خالد الجرعتلي | محمد فنصة | حسام المحمود
كان عام 2023 حافلًا بالانعطافات السياسية على صعيد الملف السوري، إذ دخل مصطحبًا معه مسار تقارب تركي مع النظام، واختتم بتطبيع للعلاقات بين الأخير والمملكة العربية السعودية.
ولم تقتصر التطورات على المسار السياسي، إذ شهد العام الحالي متغيرات على الصعيد الأمني، ألقت بظلالها على مناطق النفوذ شمال شرقي وشمال غربي سوريا، وأخرى في الجنوب.
ودائمًا ما كان الملف الاقتصادي في سوريا متأثرًا بسابقيه، السياسي والأمني، لكن مع تحسن المسار السياسي بالنسبة للنظام، لم ينعكس ذلك بشكل جدي على اقتصاد السوريين، ولم يتجاوز تأثيره نشرات الأخبار في وسائل الإعلام السورية الرسمية.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف، مع خبراء وباحثين متخصصين، أبرز الأحداث التي تصدّرت الملف السوري خلال 2023، ومآلاتها خلال العام المقبل.
سياسيًا.. رهانات على التغيير
بدا عام 2023 دسمًا بالتغيرات السياسية التي عاشها الملف السوري على المستويين، الإقليمي والدولي، رفع من وتيرتها زلزال 6 من شباط، وما تبعه من تحركات عربية فتحت أبوابًا ظلت موصدة لسنوات طويلة في وجه النظام السوري، ونقلته إلى مساحة سياسية أوسع من تلك الاقتصادية التي يعيشها الداخل، وما نتج عنها من احتجاجات متواصلة جنوبي البلاد، بما ينفي أي تناغم بين هذه المستويات، فالسياسة هنا غير منسجمة مع الاقتصاد مثلًا.
هذه التطورات تسلسلت منذ مطلع العام، بعد اختتام 2022 ببدء مسار تقارب تركي مع النظام السوري، لم يخطُ أبعد من مجموعة لقاءات على مستويات وزارية واستخباراتية، قبل أن يتوقف المسار على المستوى الدبلوماسي منذ منتصف 2023، بعد شروط متبادلة من الطرفين (أنقرة والنظام)، وتشبثهما بشروط ترفع السقف، وتبعد الأسد عن لقاء الرئيس التركي على طاولة واحدة، وتعيد العلاقة إلى مربع الشروط الذي بدأت منه التحركات السياسية بمساعي موسكو، ومشاركة لاحقة من طهران.
في هذا السياق، يرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أن العوامل التي تحيط بالحوار التركي مع النظام، سواء فيما يتعلق بالوجود العسكري التركي في سوريا، والتفاعلات الإقليمية والدولية بالشأن السوري، لا توحي بأن خرقًا حقيقيًا في الحوار بين الطرفين سيتحقق في العام 2024.
وبحسب علوش، ربما يتم التوصل لتفاهمات في بعض المسائل، لكن دون أن يفضي ذلك إلى نتائج تحقق تحولًا في هذا الإطار، ومع ذلك، سيحمل عام 2024 الكثير من الأحداث المهمة للحوار التركي مع النظام، ومنها مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، وهو أمر مرتبط بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، ففي حال بقاء “الديمقراطيين” في السلطة، يمكن ألا تطرأ فوارق جوهرية في الموقف الأمريكي، لكن عودة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، قد تلقي بانعكاسات كبيرة على الوضع في سوريا، والحوار التركي مع النظام، كون أحد دوافع تركيا لهذا الحوار هو الضغط على واشنطن لتقليص علاقتها مع “الوحدات الكردية” شمال شرقي سوريا.
تحت غطاء الزلزال
بالنسبة للتقارب العربي الذي جاء سريعًا بعد الزلزال، وتحت ذريعة الزلزال، استطاع النظام أن ينتزع مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، إلى جانب مشاركة رئيس النظام، بشار الأسد، بالقمة العربية في جدة، وهي القمة الأولى التي يشارك بها الأسد منذ عام 2010، بعد قمة “سرت” في ليبيا.
كما فتح الزلزال باب الزيارات على مصراعيه، ليستقبل الأسد في شباط كلًا من وزير الخارجية المصري، والأردني، والسعودي، في دمشق، بالإضافة إلى تغير في المزاج السياسي حيال التعاطي مع النظام، ما تجلى بوضوح في “المبادرة الأردنية” المدفوعة عربيًا، والتي خلقت تفاوضًا عربيًا مع النظام من النافذة الأردنية، لكن مسار التفاوض اصطدم بعوائق أهمها تهريب المخدرات الذي تعاني منه بشكل مباشر السعودية والأردن.
ورغم تضرر السعودية في هذا الإطار، فإنها مضت في تقاربها مع النظام، مختتمة العام الحالي بتسلمها أوراق اعتماد أيمن سوسان سفيرًا لسوريا لدى المملكة، في 25 من كانون الأول الحالي، بعدما أدى اليمين القانونية أمام الأسد في 6 من الشهر نفسه.
ومن الدروب التي سلكها العرب تجاه دمشق، تشكيل “لجنة الاتصال الوزارية العربية” التي جاءت لمتابعة تنفيذ ما جرى الاتفاق عليه مع النظام في اجتماعات وزارية سابقة (عمان، جدة)، وعقدت اللجنة اجتماعًا يتيمًا في القاهرة، دون جديد في البيان الختامي أكثر من الاتفاق على عقد اللقاء المقبل في بغداد، وهو ما لم يحصل، نتيجة ضغوط غربية على “اللجنة”، حتى لا تقدم تنازلات أكثر للنظام، من منطلق “يكفي أنكم أعدتم الحكومة السورية إلى الجامعة العربية”، وفق حديث وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، في 8 من تشرين الأول الماضي.
الباحث في مركز “عمران للدراسات” نادر الخليل، يرى أن النظام لم يحقق ما أراده العرب من مسار التقارب، وتحديدًا السعودية، ومن المفترض أن يحقق النظام مجموعة شروط في سبيل تطور عمليات التقارب، ولكنه متعنّت ولا يقدم تنازلات.
وبالنسبة لتبادل السفارات لم يخرج عن إطاره الشكلي، وليس ذا تأثير كبير، فالإمارات سبقت السعودية بهذه الخطوة، وافتتحت سفارتها في دمشق عام 2018، ولم تترك هذه الحركة تأثيرات سياسية عميقة في عمليات التطبيع مع النظام، وفق الباحث.
وبرأي نادر الخليل، فإنه مع ثبات الظروف الراهنة، وعدم قدرة أو رغبة النظام بتقديم تنازلات مطلوبة في ملفات المخدرات ولجم النفوذ الإيراني، وتحسين البيئة السياسية والأمنية بما يسمح بعودة اللاجئين، فمن المستبعد تحقيق تطور فعلي في التقارب، إذ يمكن أن يأخذ المسار في هذه الحالة منحى عكسيًا، ولا سيما مع زيادة في وتيرة محاولات تهريب المخدرات نحو الأردن، وتصاعد رد الفعل الأردني العسكري أمام ذلك.
زيارات ومسارات
زيارتان إلى السعودية، وواحدة إلى سلطنة عمان، وأخرى إلى الإمارات، وزيارة إلى روسيا، شكّلت جدول زيارات الأسد الخارجية في 2023، دون اكتراث بالمسارات السياسية العالقة لحل الملف السوري، والمساعي الدولية لتقليص الفجوة بين المعارضة السورية والنظام.
أقفل مسار “أستانة” أبوابه منتصف 2023 (20 من حزيران)، بعد 20 جولة، تبعها لقاء يتيم جرى في أيلول الماضي، وجمع وزراء خارجية دول المجموعة (تركيا وروسيا وإيران) والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وعلى مدار الجولات السابقة، انعقدت لقاءات “أستانة” بحضور قادة ثلاث دول، منها اثنتان حليفتان للنظام السوري سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا (روسيا وإيران)، وأخرى اتجهت منذ نهاية 2022 لفتح باب التقارب السياسي معه (تركيا)، وممثلين عن النظام والمعارضة ومراقبين.
ولم يتبع اللقاء في نيويورك تحديد توقيت أو مسرح اللقاءات المقبلة للمجموعة المعنية بالتباحث في الملف السوري، بغية التوصل لحل يجري الحديث عنه منذ قرابة 13 عامًا ولمّا يحدث.
أربعة ملفات أمنية
خلال 2023، طغت أربعة ملفات أمنية على الواجهة في سوريا، أحدثها كان الخلاف الداخلي على مستوى رأس الهرم في “هيئة تحرير الشام” في كانون الأول الحالي، سبقته انتفاضة قبلية شرقي سوريا وبالتحديد بمحافظة دير الزور، ولا تزال التداعيات مستمرة حتى اليوم.
وامتدت التطورات إلى الجنوب السوري الذي شهد انتفاضة سلمية ضد النظام في محافظة السويداء، تركت الخيارات مفتوحة وسط غياب أمني للنظام، وسيطرة شبه كاملة لفصائل محلية.
وبالطبع كانت عمليات تهريب المخدرات من سوريا نحو الأردن، التي يتهم النظام السوري بالضلوع فيها، والميليشيات المرتبطة بإيران بتنفيذها، طاغية على الواجهة باستمرار، لكنها وصلت إلى ذروتها قبل أيام، عندما تحولت من محاولات تهريب صغيرة لكن كثيفة، إلى محاولة اقتحام الحدود الأردنية بالقوة.
خلاف في “تحرير الشام”
ونشر “جهاز الأمن العام” التابع لـ”تحرير الشام” صاحبة السيطرة على محافظة إدلب، وأجزاء من أرياف حماة وحلب واللاذقية، صورًا قال إنها من حملة أمنية أطلقها لملاحقة من وصفهم بـ”عملاء النظام”.
الحملة نفسها كان قد أطلقها “الأمن العام” في حزيران الماضي، عقب أحاديث متداولة عن وجود اختراق في صفوف “الهيئة”، إذ قال المتحدث باسم “الجهاز” حينها إنها من “منتسبين جدد”.
وقال “الأمن العام” عبر تصريح نشره في معرفاته الرسمية، في 27 من كانون الأول الحالي، إن الحملة تأتي استكمالًا لتحركات مشابهة بدأت في حزيران الماضي ضد “خلية جاسوسية” تعمل لمصلحة النظام وحلفائه في مناطق سيطرة “تحرير الشام”.
قضية الاختراق الأمني لـ”تحرير الشام” أخذت منحى آخر عندما اعتقلت “الهيئة” قادة من الصف الأول فيها، ولاحقت آخر هو جهاد عيسى الشيخ (أبو أحمد زكور)، الذي تمكن من الفرار نحو مناطق سيطرة “الجيش الوطني” شمالي محافظة حلب.
وفي 18 من كانون الأول الحالي، أعلنت “تحرير الشام” عزل القيادي جهاد عيسى الشيخ من الفصيل بسبب “سوء استخدام منصبه ومخالفته السياسة العامة”.
الشيخ الذي أعلن انشقاقه لاحقًا عن “الهيئة” أوضح خلال حديث خاص لعنب بلدي أن الاتهامات الموجهة إليه من “إساءة استخدام منصبه ومخالفة السياسة العامة وقضايا فساد مالي وابتزاز وشبهات أمنية”، عارية عن الصحة.
التطورات سبقها، في آب الماضي، إعلان “تحرير الشام” تجميد صلاحيات ومهام عضو مجلس الشورى والقيادي في الصف الأول “أبو ماريا القحطاني”، بسبب “خطئه في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه”.
وقالت “الهيئة” حينها، إنها جمّدت صلاحيات ومهام “أبو ماريا القحطاني” بعد استدعائه لورود اسمه في بعض التحقيقات التي أجرتها “تحرير الشام” بخصوص “العمالة” مؤخرًا.
وذكرت أنها ساءلته بكل شفافية ووضوح تقديرًا منها لدرء الشبهات وإزالة اللبس، وتبين للجنة أن “أبو ماريا” أخطأ في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل، وفق قولها.
التطورات في ملف “تحرير الشام” التي لا يبدو أنها ستنتهي قريبًا، قال عنها الباحث في شؤون الجماعات الجهادية عرابي عرابي، إنها مستمرة على المدى القريب والمتوسط في سيناريوهين اثنين.
الأول هو أن تعمل “تحرير الشام” على التوسع، وامتصاص الصدمة التي أحدثتها الانشقاقات في صفوفها، والتوافق مع فصائل في “الجيش الوطني” المكون من ثلاثة فيالق شمالي على حلب على إحداث تحالف، أو كتلة واحدة والعمل ضمن اسم جديد بعيدًا عن مسمى “هيئة تحرير الشام”.
أما الثاني فهو أن تبقى “تحرير الشام” بشكلها الحالي، مقابل تقوية علاقتها مع فصائل في “الجيش الوطني”، وبالمقابل تسعى الجهات التي انشقت عن “الهيئة” وأبرزها جهاد عيسى الشيخ لتشكيل كتلة عسكرية تقابل “الهيئة”.
عرابي أشار إلى أن الشيخ أو “أبو أحمد ذكور” هو بطبيعة الحال كان يعتبر المسؤول عن العلاقات الخارجية في “الهيئة” خلال وجوده فيها، بالتالي فإنه سيعمل على إنشاء شبكة علاقات لتعزيز قوة “الجيش الوطني”، والدفع نحو انضمام “الجبهة الوطنية للتحرير” (عاملة في إدلب وريفها) إلى “الوطني السوري” كفيلق رابع، على حساب “تحرير الشام”.
الباحث قال لعنب بلدي، إن المتغيرات التي من الممكن أن تحدث خلال العام المقبل قد تولد مؤشرات أخرى تجعل من المشهد أكثر وضوحًا.
“انتفاضة قبلية” في دير الزور
بين آب وأيلول الماضيين، نشبت مواجهات مسلحة بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) و”مجلس دير الزور العسكري” التابع لها، على خلفية اعتقال الأولى لقائد “المجلس”، أحمد الخبيل (الملقب بـ”أبو خولة”).
ومع محاولات “قسد” تصوير المشكلة على أنها مجرد حملة أمنية جديدة تنفذها في المنطقة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، تحولت إلى مواجهات بين “قسد” وعشائر عربية شكلت تحالفًا فيما بينها، وسيطرت على قرى وبلدات شرقي دير الزور.
لاحقًا، تمكنت “قسد” من استعادة السيطرة على عموم المنطقة، وطرحت إعادة هيكلة “مجلس دير الزور”، بينما بقيت مجموعات من قبائل المنطقة تشن هجمات متقطعة زمنيًا ومتفرقة جغرافيًا على نقاطها العسكرية في المنطقة.
وسرعان ما بدا واضحًا دعم النظام السوري المتمركز غرب نهر الفرات لهذه التحركات، إذ أشرف في إحدى الهجمات على تأمين غطاء ناري لمجموعات العشائر التي يقودها حتى اليوم أحد شيوخ عشيرة “البكير” إبراهيم الهفل.
وعلى خلفية المواجهات التي تدخل فيها التحالف الدولي بقيادة أمريكا، طرح قائد “قسد”، مظلوم عبدي، خطة لـ“إصلاحات“، ثم خرجت “الإدارة الذاتية” بمجموعة بنود لتقديم “إصلاحات“، ثم انتخب “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) محمود المسلط رئيسًا مشتركًا له، وهو ما ظهر على أنه تعزيز للمكوّن العربي شمال شرقي سوريا خلال المرحلة المقبلة.
الباحث المتخصص في شؤون شمال شرقي سوريا بمركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، قال لعنب بلدي، إنه لا مؤشرات واضحة حتى الآن على تغييرات مقبلة لحل المظالم العربية في مناطق سيطرة “قسد” ذات الغالبية الكردية.
وأضاف أن محمود المسلط جاء إلى منصبه الحالي برئاسة “مسد” خلفًا لرياض درار، وهو عربي أيضًا، لكن تأثيره لم يكن ملحوظًا خلال الفترة الماضية، بينما طغى دور إلهام أحمد، وهي عضو سابق في حزب “العمال الكردستاني” الكردي الذي يتهم بالهيمنة على مفاصل قرار “قسد”.
شواخ قال إن رياض درار لم يكن عربيًا فقط، بل كان ينحدر من محافظة دير الزور أيضًا التي شهدت القدر الأكبر من المشكلات في التمثيل والمظالم العربية على مدار السنوات الماضية.
واستبعد الباحث أن يحدث ظهور المسلط في “مسد” أي أثر على مستوى التمثيل العربي لإدارة المنطقة.
شواخ يرى أن مشكلة المكوّن العربي في دير الزور على وجه الخصوص، سببها الرئيس هو بنية الحكم والإدارة شمال شرقي سوريا على صعيد السياسة والخدمات والأمن والعسكر، وطالما هذه البنية لم تتغير، فلا نية للحل بالنسبة لـ”قسد”.
وحول نشاط مقاتلي العشائر بقيادة الشيخ إبراهيم الهفل، يرى الباحث أنس شواخ أن ضعف الإمدادات والإمكانيات سيؤدي إلى انحسار تحركاتهم شرقي دير الزور على المدى القريب والمتوسط.
“حالة الاحتقان لن تتغير ما لم تتوجه (قسد) لحل مشكلة المظالم العربية بشكل جذري في المنطقة”.
أنس شواخ
باحث في مركز “جسور للدراسات”
احتجاجات السويداء
في خضم حالة البرود التي دخلها الملف السوري، ونزوله من جدول الأولويات الدولية إلى مراتب متأخرة، خرج أبناء محافظة السويداء، في آب الماضي، إلى الشوارع منادين بإسقاط النظام السوري، وتطبيق قرار مجلس الأمن “2254” القاضي بتحقيق انتقال سلمي للسلطة.
ومع مرور نحو خمسة أشهر على انطلاق أول مظاهرة، لا يزال النظام يتجاهل مطالب المحتجين، وبقي الوضع المعيشي والخدمي مترديًا في المحافظة، وتستمر وسائل إعلام موالية للنظام باتهام الحراك في السويداء بأنه يحمل مشروعًا “انفصاليًا”.
المحتجون في السويداء ردوا على هذه الاتهامات بلافتات وشعارات رفضوا خلالها الاتهامات، وأكدوا أن وحدة التراب السوري هو أحد مطالبهم.
الصحفي السوري سالم ناصيف، ينحدر من محافظة السويداء، قال لعنب بلدي، إن النظام مستمر بتجاهل الحراك السلمي الحاصل في السويداء على المدى القريب والمتوسط، في محاولة منه لإنكار وجود أي احتجاجات تعارض وجوده في السلطة.
ويعوّل النظام من خلال تجاهله المستمر لمطالب أبناء المحافظة على فصل الشتاء المقبل في السويداء التي يجد أبناؤها صعوبة بتأمين وسائل التدفئة، نظرًا إلى الأوضاع المعيشية المتردية فيها، حالها حال بقية المحافظات السورية.
“السويداء تُركت وحيدة في حراكها، علمًا أنها كانت تعوّل على بقية المحافظات لدعمها في خطوتها السلمية، لكنها لم تلقَ أي دعم يُذكر”.
سالم ناصيف
صحفي ينحدر من محافظة السويداء
المخدرات تتدفق عبر الحدود مع الأردن
شهدت الحدود الأردنية- السورية خلال العام الحالي عمليات تهريب للمخدرات والأسلحة نحو الأردن، وصلت إلى ذروتها في الشهر الأخير من 2023، إذ تحولت من عمليات تهريب متفرقة زمنيًا وجغرافيًا إلى محاولات اقتحام للحدود بقوة السلاح عبر اشتباكات مع الجيش الأردني.
التحول في العمليات الذي شهدته المنطقة تجلى باشتباكات مسلحة بين الجيش الأردني ومهربين في 19 من كانون الأول الحالي، استمرت لـ14 ساعة، وقُتل فيها جندي أردني، إضافة إلى مقتل وجرح عدد من المهربين واعتقال تسعة منهم، وضبط “كميات كبيرة” من المخدرات والأسلحة الأوتوماتيكية والصاروخية، بحسب ما قالته قناة “المملكة” الأردنية.
وللحد من هذه العمليات، أعلنت مديرية الأمن العام الأردني بدء عملية أمنية موسعة في منطقة الرويشد (شمال شرقي الأردن)، لملاحقة مهربي وتجار المخدرات المرتبطين بعصابات إقليمية تنشط عبر الحدود لتهريب المخدرات والسلاح.
وعقب المواجهات التي شهدتها الحدود الأردنية- السورية، نفذت طائرات حربية يُعتقد أنها أردنية غارات جوية جنوبي سوريا، استهدفت “مخابئ” لمهربي مخدرات ردًا على عملية تهريب “كبيرة” كانت قادمة من سوريا، بحسب ما نقلته وكالة “رويترز” عن مصادر مخابرات إقليمية (لم تسمِّها).
وأضافت أن الطائرات قصفت منزلًا يشتبه بأنه لتاجر مخدرات بارز في بلدة صلخد بمحافظة السويداء، بينما أصابت ضربات أخرى “مخابئ” في محافظة درعا.
الخبير الأردني في الأمن الاستراتيجي الدكتور عمر الرداد، قال لعنب بلدي، إن المؤشرات تدل على أن التوترات الأمنية على الحدود بين الأردن والميليشيات ستتواصل خلال العام المقبل.
وأرجع أسباب استمرارها إلى أن قرار التصعيد فيها مرتبط باستراتيجيات القيادة الإيرانية والميليشيات التابعة لها، واستراتيجيات النظام السوري، لما تحققه تجارة المخدرات من مكاسب مالية لها، وأخرى استراتيجية للقيادة الإيرانية عبر تهيئة مناخ لإثارة فوضى أمنية بالأردن.
الرداد قال إن مستوى التصعيد هذا سيبقى مرهونًا بإمكانية التوصل إلى حلول سلمية لـ”الازمة السورية”، وهو سيناريو غير مرجح في المدى المنظور لارتباط الأزمة بتعقيدات داخلية كقناعة النظام السوري أنه حقق انتصارًا، وأخرى إقليمية تتلخص بالدور الإيراني ومستقبله، ودولية تتجلى في الصراع بين روسيا والغرب بعد حرب أوكرانيا، وتداعياتها على الملف السوري.
الاقتصاد يتدهور بوتيرة عالية
لا يخفى أن الوضع الاقتصادي في سوريا استمر بالتدهور عامًا تلو الآخر، كما لا يخفى على التجار والصناعيين والعمال في سوريا أن سياسات الحكومة الاقتصادية تدفع إلى استمرار التضخم المالي، وجلب أرقام قياسية في مؤشرات انهيار الاقتصاد مثل قيمة الليرة وأسعار الذهب والوقود كل عام.
وتراجعت قيمة الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي بنسبة وصلت إلى 113% على أساس سنوي خلال عام 2023، وبنسبة 180% على صعيد النشرات الرسمية التي يصدرها مصرف سوريا المركزي.
وخلال العام الحالي، كانت أقل قيمة لليرة السورية أمام الدولار في 16 من آب الماضي، وبلغت 15500 ليرة، وذلك بعد يوم واحد من إعلان زيادة في الراتب الشهري بنسبة 100% بالليرة السورية، في حين تجاوز سعر الصرف 14000 ليرة في أثناء تحرير هذا الملف، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص برصد أسعار الصرف لليرة السورية مقابل العملات الأجنبية.
وبالنسبة للذهب، ارتفع سعر مبيع الغرام من عيار 21 قيراطًا إلى 812 ألف ليرة سورية، في كانون الأول الحالي، بينما كان يبلغ، بحسب “الجمعية الحرفية للصياغة وصنع المجوهرات بدمشق”، 325 ألف ليرة بداية العام الحالي، أي بنسبة زيادة وصلت إلى نحو 150%.
أما المحروقات فقد ارتفعت أسعارها لأرقام قياسية خلال العام الحالي، بما يشمل “المدعوم” و”الحر” منها أيضًا، في ظل التقنين الحكومي ببيع هذه المواد والانخفاض الكبير بالقوة الشرائية للسكان.
ووصلت نسبة الزيادة خلال العام الحالي في سعر الليتر من البنزين “المدعوم” إلى 200%، وفي “الحر” إلى 226%، أما مادة المازوت فقد بلغت نسبة الزيادة في “المدعوم” 185%، وفي “الحر” 159%.
وتعد أيضًا الموازنة العامة للدولة أحد أهم المؤشرات على وضع الاقتصاد المحلي، ويتخذ هذا المؤشر منحى تنازليًا بعد أن كانت موازنة العام 2024 الأقل قيمة منذ عام 2011، إذ بلغت 35550 مليار ليرة سورية بينما بلغ إجمالي العجز في الموازنة 9404 مليارات ليرة، وحسب سعر صرف الدولار بالمركزي حين صدورها (12600 ليرة) تساوي نحو 2.82 مليار دولار، وهو تراجع بالقيمة مقداره 2.66 مليار دولار، وبنسبة 48% عن موازنة العام الماضي.
تصنيفات المنظمات تفضح الواقع
احتلت سوريا المركز الأول ضمن قائمة البلدان الأكثر فسادًا، وفق تصنيف منظمة “غلوبال ريسك” لعام 2023، المتخصصة في خدمات إدارة المخاطر، حيث جاءت في المركز 196 أخيرًا من بين الدول المصنّفة.
وقيّم التصنيف مدركات الفساد في البلدان على مقياس من صفر (نزيه) إلى 100 (فاسد للغاية)، بناء على مدى عمليات غسل الأموال والاحتيال وتمويل الإرهاب التي تجري في البلد، وفق الموقع.
وبحسب المؤشر الصادر عن “صندوق السلام الأمريكي” لهشاشة البلدان، جاءت سوريا كخامس أكثر بلد “هشّ” في عام 2023، بعد اليمن والصومال وجنوب السودان والكونجو، من إجمالي 179 بلدًا.
ويصدر البنك الدولي والبنك الآسيوي والإفريقي للتنمية قائمة منسّقة للدول الهشّة تُحدّث سنويًا منذ عام 2015، وفيما يتصل بالتحضير لأجندة التنمية المستدامة لعام 2030 (أهداف التنمية المستدامة 17)، تقع سوريا حاليًا في المرتبة 130 من أصل 166 بلدًا، في التصنيف الذي يعبر عن مدى تطبيقها لقواعد التنمية المستدامة، بتراجع عن المركز 129 العام الماضي.
على صعيد العمال، حلّت سوريا في المركز 21 من أصل 117 بلدًا في مؤشر “معدل فقر العاملين” على أساس خط الفقر الدولي وهو 1.90 دولار في اليوم، بحسب تصنيف “منظمة العمل الدولية” لعام 2022، كما صنّفت إنتاجية العمل في سوريا بالمركز 159 من أصل 189 بلدًا، ما يشير إلى ضعف الإنتاجية.
وعن نسبة العمالة إلى عدد السكان، جاءت سوريا في المركز 170 من أصل 190 بلدًا بمعدل 40.1%، وفق آخر تحديثات المنظمة الدولية للعام الحالي، وهو ما يشير إلى هجرة اليد العاملة.
2024.. التدهور مستمر
خلال ندوة “الثلاثاء الاقتصادي” لجمعية “العلوم الاقتصادية” التي أحدثت بموجب قرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عام 1965، قال الدكتور في الاقتصاد منير الحمش، نهاية آب الماضي، إن الاقتصاد السوري فقد خلال الحرب ثلثي مقوماته، وخسر أهم موارده، وتراجع الناتج الإجمالي فيه إلى 20 مليار دولار في 2019 بعد أن كان 60 مليار دولار عام 2010.
وحول أسباب التدهور برأيه، أضاف أنه “مع ازدياد الفساد وسيطرة المحسوبيات في الإدارات وطغيان أغنياء الحرب، استمر تراجع الاقتصاد وتدهور قيمة الليرة”.
ويرى الحمش أهمية إجراء مراجعة للسياسات الاقتصادية والاجتماعية حتى لا تكون سببًا في “تعميق الأزمة”.
الباحث في الاقتصاد السياسي الدكتور يحيى السيد عمر، قال لعنب بلدي، إن سوريا تشهد عمومًا، ومناطق سيطرة النظام على وجه الخصوص، “تراجعًا حادًا”، وإن المؤشرات الدولية الاقتصادية كلها في حدودها الدنيا.
“على الرغم من هدوء الجبهات لعدة سنوات، والتقارب النسبي بين حكومة النظام وبعض الدول العربية، استمر الاقتصاد بالتدهور، وهو ما يعزز من فرضية أن الأسباب الداخلية هي الأهم بالنسبة لتدهور الاقتصاد السوري”.
يحيى السيد عمر
باحث في الاقتصاد السياسي
وحول قراءته لواقع الاقتصاد السوري العام المقبل، لا سيما في مناطق سيطرة النظام، يرى السيد عمر أن الواقع الحالي يشير إلى أن التردي سيبقى مسيطرًا، والموارد مستمرة في التراجع، وسيطرة حلفاء النظام على موارد الدولة السورية لن تتوقف، بما لا يتيح أي تغيير حقيقي على الإيرادات العامة، كما أن سيطرة أمراء الحرب وتغولهم في الاقتصاد السوري تزداد بشكل مضطرد، ما يضعف أي احتمال لبدء تعافٍ مبكر للاقتصاد.
ويتوقع الباحث ارتفاع عجز الموازنة العامة لحكومة النظام العام المقبل، وتراجع مستوى المعيشة، وارتفاع معدلات الفقر، وتردي الدخل، وتراجع قيمة الليرة السورية، خاصة في ظل ندرة عرض الدولار في السوق السورية.
كما تنبأ بزيادة نشاط اقتصاد الظل والاقتصاد الأسود، من خلال زيادة الاعتماد على تجارة المخدرات، لا سيما على المستوى الداخلي.