عروة قنواتي
في بلاد عجت فيها الفوضى ودمرت أنظمتها الإدارية المتخلفة عطاءات الآباء والأجداد والأحفاد، في أرض أراد ملاك المزرعة فيها ألا يتركوا كرمًا ولا جهدًا إلا وقد غاص في بئر الأحقاد، تتتالى مصائب الرياضة من هنا وهناك وعلى مختلف المستويات والاختصاصات لتجد نفسك محتارًا عن أي صورة تحتاج إلى الشرح الفوري وفي أي مقام ستتحدث.
تعود لتقول لنفسك ولمن هم حولك بأن الفالج لا يعالج في مبدأ العصابات والفساد والمحسوبيات، وسرعان ما تجد أن تحفة جديدة ظهرت أمامك لا تعرف في وصفها أن تذرف دموع الضحك أم الحزن على كل ما يجري!
وعلى بعد خطوات قليلة من نهاية العام 2023، تتوج رياضة البلاد ومن استولى عليها منذ 5 عقود إلى الأن أشهى وأبهى صور التفرق والفساد والملاعب الطينية والأمنيات الخيالية وقصر النظر والوعود التي تعيد اختراع المياه الساخنة في كل مرة تطلق من هذا المسؤول أو من ذاك، يدورون في فلك بعضهم يخدرون الجماهير الرياضية التي نسيت الماء والكهرباء والتدفئة والحالة المعيشية الضنك مقابل فوز منتخبها أو تشجيع فريقها بما يليق بسمعة كرة القدم، ولكن هيهات هيهات.
في بلاد أقفرت طرقاتها بسبب الظلم والظالمين وأولي الأمر المسلحين كرمى عيون القائد وجيشه وصموده ومقاومته، هيهات أن تجد متنفسًا يليق برياضة البشر أو بالبشر كتعبير أدق.
صورة أولى بطلها المحترف عمر السومة، حيث أبعد الأرجنتيني هيكتور كوبر مدرب منتخب النظام السوري المحترف السومة عن التشكيلة، وأعلن أن القائمة المستدعاة للمشاركة في بطولة أمم آسيا مطلع العام المقبل في الدوحة لن يكون السومة فيها، وأيضًا تم استبعاد محمود المواس والسبب تراجع مستوى اللاعبين أمام الأسماء التي جاء بها كوبر إلى التشكيلة من خارج سوريا وهم يلعبون في أندية أوروبية وأصولهم سورية، مثل إلياس هدايا وبابلو صباغ وأيهم أوسو.
في الحقيقة، إن مشهدًا جديدًا مطورًا عن مشهد البطولة الآسيوية الماضية في الإمارات يعود إلينا من جديد أو إلى عشاق هذا المنتخب، إذ أقدم المدرب الألماني شتينغه على استبعاد فراس الخطيب من تشكيلة المنتخب المتوجهة للبطولة بحجة عدم الجاهزية، علمًا أن الخطيب حينها كان جاهزًا على الأقل لقيادة المنتخب للفوز على فلسطين والتعادل مع الأردن بما يكفي أحلام القائمين على المنتخب بالتأهل ولو لمرة واحدة تاريخيًا إلى الدور الثاني في أمم آسيا وكسر قاعدة الخروج المبكر من دور المجموعات، وهذه المرة نفس “الكلاكيت”، استبعاد بلا أي مسؤولية للمحترف السومة وكأن الذين تم استدعاؤهم قد تفاهموا ولعبوا مع بعضهم أكثر من 5 مباريات ودية.
السومة ومن قبله الخطيب أنجزا المهمة الإعلامية المطلوبة بوجودهم في سنوات كان النظام السوري يريد أن يرسل رسالة أن الوضع بخير في سوريا، وأن الرياضة تجمع أبناء الشعب الواحد في وقت كانت الزنازين تعج بأبناء الشعب، وكان وما زال الجيش العقائدي يدمر بيوت الشعب ويسحق أي صاحب قضية في وجه القيادة الحكيمة، انتهت كفالة السومة والخطيب، وخرج التيار الذي كان يرفض وجودهما ومن يشبههما في كل قطاعات الحياة داخل البلاد، وبلا آسيا بلا بطيخ.
الصورة الثانية لمسؤول يعترف بقوة اليابان، وبأن هذه هي حدود منتخباته، وأنه لا يجوز محاسبتها قبل أن ينضج الجيل الجديد في منتخبات الناشئين والشباب، السيد صلاح رمضان رجل المهزلة والمرحلة في هذه الأيام الذي صرح بأن منتخبه لم يفاجئ أحدًا بخسارته المذلة أمام اليابان، وأن منتخبه يحتاج إلى 100 عام للفوز على اليابان بعد تطورها، يغيب عن الشاشة بعد أن تقزمت صورة المنتخبات التي حلم بها بخروج مبكر وهزائم متتالية لمنتخب الناشئين في بطولة غرب آسيا، غرب آسيا وليس آسيا يا جماعة، لو كانت بطولة آسيا لربما شاهدنا 9 أهداف في شباك الجيل الجديد بكل مباراة، ومنتخب الشباب الذي لم يستطع خلال عامين تسجيل نتيجة تحفظ ماء وجه صلاح رمضان ومن معه في الاتحاد، صلاح رمضان الذي جلس يتفرج على الأندية وهي تعلن انسحابها من دوري الملاعب الطينية احتجاجًا على التحكيم وسوء القرارات والظلم في كل مباراة.
استنجد برفيق دربه السيد فراس معلا رأس الهرم الرياضي “سباح الغفلة في غينيس للأرقام القياسية” كي يرأب الصدع قبل فوات الأوان، فلم يخيب ظنه وجاء ومعه رتل من المسؤولين في اتحاد “الباسكيت” وزعيمه طريف قوطرس واتحاد “الفوتبول” وزعيمه صلاح رمضان، جاء ليقول إننا كلنا مع حكمة القيادة في نظرية تبويس الشوارب ورح نراضيكم بس انسولنا شوي حكاية الاتحاد الآسيوي والتهديدات بالانسحاب مشان ما ننسيكم الحليب اللي رضعتوه، وتم الرضوخ لهذه القصيدة الهزلية، وعادوا جميعًا مسرورين.
آخر صور العام ليست في الشباك الممزقة التي مر منها هدف الكرامة قبل أيام وكأن الكابتن ماجد هو من سدد في أفلام الكرتون، لا، الصورة من نادي الفتوة والإعلان عن هرب المحترف الترينيدادي ماركوس جوزيف من الفريق إلى خارج البلاد بعد أن قبض مستحقاته ورواتبه “ويا إيدكم على أول باص ورجليه في الهوا تخلي” تاركًا خلفه بيان النادي الذي ضجت به مواقع التواصل الاجتماعي وسط سخرية عشرات الآلاف من متابعي الرياضة داخل وخارج البلاد وأسفهم على الحال المزرية التي وصلت إليها الملاعب والمنشآت في عهد القيادة الحكيمة وزبانيتها.