تراجع عدد اللاجئين السوريين الخاضعين لنظام “الحماية المؤقتة” في تركيا خلال عام 2023، أكثر من 313 ألفًا، وفقًا للإحصائيات الرسمية التي تنشرها رئاسة الهجرة التركية بشكل دائم.
وأظهرت الأرقام الرسمية التي صرح بها وزير الداخلية التركي السابق، سليمان صويلو، أن عدد اللاجئين السوريين حتى نهاية عام 2022، كان 3 ملايين و535 ألفًا و898 لاجئًا.
ويبلغ عدد اللاجئين في الوقت الحالي 3 ملايين و222 ألفًا و12 شخصًا، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن رئاسة الهجرة التركية، في 21 من كانون الأول.
بالمقابل، صرح وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا، في 17 من كانون الأول الحالي، عن عودة 604 آلاف و277 شخصًا “طوعًا” من السوريين إلى بلدهم، دون تحديد للوضع القانوني للعائدين، وذلك خلال الأشهر الـ11 الماضية، بفارق يصل إلى نحو 300 ألف عن تلك الأعداد التي أحصتها الهجرة التركية حتى 21 من كانون الأول، والتي تفيد بحذف قيد أكثر من 313 ألف شخص خلال عام 2023.
ولم تفسر الحكومة التركية تفاوت الأرقام، بين تصريحات وزير الداخلية وإحصائيات الهجرة التركية.
وتعمد الحكومة التركية إلى إلغاء قيد من يغادر الأراضي التركية عن إرادة شخصية إلى سوريا من المسجلين تحت “الحماية المؤقتة”.
عودة اللاجئين “طوعًا”
تشدد الحكومة التركية بشكل مستمر على أن عودة اللاجئين السوريين تحصل بطريقة “طوعية وآمنة وكريمة” ودون إهانة أو إجبار، بينما تعمل على حملات أمنية على مستوى البلاد لضبط المهاجرين “غير الشرعيين”.
وبالحديث عن “العودة الطوعية”، نقلت صحيفة “صباح” التركية أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وجه تعليمات لتنفيذ مشروع أطلق عليه اسم “نموذج حلب“، يهدف لإعادة اللاجئين إلى ديارهم عبر فتح أعمال تجارية في “المناطق الآمنة” (ريف حلب الشمالي وجزء من الشرقي) لإنشاء بيئة عمل للراغبين بالعودة.
وثقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية، في تقرير نشر في 27 من نيسان الماضي، تعذيب وقتل حرس الحدود التركي (الجندرما) لمدنيين سوريين على الحدود مع سوريا، خلال عبورهم بطريقة “غير قانونية”.
وطالبت المنظمة الحكومة التركية فتح تحقيق ومحاسبة المتورطين في هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ووضع حد للإفلات من العقاب القائم منذ فترة طويلة.
المادة رقم “33” من اتفاقية 1951، الخاصة بوضع اللاجئين، تنص على أنه “لا يجوز لأي دولة متعاقدة أن تطرد لاجئًا، أو أن تعيده قسرًا بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معيّنة، أو بسبب آرائه السياسية”.
حملات هدفها اللاجئون
انخفاض أعداد اللاجئين بشكل كبير، يأتي نتيجة حملات أمنية نفذتها السلطات التركية خلال العام الحالي، وخاصة بعد الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس، رجب طيب أردوغان، في 28 من أيار الماضي، بولاية جديدة إذ تعهد بخفض عدد المهاجرين “غير الشرعيين”
عقب أقل من شهرين من فوز الرئيس التركي، كشف وزير الداخلية، علي يرلي كايا، عن إصداره تعليمات بشأن ملاحقة المهاجرين “غير الشرعيين” في أنحاء تركيا، مشيرًا إلى أنها قد تستمر لأشهر، خلال مقابلة خاصة مع صحيفة “Hürriyet” في 6 من تموز الماضي.
الوزير تعهد حينها أنه خلال الأربعة حتى خمسة أشهر، سيلاحظ الفرق بأعداد من يخالفون قوانين الدولة التركية، إثر الحملة الأمنية التي تعمل عليها الدولة.
نهاية تموز الماضي، منحت الهجرة التركية مهلة للسوريين المقيمين في اسطنبول بشكل مخالف، قرابة شهرين، طالبت إثرها المخالفين بالعودة إلى ولاياتهم المسجلين فيها، وذلك حتى 24 من أيلول.
دفع البيان الصادر عن رئاسة الهجرة التركية، اللاجئين السوريين المخالفين في تركيا، للتوجه إلى خيارات أخرى اختلفت نظرًا لما هو متاح أمامهم، كما انعكس ترحيل السوريين من البلاد على أصحاب العمل من السوريين أو الأتراك في اسطنبول، منسببًا بأضرار جراء الفراغ في الأماكن التي كانوا يعلمون فيها.
ورفضًا للعنصرية ومعاداة اللاجئين في تركيا عامة والسوريين خاصة، شهدت منطقة الفاتح في مدينة اسطنبول، في 16 من أيلول الماضي، مظاهرة لعشرات الأشخاص من مختلف الجنسيات، تحت شعار “دعونا نرفع شعار الأخوة ضد العنصرية”.
وفي نهاية الشهر نفسه، حكم القضاء التركي بالسجن على ثمانية أشخاص من مديري ومحرري مواقع وحسابات معروفة باستهدافها لطالبي اللجوء والمهاجرين “غير الشرعيين” في تركيا.
وعملت تركيا خلال عام 2023، على إنشاء “نقاط الهجرة المتنقلة” لتسهيل عملية القبض على المهاجرين “غير الشرعيين” في 30 مدينة كبيرة بتركيا، لتزيد عددهم من 97 إلى 162 نقطة، مهمتها الأساسية تفقد أوراق المهاجرين.
الزلزال زاد المصاعب
زاد الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا من المشكلات التي واجهها اللاجئون السوريون خلال عام 2023، بسبب إقامة ما يقارب 1.7 مليون شخص في مناطق الجنوب التركي المتضررة من الزلزال الذي وقع في 6 من شباط، وتضررت إثره 11 ولاية تركية و4 محافظات سورية.
بعد فقدان عائلات سورية منازلها ومصادر دخلها، أضيفت إلى معاناتها مشكلة حذف قيود المنازل من قبل الدولة بعد هدمها، ما سبب إيقاف مساعدات “الهلال الأحمر” التركي (kizilay kart).
تسبب الزلزال بحالة نزوح جماعي من السوريين والأتراك باتجاه الولايات التي لم تتضرر، ما أدى لإصدار الدولة التركية قرارًا بالسماح للسوريين المقيمين في المناطق “المنكوبة” باستخراج “إذن سفر” في الولاية التي انتقلوا إليها، مدته شهران، لتزداد المدة بعدها إلى ثلاثة أشهر.
منح “إذن السفر” للسوريين المتضررين من الزلزال، لم يكن سهلًا، إذ يواجه اللاجئون مشكلات تستمر لفترة تصل إلى 20 يومًا، من عدم قبول تجديد “إذن السفر” أحيانًا لأسباب مختلفة من دائرة هجرة تركية إلى أخرى، وعند منحه يحدد بمدة 90 يومًا، ويجب تجديده مرة أخرى بعد انتهاء المدة المحددة.
وانتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية قرار منح اللاجئين المتضررين من الزلزال “إذن سفر” محدد بمدة زمنية، ووصفته بـ”قرار تعسفي”، ويجب أن تعلق القيود الزمنية إلى أجل غير مسمى.
بعض اللاجئين لم تسمح لهم ظروفهم فرصة مغادرة الولايات “المنكوبة” وتركوا داخل خيام مهترئة مع أطفالهم، لمواجهة حياة المخيمات العشوائية من ظروف إنسانية سيئة مغيبين عن خدمات يحتاجونها، وأمراض تحيط بهم بسبب البيئة غير المناسبة يرافقها غياب للخصوصية وخوف واضطرابات تركها الزلزال لدى العديد منهم.
وأثر الزلزال على عشر ولايات بتركيا، ما أدى إلى وفاة أكثر من 56 ألف شخص إثره، وأصيب نحو من 100 ألف آخرين، بين أتراك ولاجئين سوريين، وفق لبيانات “المكتب الإقليمي للشؤون الإنسانية” التابع للأمم المتحدة.
ولم تصدر أي إحصائية واضحة تضم أعداد اللاجئين السوريين الذين توفوا في تركيا جراء الزلزال.
قرارات مفاجئة
قبل ما يقارب الشهرين، تداول لاجئون سوريون أخبارًا عن قرارات “غير رسمية” بخصوص إغلاق كل من مخيم “نزيب” بولاية غازي عنتاب التركية، ومخيم “ألبيلي” في ولاية كلس بوقت متزامن.
رئيس بيت الإعلاميين العرب في تركيا، جلال دمير، أكد لعنب بلدي، وقتها، أن رئاسة الهجرة التركية أعلنت عن إغلاق مخيم “ألبيلي” في كلس وأخبرت إدارته بالقرار ليعمل بدوره على تنفيذه في الوقت المحدد، في 5 من تشرين الثاني 2023.
ويضم مخيم “ألبيلي” سبعة آلاف و732 شخصًا، وبدأ اللاجئون السوريون الإقامة بالمخيم بشكل فعلي في 3 من حزيران 2013، أما عن مخيم “نزيب” فكان يقيم فيه نحو 400 عائلة سورية من متضررين الزلزال.
وفي تشرين الأول الماضي، أكدت مديرة التواصل في اللجنة السورية- التركية المشتركة، إناس النجار لعنب بلدي، أن إدارة مخيم “نزيب” مددت المهلة الممنوحة للاجئين متضررين من الزلزال حتى 13 من الشهر نفسه، لمنح العائلات وقتًا أكبر لتأمين أنفسهم.
قرارات إخلاء المخيمات وضعت السكان أمام خيارين تحت الضغط، إما العودة طوعًا إلى سوريا أو الذهاب إلى الولايات التركية الأخرى باستثناء مدينة اسطنبول، مع دفع مبالغ تعويضية للعائلات، وقدرها 14 ألف ليرة تركية لكل فرد من الأسرة الواحدة ممن يرغب بالعودة طوعًا، بينما المبلغ المقدم لمن يريد الاستقرار في إحدى الولايات التركية فهو 6 آلاف و500 ليرة تركية للفرد الواحد، تعطى لمرة واحدة فقط.