عنب بلدي – يامن مغربي
أبدى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، اهتمامًا بالانتخابات الداخلية المقبلة لحزب “البعث” الحاكم في سوريا منذ عام 1963.
يبدو للوهلة الأولى الاهتمام منطقيًا وطبيعيًا، على اعتبار أن الأسد يُعرّف من قبل الحزب بأنه “الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي”، أي أنه القائد العام للحزب في سوريا على الأقل.
الظروف التي مر بها الحزب خلال السنوات الأخيرة على الأقل في سوريا أضعفت موقعه في البلاد، ويلاحظ الأمر في فقدانه لشريحة واسعة من شعبيته، باعتراف الأسد نفسه مؤخرًا، والانشقاقات التي صاحبت انطلاق الثورة السورية في عام 2011.
واجتمع الأسد بأعضاء “اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات”، في 25 من كانون الأول الحالي، معتبرًا الأخيرة “من أدوات تطوير العمل الحزبي”، سبقه اجتماع مع اللجنة المركزية للحزب في 16 من الشهر نفسه.
وما بين اللقاءين، عقد الأسد كذلك لقاء مع الأمين العام للحزب في لبنان، علي حجازي.
بالتوازي مع لقاءات الأسد، روّج “البعث” للانتخابات، سواء عبر صحيفة الحزب الرسمية، أو عبر حساب رئاسة مجلس الوزراء، كما عقد الأمين العام المساعد، هلال هلال، اجتماعًا مع اللجنة المركزية للحزب، بعد يومين من لقاء الأسد للتحضير للانتخابات.
وتأتي هذه اللقاءات والاجتماعات والتصريحات في ظل ظروف دقيقة تعيشها سوريا، ما بين نفوذ حلفاء الأسد في البلاد (روسيا وإيران) والأزمة الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى الانفتاح العربي وفق “المبادرة العربية”، التي تضمنت شروطًا حملها العرب للأسد، عقب عودته لشغل مقعد سوريا بالجامعة العربية في أيار الماضي.
خطاب للكوادر العسكرية
في خطابه أمام اللجنة المركزية في 16 من كانون الأول الحالي، اعترف الأسد بتراجع دور الحزب في المجتمع السوري، وكمّ الأخطاء التي ارتكبها خلال السنوات الماضية، ورغم ذلك يبدو خطابه، الذي بثّت معرّفات “البعث” أجزاء منتقاة منه، موجهًا إلى “البعثيين” العسكريين لا السياسيين، مع الإشارة إلى جيش النظام، والسخرية من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
لا توجد أعداد دقيقة لأعداد المنتمين لحزب “البعث” داخل قوات النظام، إلا أن الحزب درج طيلة عقود على إجبار الطلاب في المدارس والجامعات على الانضمام إليه.
من المنطقي في حال كان الأسد يرى أن للحزب أهمية في الوقت الحالي أن يتحدث إلى اللجنة المركزية، وبالتالي إلى الشق السياسي، خاصة مع إشارته إلى ما يفترض أنه دور “الكوادر الحزبية” في إعادة “البعث” مجددًا، إلا أن الحديث يتوجه إلى العسكريين أيضًا، وهو ما يفتح باب السؤال حول دلالات هذا التوجه في ظل الظروف الحالية.
مدير مركز “جسور للدراسات”، محمد سرميني، يرى في حديث لعنب بلدي أنه وبعد توقف الأعمال العسكرية بشكل شبه كامل في سوريا منذ 2020، واجه النظام السوري أزمات جديدة لا تنبع من التهديدات الأمنية أو العسكرية التي كان يواجهها سابقًا فحسب، وإنما زاد عليها صعوبة ضبط المجتمعات المفككة والمرهقة من آثار الحرب وتداعياتها.
وأضاف أن الحاضنة الشعبية للنظام، والمرغمة على إظهار الولاء له، ضاقت ذرعًا بعد العقوبات الاقتصادية وتحول الدولة وحكومتها إلى هياكل عاجزة عن تقديم أي شيء، وتحول المجموعات الأمنية إلى خلايا خطف وابتزاز واتجار بالمخدرات.
في هذا المشهد كان رأس النظام مضطرًا لإعادة “لملمة” الحزب الحاكم الذي فقد قيمته مع عزوف النظام عن السياسة لمصلحة الحل العسكري، في محاولة من الأسد لإعادة تفعيل خلايا الحزب لتراقب المجتمع الساخط وتضبطه، وتضمن للنظام المحافظة على المشهد العام المستقر تحت سيطرته، منعًا من تكرار مشهد السويداء في باقي المحافظات، وفق سرميني.
وتشهد محافظة السويداء منذ آب الماضي مظاهرات مستمرة تطالب بإسقاط النظام السوري ورحيل الأسد وتطبيق القرار الأممي “2254”، كما ظهرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصوات من مناطق الساحل السوري، التي تضم شريحة من حاضنة الأسد الشعبية، هاجمت الأخير عدة مرات خلال الأشهر الماضية.
ليس الأسد وحده الذي ركّز على دور الحزب الذي وصل إلى سدة الحكم بانقلاب عسكري في عام 1963، إذ ركّزت صحيفة “البعث” الناطقة باسمه عبر عدة مواد صحفية على فكرة “إعادة إحياء البعث”.
القيادي السابق بحزب “البعث” ناصر سابا، قال لعنب بلدي، إن تركيز الأسد على الحزب اليوم “يعبّر عن حالة إفلاس”، ولا يوجد أي معنى لما يذكره في خطاباته، خاصة أنه لا يوجد أي جماهيرية لأحزاب سياسية في سوريا اليوم، بل ميليشيات متصارعة وفقدان للسيادة، بحسب رأيه.
في حين يرى سرميني أن النظام السوري مبني على الكوادر الأمنية، ودورها في مراقبة المجتمع والمؤسسات، بما في ذلك مؤسساته المدنية والعسكرية والمجتمع المدني والقوى والأحزاب السياسية.
وبالتالي فإن الخطاب الرسمي أو الإعلامي للنظام موجه إلى الكوادر الأمنية ضمن الجيش والحزب، وفي نفس الوقت يحافظ النظام نسبيًا على حظوظ الكوادر العسكرية والأمنية في الموارد السوداء التي يديرها في سوريا ما بعد الحرب، بحسب ما قاله سرميني لعنب بلدي.
رسائل للحاضنة وللحلفاء والعرب
في الخطاب نفسه، ركّز الأسد في حديثه على العملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وأكد استمرار وقوفه إلى جانب “محور المقاومة”، وتحدث عن “المقاومة” في لبنان، في إشارة إلى “حزب الله”، وصحة موقفه بالوقوف إلى جانبه، وأن ما يحمي سوريا “هو الإيمان بالقضايا ووجود الثوابت”.
ما بين السطور، يرد الأسد مجددًا على “المبادرة العربية” بفك الارتباط بإيران، بإعلان وقوفه هناك ضمن موقف داعم وواضح لـ”حزب الله” وإيران، كما وجه التحية للمقاومة الفلسطينية، دون ذكر حركة “المقاومة الإسلامية” (حماس) باسمها الصريح.
تصريحات الأسد أمام اللجنة المركزية تحمل من خلال حديثه وسخريته من “الجيش الإنساني الصهيوني” والقواعد الأمريكية في الخليج العربي رسالة واضحة، قد لا تتفق بشكل مباشر مع بنود “المبادرة العربية”.
وتتكون “المبادرة” من ثلاث مراحل زمنية، وتنص المرحلة الثانية منها على إخراج القوات الإيرانية من سوريا، وتخفيض الحضور العسكري الإيراني فيها سلاحًا وجغرافيا، واستعادة ممتلكات استحوذت عليها إيران في سوريا، وانسحاب الميليشيات الشيعية و”حزب الله” اللبناني، ومعالجة مخاوف دول الجوار بشأن تهريب المخدرات من سوريا.
لا يبدو الأسد خلال الظروف الحالية على الأقل قادرًا على تنفيذ البند المرتبط بإيران اقتصاديًا وعسكريًا، ورغم نأيه عن فتح جبهة شمالية ولو محدودة على غرار حليفه “حزب الله” في لبنان، فإن الميليشيات الإيرانية سجلت حضورها عدة مرات خلال الفترة الماضية.
وأنتجت العمليات العسكرية ضد قطاع غزة منذ تشرين الأول الماضي اصطفافات سياسية على المستوى العربي.
وسط تعقيدات المشهدين السياسي والعسكري، يحاول الأسد البقاء في المنتصف، ما بين الدعم العلني لإيران، ومحاولة الاستمرار في ملف التطبيع العربي.
ويرى سرميني أن الخطاب الرسمي والإعلامي للنظام هو استمرار للسردية التي يعتمدها في إنكار الواقع، وهو عادة يوجهها في رسائل يجب على الشعب كاملًا أن يرددها ويلتزم بها ليثبت أنه ليس عميلًا للأعداء، وفي نفس الوقت يوصل النظام هذه الرسائل إلى الدول التي طبعت أو تطبع العلاقات معه بالوصول إلى الاستقرار وتجاوز التحديات، كما تستخدمها الدول الحليفة للنظام (إيران وروسيا) في تسويق النظام والعلاقة معه وإن كان هؤلاء الحلفاء يعلمون أنها رسائل خادعة لا تمثل الواقع البائس لسوريا مع استمرار النظام في الحكم واستمرار هذه الدول في دعمه.