استنفار عام يعم منزل مروان في يوم ضخ المياه إلى حيه، إذ تنشغل الزوجة بالأعمال المنزلية، بينما يراقب هو تعبئة خزانات المياه، واستغلال أدوات أخرى لتخزين الماء كالأواني وبعض الأدوات الأخرى.
ولأطفال العائلة دور في حالة الاستنفار هذه، إذ يعملون برفقة والدهم على تنظيف سلالم البناء.
يشتكي أهالي إدلب قلة سعة خزانات المياه، وضعف الضخ من التمديدات الرئيسة نحو الخزانات المستخدمة لتخزين الماء على أسطح منازلهم.
وتُضخ المياه مرة كل ثمانية أيام، وهو ما لا يكفي لسد حاجة السكان من الاستهلاك المنزلي خلال الأيام التالية.
مروان الصعيدي نازح يقيم في مدينة إدلب يبلغ من العمر 51 عامًا، ويعمل بائعًا للخضار على عربة متجولة بين أحياء المدينة، قال لعنب بلدي، إن “يوم المياه” يدفعه لترك عمله باكرًا، والعودة إلى المنزل لمحاولة تخزين أكبر كمية ممكنة من الماء.
ويطلق سكان المنطقة على موعد إمداد حيّهم السكني بالماء “يوم المياه”.
أضاف مروان أن المياه تُضخ مرة كل ثمانية أيام، ولمدة سبع ساعات تقريبًا، وهي مدة قليلة غير كافية لتعبئة ما يلزم من المياه، خصوصًا أنه بقيم في آخر حي “الثورة” الذي تصله المياه بضغط ضعيف.
لا يستطيع مروان تعبئة مياه خزانه الموجود على سطح البناء المؤلف من خمسة طوابق إلا من خلال استخدام مضخة للمياه لذلك يجب عليه التأكد من وجود رصيد كافٍ في ساعة الكهرباء قبل ضخ المياه.
زوجة مروان خولة الصعيدي بدورها تؤجل بعض علميات التنظيف قبل ضخ المياه بأيام قليلة حفاظًا على الكميات التبقية، وتنتظر “يوم المياه”.
خولة قالت لعنب بلدي، إنها تكون مشغولة في هذا اليوم، إذ لا تعد الطعام لأفراد الأسرة، وتعتمد على طعام اليوم السابق حتى لا تنشغل عن أعمال التنظيف، مستغلة وصول المياه إلى المنزل.
خزانات صغيرة غير كافية
لم تكن المنازل في مدينة إدلب تحتاج إلى خزانات ذات سعة تخزينية كبيرة، إذ بنيت منازلها خلال فترة كان نظام الضخ يوميًا، ولم يكن السكان يحتاجون إلى تخزين المياه بكميات كبيرة تزيد على 400 ليتر.
الوضع اختلف اليوم في المدينة، إذ يحتاج معظم السكان إلى خزانات بسعة كبيرة، للحفاظ على حاجتهم من المياه ريثما يتكرر ضحها نحو المدينة.
يقيم عبد الله جمعة ذو الـ37 عامًا في مدينة إدلب أيضًا، قال لعنب بلدي، إن الخزانات كانت توضع سابقًا داخل المنازل وبسعة بسيطة، لأن ضخ المياه كان يوميًا إلى جميع الأحياء، ولم تكن المنازل مؤهلة لوضع خزانات مياه كبيرة على الأسطح كما هو شائع الآن.
نظام الضخ الأسبوعي أجبر الأهالي على شراء خزانات مياه إضافية ووضعها على الأسطح، لكن حتى هذه الخزانات سعتها متوسطة وبالكاد تكفي الاستهلاك المنزلي.
من جانبه، قال فواز الموسى (51 عامًا)، وهو نازح يقيم في مدينة إدلب، لعنب بلدي، إنه قلما تجد منزلًا في مدينة إدلب تتسع خزاناته من المياه لعشرة براميل أي 2000 ليتر، فجميع الخزانات تتسع لخمسة براميل، ويضطر السكان لملء الأواني المنزلية وبعض العبوات البلاستيكية، في محاولة منهم لتغطية حاجتهم خلال أيام انقطاع المياه.
وتحتاج أسرة فواز المكونة من خمسة أشخاص إلى برميل مياه يوميًا تقريبًا أي إلى 8 براميل من المياه بين فترتي الضخ، لذلك تعتمد الأسر في إدلب على تعبئة الخزانات بسعة خمسة براميل، وهي المتوفرة، إضافة إلى أوانٍ بلاستيكية ومعدنية أخرى أو براميل خارجية يصل مجموع سعتها إلى برميلين، وتقتر في مصروف المياه بالأيام الأخيرة حتى لا تنقطع منها.
قصي العبيد (36 عامًا) قال لعنب بلدي، إنه استأجر منزلًا فيه خزانان للمياه مجموع سعتهما 15 برميلًا وهي كمية كافية للاستهلاك لمدة 15 يومًا أو تزيد بقليل، لكن المشكلة التي يواجهها هي أن ساعات الضخ غير كافية لملء الخزانات.
لحل مشكلة عدم تعبئة الخزانات اشترك قصي مع جاره الآخر الذي يملك خزانًا سعته 5 براميل فقط لتعبئة جميع الخزانات بحيث يقوم جاره بتحويل خط المياه من خزانه إلى خزان قصي بعد الانتهاء من التعبئة، وفي المقابل يستهلك مياهًا من خزانات قصي في حال انتهاء كمية الماء لديه.
ولفت قصي خلال حديثه لعنب بلدي إلى أن المشكلة الرئيسة ليست في عدد ساعات ضخ المياه فحسب وإنما في قيام بعض المواطنين بالإسراف في استخدام المياه بعد الانتهاء من التعبئة كغسل السيارات وشطف الشارع، ما يتسبب بضعف في الضخ نحو الحي.
“وعي المجتمع” حل للمشكلة
محمد جمال ديبان، نائب مدير مؤسسة المياه في حكومة “الإنقاذ” بمدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إن ساعات ضخ المياه كافية لا سيما في فصل الشتاء، لكن إسراف المواطنين في الاستهلاك يعطل على الآخرين.
وأضاف أن مؤسسة المياه تتابع شكاوى المواطنين، وخصصت فرقًا تعمل على مدار الساعة لإصلاح أي عطل، إضافة إلى وجود لجنة خاصة لمتابعة هدر المياه، وأي مواطن يثبت ارتكابه لأي مخالفة يتم اتخاذ الإجراءات بحقه.
واعتبر نائب مدير مؤسسة المياه أن حل المشكلة تكمن في “وعي المجتمع”، ولا يمكن لأي مؤسسة ضبط الموضوع إلا من خلال نشر الوعي بعدم الاسراف، مشيرًا إلى أن المؤسسة تخاطب الأهالي بالتوقف عن تشغيل مضخات المياه بعد الانتهاء من التعبئة لإفساح المجال لجيرانهم الذين لم يتمكنوا من التعبئة.
ديبان أضاف أن المنظمات الإنسانية هي من تمول إيصال المياه لمنازل السكان في مدينة إدلب، وتركز هذه المنظمات على حصة الفرد من المياه وهي 40 ليترًا يوميًا، وتزود الأحياء السكنية بالمياه بناء على البيانات التي تملكها.
ويبلغ عدد سكان مدينة إدلب نحو 400 ألف نسمة بحسب ديبان، وتقسم أدوار التزود بالمياه فيها إلى ثمانية قطاعات، وتزود هذه القطاعات مرة واحدة بالمياه ثم تعاد الكرّة مجددًا، وهو ما غير آلية توزيع المياه في المدينة من يومية عام 2010 إلى مرة واحدة كل ثمانية أيام.
اقرأ أيضًا: الجفاف يضرب سوريا.. حرب المياه قادمة
–