سرقة ورعب.. سلبيات حوالات “تسليم اليد” في سوريا

  • 2024/01/06
  • 3:03 م
أوراق نقدية من العملة السورية (عنب بلدي)

أوراق نقدية من العملة السورية (عنب بلدي)

تشكل الحوالات المالية شريان الحياة بالنسبة لمعظم السوريين اليوم وسط تدني الأجور والرواتب، واستمرار ارتفاع الأسعار مع ارتفاع مستويات التضخم، وانخفاض قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية.

حوالات تسد الرمق وتلبي بعض احتياجات الأهالي وسط واقع اقتصادي ومعيشي متردٍ، إذ يعيش ما يقارب 90% من السوريين تحت خط الفقر، وهناك أكثر من 15.3 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

ويعادل الحد الأدنى للرواتب بعد زيادة 100% خلال آب الماضي، 186 ألف ليرة سورية، نحو 13.3 دولار أمريكي، بينما يبلغ متوسط تكاليف المعيشة في مناطق سيطرة النظام أكثر من 10.3 مليون ليرة سورية، والحد الأدنى لتكلفة المعيشة 6.5 مليون ليرة.

ويلجأ غالبية السوريين لإرسال الحوالات عبر شركات ووسطاء غير معروفين، كونهم يوصلون الحوالة بسعر “السوق السوداء” والذي يصل إلى 14 ألف ليرة للدولار الواحد.

بينما بحال تم إرسال الحوالة عبر القنوات النظامية الرسمية، فإن الحوالة تصل بسعر الصرف الرسمي الذي لا يتجاوز 12700 ليرة، لذلك فإن الفارق جعل الغالبية يفضلون إرسالها عبر القنوات غير الرسمية، والتي لا تعتبر أمينة كفاية.

ويعاب على هذه الطريقة أن الأموال غالبًا ما تأتي ناقصة، كما أن طريقة التسليم في الشارع أو في مدخل إحدى البنايات المهجورة، تعتبر خطرة نوعًا ما، فهي تتم مساء عادة كما أن الخوف الأكبر من المراقبة، ففي حال تم القبض على الشخصين المُتلقي ومُسلّم الحوالة فإن المصير سيكون أسود غالبًا.

المبلغ ناقص دائمًا

لما (24 عامًا) تعمل محاسبة في أحد المحال التجارية باللاذقية، قالت إنها استلمت قبل أيام حوالة أرسلت إليها من صديقتها في تركيا، عبر شركة حوالات غير رسمية، مضيفة أن المبلغ لم يكن ناقصًا أبدًا، إلا أن الرقم الذي راسلها عبر واتساب ليحدد معها موعدًا لاستلام الحوالة، عاد لاحقًا ليتحرش بها ويطلب أن يلتقيا في موعد.

أما عيسى (31 عامًا) المقيم في اللاذقية فيعمل مع إحدى الشركات العربية، ويتلقى راتبه بشكل شهري بذات الطريقة منذ عام ونصف، قال إنه لم يستلم المبلغ ولا في أي مرة كاملًا

وعلى سبيل المثال، فإن مبلغ 200 ألف ليرة يصله عبارة عن رزمة النقود من فئة ألفي ليرة، ويكون النقص فيها بين ثلاث إلى خمس قطع أحيانًا، وفي إحدى المرات اكتشف الشاب أن النقص كان بقيمة 46 ألف ليرة.

وحين حاول مراجعة الرقم الذي اتصل عليه لإخباره، فإنه لم يرد عليه إلا بعد يومين، وأخبره أنه من المستحيل وجود نقص.

من الأمور الأخرى التي يواجهها الشاب خلال عملية استلام راتبه، أنه من المستحيل أن يسعر مُسلم الحوالة سعر الدولار كما في “السوق السوداء”، ويضرب مثالًا على ذلك بأن دولار “السوداء” كان 13800 ليرة حين استلم حوالته في تشرين الثاني الماضي، وحين استلمها حسبوا له الدولار بنحو 13400 ليرة أي بفارق 400 ليرة عن سعره.

نايا (36 عامًا) موظفة حكومية وتعمل في تطبيقات البث المباشر، قالت إنها لم تستلم الحوالة دون نقص منذ بدء عملها قبل ثلاث سنوات.

وأضافت الشابة التي تعيش في مدينة جبلة، أنها في أول كل شهر تتلقى اتصالًا من رقم خارجي يخبرها بوجود أمانة لها ويحدد معها موعدًا، مع بداية المساء حيث يناولها النقود في كيس أسود بالشارع، ويمضي بحال سبيله بعد أن يخبرها أنه أخذ من المبلغ أجرة التوصيل التي تتراوح بين ستة إلى عشرة آلاف ليرة.

المشكلة الأخرى التي تواجهها نايا، هي أنها كذلك لا تستلم الحوالة على سعر الدولار الرائج، وأحيانًا كانت تستلمها أقل بألف ليرة، وحين تسأل يخبرونها بأن المبلغ كبير وهناك صعوبات بالتوصيل، مضيفة “مرّة قال لي إذا مو عاجبك خليهن يبعتوها عالهرم واقبضيها بسعر المركزي”.

طرطوس وحماة أيضًا

لا يختلف الحال في طرطوس، التي تعيش واقعًا مشابهًا، فجورج (45 عامًا) استلم حوالة من شقيقه المغترب قبل فترة لتحضيرات عيد الميلاد، وكالعادة اقترب منه الشخص مُسلّم الحوالة وأعطاه إياها دون أن ينزل من سيارته، ثم غادر مسرعًا على دراجة نارية.

حين عاد جورج إلى المنزل اكتشف وجود نقص نحو 60 ألف ليرة بالحوالة، إضافة إلى احتساب سعر الدولار 13500 ليرة، رغم أن سعره بـ”السوق السوداء” كان بين 13900 إلى 14 ألف ليرة.

ويستخدم مُسلّمو الحوالات السوداء أرقامًا خارجية، ويلجؤون للتواصل مع أصحاب الحوالات عبر تطبيق واتساب فقط كونه أكثر أمانًا، وغالبًا ما يطلبون من زبائنهم مسح الرسائل بعد عملية التسليم كي تكون العملية أكثر أمانًا للجميع.

ومنذ سنوات، أجرى مصرف سوريا المركزي سلسلة إجراءات هدفت إلى تقييد التحويلات النقدية من الخارج، وحاول حصرها عبر شركات التحويل المرخّصة.

كما حذر المصرف المواطنين من تسلم مبالغ مالية محولة من الخارج عن طريق وسطاء يسلّمونها باليد، لا عبر شركات تحويل الأموال المرخّصة، لافتًا إلى أن بعض الوسطاء يعملون ضمن شبكات موجودة ضمن مناطق تنشط فيها “المجموعات الإرهابية”، وبعضهم مرتبط بهذه المجموعات أو لديه سوابق جرمية، وهو ما أدى إلى ربط الأشخاص الذين تسلموا الحوالات عن طريقهم بنشاطهم الجرمي، سواء المرتبط منه بالصرافة غير المرخّصة والتعامل بغير الليرة السورية أم المرتبط بالتنظيمات “الإرهابية” وتمويلها.

في حماة تلّقت لميس (35 عامًا) تعمل صحفية، حوالة وردتها من الخارج، تحصل عليها مرة كل عدة أشهر كونها تعمل “فريلانسر”، وكانت الحوالة ناقصة مرتين، الأولى باحتساب سعر الصرف الذي يكون أنقص من سعر السوق بين 300 إلى 600 ليرة، والثانية أن المبلغ كان ناقصًا نحو 22 ألف ليرة.

وقالت إن مُسلّمي الحوالة يلجؤون لتسليم مبالغ مالية من فئات الـ1000 والـ2000 ليرة، ونادرًا ما تستلمها من فئة الـ5000 ليرة، وترى أن السبب بكون السرقة من تلك الفئات أكثر سهولة ولا يمكن أن ينتبه متلقي الحوالة له فورًا، بينما بالإمكان ملاحظة النقص برزمة الـ5000 ليرة بشكل أكثر سهولة كون العدد يكون أقل.

دمشق أكثر ضبطًا

يختلف الحال قليلًا في دمشق، فبحسب شهادات أربعة أشخاص يستلمون رواتبهم عن طريق الحوالات “السوداء”، أكدوا أن المبالغ لم تكن ناقصة أكثر من 2000 أو 4000 ليرة بالحد الأعلى، مرجعين السبب إلى خطأ بالعد ربما.

لكنّ أسعد (اسم مستعار) 41 عاماً يعمل “مونتير” مع إحدى المنصات العربية، قال إن استلام الحوالة يشكل له رعبًا حقيقيًا من أن يكون مُسلّم الحوالة مراقبًا ويتم إلقاء القبض عليهما.

قال “أسعد” إن حالة الرعب تلك ترافقه منذ خمسة أشهر، حين سمع بتعرض أحد معارفه لأمر مماثل وأمضى يومًا كاملًا في أحد الأفرع الأمنية للتحقيق معه، رغم أنه أخبرهم بأنه لا ذنب له وأحد أصدقائه أخبره أنه يريد إهدائه مبلغًا ماليًا ولينتظر رسالة.

وأضاف “أسعد” أنه ومنذ ذلك الوقت بات يخاف كثيرًا، وطبعًا لا يستطيع اتخاذ أي تدابير للحماية الشخصية، حتى مكان الاستلام والتسليم لا يستطيع تحديده، لأن مُسلّم الحوالة أخبره بأن تحديد الموعد والمكان أمر خاص بهم من أجل عامل الأمان.

ويواجه أصحاب الحوالات “السوداء” عمومًا مشكلات في التأخير، فعلى الرغم من علمهم بعملية إرسال الحوالة، إلا أنهم ينتظرون لفترة تتراوح بين ثلاثة إلى سبعة أيام لاستلامها.

اقرأ أيضًا: معاناة شهرية لقبض الراتب.. الصرافات الآلية في اللاذقية خارج الخدمة

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع