السوري بشار الأسد، عقب تعبيره عن “موت الديكتاتور” عام 2000، من قلب العاصمة السورية دمشق، بعد موت حافظ الأسد.
تاريخ من معارضة الأسد
في بداية فترة الثلاثينيات، وُلد المعارض السوري رياض الترك، ودرس الحقوق، وكان عمره لا يتجاوز الـ22 عامًا عندما ألقي القبض عليه أول مرة عام 1952 بتهمة الانتماء للحزب “الشيوعي”، وظل رهن الاعتقال لمدة عدة أشهر تعرض خلالها للتعذيب.
وقال الترك، كما ورد في كتاب “رياض الترك.. مانديلا سوريا” للكاتب لطفي حداد، “لقد كان التعذيب خفيفًا بالمقارنة مع ما استُخدم فيما بعد. لم تكن هناك سوى غرفتين في القصر تستخدمهما قوات الأمن، أما الآن فهناك حصون تحتوي على سجون محصنة تحت الأرض تتسع لأعداد غير محدودة من السجناء”.
وفي عام 1960، اعتُقل مرة أخرى، وتعرض للتعذيب، وكان السبب هذه المرة هو معارضته الوحدة بين سوريا ومصر في أوج حركة القومية العربية التي قادها الرئيس المصري حينها، جمال عبد الناصر.
وقال الترك، “لقد جاءت قوات الأمن المصرية بأساليب من التعذيب أشد قسوة من الأساليب المستخدَمة من قبل، فقد استُحدث أسلوب (الفلقة)، ولقي بعض المعتقلين حتفهم في الحجز من جراء ذلك”.
السجن في جمهورية “البعث”
خلال انقلاب 8 من آذار 1963، سُجن لفترة قصيرة قبل نفيه، حيث انتقل إلى لبنان.
وبدأت أطول فترة قضاها وراء القضبان، بحسب ما جاء في الكتاب، في 28 من تشرين الأول 1980، عندما اعتُقل بسبب عضويته في الحزب “الشيوعي- المكتب السياسي”، ومعارضته الصريحة للوجود السوري في لبنان، وخلال هذه الفترة أيضًا، قاسى صنوفًا أشد من التعذيب.
وعلى مدى الأعوام الـ18 التالية، ظل الترك رهن الحبس الانفرادي بصفة شبه مستمرة، حيث كابد مشكلات صحية خطيرة، من بينها داء السكري وأمراض في القلب والكلية.
وقالت زوجته أسماء الفيصل، وهي طبيبة بشرية سُجنت هي الأخرى لمدة 20 شهرًا، بين عامي 1980 و1982، “لم نره لمدة 13 عامًا، ولم نكن حتى نعرف مكانه يقينًا”.
وبعد الإفراج عن رياض الترك بموجب عفو 30 من أيار عام 1998، وعمره حينها 68 عامًا، ربما كان من المتصوّر أنه سوف يخلد إلى الراحة ويعتزل العمل السياسي.
ولكن بعد ذلك بعامين، وخلال فترة صارت تُعرف باسم “ربيع دمشق”، شارك الآلاف من الأشخاص في منتديات سياسية تنبض بالحيوية والحماسة في شتى أنحاء البلد.
لم تلبث السلطات أن عادت إلى الاعتقالات السياسية، فاعتقل الترك في أيلول 2001، ثم حُكم عليه بالسجن لمدة عامين أمضى منهما 15 شهرًا، ثم أُطلق سراحه وهو لا يزال يقيم في حمص ويتنقل بين المحافظات السورية.
الاعتقال في عهد الأسد الابن
في 17 من كانون الثاني 2000، قال الترك في أول حوار سياسي بعد عام ونصف العام على إطلاق سراحه لصحيفة “الحياة”، “خرجت من السجن الصغير إلى السجن الكبير، وعلينا جميعًا أن نسعى إلى فتح أبوابه. أنا لن أتخلى عن حقي في ممارسة السياسة أيًا تكن الظروف. وأهلًا بالسجن إذا كان ثمنًا للتمسك بالرأي وحرية التصريح”، بحسب ما نقله كتاب “رياض الترك.. مانديلا سوريا”.
وفي الحوار نفسه قال المعارض البارز، “لم يبقَ للمجتمع إلا الصمت ليعبر من خلاله عن وجوده وعن رفضه للوضع القائم، إذًا الصمت هنا موقف، لكن هذا الصمت لا يمكنه أن يدوم إلى ما لا نهاية، ولا بد للمجتمع بقواه الحية من أن يفرز تعبيرات جديدة تنتمي إلى عالم البيانات والمواقف العلنية والفعل”.
وقبل يومين من خطاب القسم الرئاسي لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، في أثناء توليه السلطة بدمشق، نشر رياض الترك في ملحق جريدة “النهار” مقالته المعنونة: “من غير الممكن أن تظل سوريا مملكة الصمت”.
وفي 5 من آب 2001، ألقى الترك محاضرته في “منتدى جمال الأتاسي” بحضور حشد كثيف من الناس، ودعا فيها إلى الانتقال من حال الاستبداد إلى الديمقراطية عن طريق التوافق السلمي.
وبعد هذه المحاضرة بشهر واحد، أي في أيلول 2001، تم اعتقال رياض الترك داخل عيادة أحد الأطباء في طرطوس، تلته بعد أيام موجة احتجاج عارمة وبيانات لمثقفين سوريين ولبنانيين وجمعيات حقوق الإنسان دعت إلى الإفراج عنه.
وفي 26 من حزيران 2002، أصدرت محكمة “أمن الدولة” حكمها على رياض الترك بالسجن لمدة سنتين ونصف السنة، وأُطلق سراحه بعد بقائه في السجن حوالي خمسة أشهر.
وقد قاربت مدة سجنه الفترة التي مكثها الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا في سجنه، وظل يقيم في دمشق حتى أواخر عام 2018.
إلى فرنسا
عام 2020، استضاف برنامج “المشهد” الحواري الذي تبثه قناة “BBC عربي”، وتقدمه الصحفية جيزيل خوري، رياض الترك، والرجل كان حينها على عتبة الـ90 عامًا، بعد أن انتقل إلى فرنسا عبر تهريبه من الحدود السورية- التركية.
وأشار رياض الترك في المقابلة التلفزيونية إلى الإفلاس الذي تعيشه المعارضة السورية حاليًا، وقد فشلت في تحقيق هدفها الرئيس، وهو إسقاط النظام الممعن في استبداده، ما ترك جمهور المعارضة في حال من اليأس والإحباط، لا لأن الأسد لم يسقط، بل لأن سقوطه قد يأتي بتوافقات دولية استحوذت على القرار السوري، واستثمرت ذلك الزخم الثوري الذي برز في سوريا خلال النصف الأول من العام 2011، ولعل مسؤولية ذلك تعود على النظام والمعارضة سواء بسواء.