عنب بلدي – فاطمة المحمد
يعد طقس “الحنة” أساسيًا في أفراح العديد من الدول، ويختلف تبعًا لعادات وتقاليد البلد على غرار حفل الزفاف الذي تكون طقوسه متشابهة إلى حد ما في العديد من الثقافات.
ويعد حفل الحناء بمختلف الثقافات طقسًا لوداع العزوبية للفتاة أو الشاب الذي تفصله عن زفافه بضعة أيام، ويُحتفل بالعروسين بالرقص على أنغام الموسيقا والأغاني الشعبية.
التأثر الثقافي
يعيش في تركيا 3 ملايين و222 ألفًا و12 لاجئًا سوريًا تحت نظام “الحماية المؤقتة”، حسب أحدث إحصائية صادرة عن “رئاسة الهجرة التركية”.
وتنتشر مؤخرًا في أفراح السوريين عادات شبيهة بعادات البلد المضيف، مثل وضع شريطة حمراء تربط خاتمي الزواج ببعضهما، وبعض التغيرات في تراتبية طقوس الأفراح، وإقامة طقس “الحنة” وفق العادات التركية.
صفا الطه (27 عامًا)، أقامت حفلة الحناء وفق العادات التركية، وقالت لعنب بلدي، إنها رأت طريقة إقامة حفل “الحنة” في منزل إحدى صديقاتها الأتراك، ولفتها اختلاف هذه التقاليد، وأحبت أن تخوض هذه التجربة.
وأضافت أن من طبيعة النساء البحث عن تفاصيل معينة من شأنها أن تميزهن عن غيرهن، وخاصة في المناسبات المهمة لديهن.
قالت صفا، وهي مهندسة إنشاءات تقيم في مدينة غازي عينتاب جنوبي تركيا، إنها دائمًا ما أعجبت بملابس السلاطين في المسلسلات، وما تحمله من تفخيم.
صفا المنحدرة من مدينة إدلب، جربت عدة فساتين مخصصة لحفل “الحنة”، وكانت مليئة بالخرز وذات ألوان مختلفة، وبأشكال وتصاميم متنوعة على الطراز العثماني، ويعد اللون الأحمر هو التقليدي بحفل الحناء في تركيا.
وكان أكثر ما أعجبت به بطقس الحناء هو الفستان، الذي رأت أنه يترك أثرًا مميزًا يفوق حتى فستان الزفاف، “ويعطي للعروس فخامة وثقلًا”، حسب تعبيرها.
وكان من أحد الأسباب التي دفعتها لإقامة الحفل، هو أن يشعر أصدقاؤها الأتراك بأن الثقافات متشابهة، أو يوجد فيها نوع من التقارب، وأن يكون تمهيدًا لهم عند حضورهم حفل زفافها الذي قام وفق العادات السورية المتعارفة ويختلف عن عاداتهم بشكل كامل.
البكاء شرط
تعد ليلة الحناء في تركيا تقليدًا مخصصًا للعروس، وتكون للدائرة المقربة منها، مثل أفراد عائلتها وأصدقائها المقربين، وتقام في منزل والد العروس قبل يوم من حفل الزفاف، بحسب جريدة صباح التركية.
وترتدي العروس في هذه الليلة فستان “bindalli”، وتوزع على الحاضرين حلوى “الحنة” والمكسرات، ومن ثم تبدأ طقوس الحناء، ويعد الطقس الأكثر أهمية في الحفل هو جعل العروس تبكي، بحيث يقوم الأشخاص بالدوران حولها وهم يغنون لها ممسكين بشموع وسط أضواء خافتة، ولا يتوقفون حتى تبكي العروس.
ويشترط على الفتاة التي سترسم الحناء للعروس أن تكون الأكثر سعادة في زواجها بين الحضور.
“يعد الطقس حميميًا فهو يقتصر على المقربين من العائلة والأصدقاء، حضر حنتي 20 شخصًا يحبونني وأحبهم حقًا وهم مقربون مني، غطوا رأسي بوشاح أحمر وبدؤوا بالدوران حاملين شموعًا على وقع أغانٍ تركية حزينة مخصصة للحنة تتحدث كلماتها عن فراق الأهل إلى أن بكيت”.
صفا الطه
كسر الجرة
قالت فاطمة مواس (24 عامًا)، إنها كانت ترى طقس “الحنة” دائمًا في المسلسلات التركية، وأحبت أن تقوم به، وحينما أتى موعد “حنتها” طلبت المساعدة في إقامة الطقوس من جيرانها الأتراك في ولاية هاتاي التركية حيث تقيم.
وأضافت فاطمة المنحدرة من مدينة حماة، أن طقوس “الحنة” ساعدتها بإمضاء وقت جميل وممتع مع أصدقائها وعائلتها، والتخفيف من التوتر قبل الزفاف.
وبعد انتهاء طقس الدوران حول العروس، يأتي طقس وضع “الحنة” على كف العروس، وهنا لا يفترض أن تفتح العروس يدها إلى أن تضع أم العريس فيها ليرة من الذهب، وبعدها تبدأ حفلة وضع “الحنة” للعروس وأصدقاء العروس، على حد قولها.
وفي بعض التقاليد ينضم العريس للحفل، كما حصل بـ”حنة” فاطمة، ورُسمت “الحنة” لها ولعريسها.
وترقص العروس على أغنية مخصصة عن كسر الجرة، مع وجود جرة على الأرض، ويفترض بها أن تكسرها ويكون فيها مال أو سكاكر، ويلتقطها الأطفال الموجودون.
ولفتت إلى أن طقس “الحنة” كان موجودًا سابقًا وبكثرة في سوريا، ولكنه اختفى مع مرور الزمن.
“الحنة” السورية
تشتهر “الحنة” في عدة مدن سورية، وتستخدم في صبغ الشعر واليدين للفتيات وتخضيب اللحية وصبغ الشيب لدى الرجال، إلى جانب حفلات الحناء في الأفراح.
وكانت “الحنة” بمحافظة درعا في سوريا من الطقوس الأساسية للزفاف.
وتكون حفلة العرس مقسمة على أيام وتستمر سبع ليال، تُعقد فيها الدبكات والرقصات، إضافة إلى الأهازيج والأغاني، وقبل الزفاف بيوم تُعقد “ليلة الحنة” في منزل العريس، ويكون يومًا حافلًا من أوله إلى آخره وخاصة بالنسبة للعريس وعائلته، بحسب موقع التراث الثقافي اللامادي.
قالت غفران محاميد (45 عامًا)، إنها حينما أقيم عرسها قبل 20 عامًا في مدينة درعا، كان لا تزال ليلة “الحنة” طقسًا أساسيًا لا يمكن تجاوزه في الأفراح.
وتعقد الاحتفالات لمدة ثلاثة أيام متواصلة، على وقع الأغاني الشعبية والحديثة، وتطلق النساء الزغاريد والأهازيج التراثية، وتُعقد الدبكات والرقصات حول العريس وأهله.
ويُستأجر طباخ متخصص بطبخ “المناسف”، ويطبخ أهل العريس “مناسف المليحي” (البرغل ولبن الجميد مع السمن العربي ولحم الخروف والكبة)، وآخرون يطبخون “منسف الأوزي” (منسف الأرز بلحم الخروف)، وأنواع “مناسف” مختلفة، وما يقارب 15 ذبيحة ذبحت في ليلة “حنة” غفران.
وأضافت أن “الحنة” تكون خاصة بشكل أكبر بأهل العريس، وضمن الاحتفال يعجن أصدقاء العريس “الحنة” ويحنون أصابع إحدى يديه.
ومن ثم يذهب أهل العريس إلى منزل العروس ويحتفلون بها، وفي اليوم التالي يكون يوم العرس.
“الطقس الأخير للحنة كان عندما زفوني إلى منزل زوجي، وأعطوني عجينة حنة للصقها على حائط المنزل بيدي اليمنى، وعجينة أخرى للصقها على الحائط في يدي اليسرى، كرسالة تقول إنني أصبحت جزءًا من هذه العائلة”.
غفران محاميد
من أين يأتي الحناء؟
تأتي نبتة الحناء من شجيرة تابعة للفصيلة الحنائية (lythracees)، ويتراوح عمرها بين ثلاث وعشر سنوات، ويوجد منها في سوريا ولبنان بالجبال العالية، بحسب منتديات العيادة السورية الطبية.
وأكثر الدول إنتاجًا لنبات الحناء هي مصر والسودان والهند والصين، وتحتاج نبتة الحناء إلى بيئة حارة لتنمو بكثافة، ويعد موطنها الأساسي جنوب غرب آسيا، وتنتشر زراعتها في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط.
وعرفت الحناء منذ القدم، واستخدمها الفراعنة في صنع معجون لتخضيب الأيدي وصبغ الشعر وعلاج الجروح، واتخذوا عطرًا من أزهارها.
وتستخدمها الدول العربية والإسلامية والمجتمعات الإفريقية وجنوب وشرق آسيا للتزيُن منذ آلاف السنين، وتوضع على الشعر والأظافر والأقدام وراحة اليد وظهرها، بحسب منتديات العيادة السورية الطبية.
وتحضر عجينة الحناء في إناء زجاجي عن طريق خلطها بماء دافئ وتخفق جيدًا، ومن ثم تترك لمدة تتراوح بين ساعة وساعتين، ومن ثم توضع على المكان المراد “تحنيته” لمدة ساعة إلى أن تعطي اللون الأحمر الداكن.
وفي حال أراد الشخص زيادة كثافة اللون، يترك الحناء وقتًا أطول ومن ثم يغسله.
وفي حال وضع الحناء على الرأس واللحية يلف الرأس بفوطة دافئة حتى تحتفظ العجينة برطوبتها.