في عام 2023، حازت سوريا العديد من المراكز الأخيرة على مستوى العالم في تصنيفات المنظمات الحقوقية العالمية والدولية، إذ وصلت الأزمة الإنسانية والحقوقية إلى أعماق جديدة، فيما تشير توقعات المحللين إلى أن العام المقبل لن يقل سوءًا عمّا شهدته سوريا في 2023.
ورصدت عنب بلدي إحصائيات المنظمات العالمية التي صدرت خلال العام الحالي، والتي تشير إلى وضع البلاد على المستوى الحقوقي، من الحريات وحقوق الإنسان.
وتشاركت سوريا التصنيف في المراكز الأخيرة مع الدول النامية والتي تعيش بعضها نزاعات داخلية أو حدودية.
سوريا.. بلد اللاحرية
تصدّرت سوريا للعام السادس على التوالي القائمة العالمية في انعدام الحرية، وذلك وفق تقرير منظمة “Freedom House” الأمريكية لعام 2023، الذي صنفت فيه 210 من الدول.
وعزت المنظمة الأمريكية هذا الترتيب إلى تعرض الحقوق السياسية والحريات المدنية في سوريا “للخطر الشديد” من قبل أحد أكثر “الأنظمة القمعية في العالم” ومن قبل القوى المتحاربة الأخرى.
وأشارت المنظمة إلى أن النظام يحظر المعارضة السياسية الحقيقية ويقمع بشدة حريات التعبير والتجمع، مع تفشي الفساد والاختفاء القسري والمحاكمات العسكرية والتعذيب في المناطق التي يسيطر عليها النظام، كما يتعرض سكان الأراضي التي تسيطر عليها جهات أخرى لانتهاكات أيضًا، تتضمن القتال العنيف والعشوائي، والحصار وانقطاع المساعدات الإنسانية، والنزوح الجماعي.
بدورها، صنّفت “وحدة الإيكونوميست للاستقصاء” نظام الحكم في سوريا الأخير عربيًا والمركز 163 عالميًا من إجمالي 167 بلدًا مصنفًا ضمن مؤشر الديمقراطية “Democracy Index”، في تقريرها الذي صدر العام الحالي، بتراجع عن تصنيفها بالمركز 162 العام الماضي.
ومنذ عام 2014 لم يتحسن تقييم المنظمة لمعدل الديمقراطية بالنسبة لسوريا، وهو ما فسرته بأن السيادة واحتمالات التحول الديمقراطي لا زالت تتقوض بسبب “خليط من القوات العسكرية الأجنبية والميليشيات المحلية والجماعات المتمردة”.
وتستمر الانتهاكات في سوريا بحق العديد من فئات المجتمع، إذ وضعت منظمة “مراسلون بلا حدود“، سوريا في المركز 175 من إجمالي 180 بلدًا في مؤشر أكثر البلدان التي سجلت انتهاكات ضد الصحفيين في عام 2023، متقدمة على تركمنستان وإيران وفيتنام، والصين وكوريا الشمالية، بينما كان مركزها 171 العام الماضي.
وبحسب إحصائية المنظمة، قتل شخص متعاون مع وسائل الإعلام في العام الحالي، كما يحتجز 24 صحفيًا وشخص يعمل مع وسائل الإعلام في 2023.
وتعد سوريا من أكثر البلدان انتهاكًا لحقوق الأطفال، وبحسب تقرير الأمم المتحدة السنوي المتعلق بـ”انتهاكات حقوق الأطفال في العالم”، جاءت سوريا كأسوأ بلد في العالم من حيث تجنيد واستخدام الأطفال.
وتحقق التقرير الصادر في تموز الماضي، من وقوع 2438 انتهاكًا “جسيمًا” ضد الأطفال في سوريا، تضمنت القتل والتشويه، والتجنيد، والاحتجاز والاختطاف، والعنف الجنسي، والهجمات على المدارس والمستشفيات، واستخدامها لأغراض عسكرية، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، إذ تضرر منها ما لا يقل عن 2407 أطفال في عام 2022.
وبحسب إجمالي عدد الانتهاكات، جاءت سوريا رابعًا بعد الكونغو و”إسرائيل ودولة فلسطين”، والصومال من حيث حصيلة الانتهاكات، فيما حلت ثانيًا بعد الكونغو من حيث عدد الأطفال المتضررين من تلك الانتهاكات.
وصُنفت سوريا الأسوأ في العالم من حيث تجنيد واستخدام الأطفال، بما مجموعه 1696 طفلًا، وتصدرت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بـ637 حالة تجنيد للأطفال.
النساء بدورهن أيضًا لم يسلمن من الانتهاكات بحقهن في سوريا، إذ صنّف معهد “جورج تاون” الأمريكي سوريا في المركز 171 من إجمالي 177 بلدًا مشاركًا في مؤشر أسوأ البلدان للعيش بالنسبة للنساء لعام 2023، بعد كل من بوروندي وجنوب السودان والكونجو وافريقيا الوسطى واليمن وأفغانستان.
العام الماضي صنفت ذات المنظمة سوريا بالمركز قبل الأخير كأسوأ البلدان للعيش بالنسبة للنساء من إجمالي 170 بلدًا مشاركًا بالتصنيف بعد أفغانستان، وذلك بسبب الانتهاكات المتكررة التي تتعرض لها المرأة في سوريا.
لا سلام في سوريا
يسلط تقرير منظمة “الرؤية الإنسانية” العالمية على حجم الصراعات في المستوى العالمي والمحلي، وللعام الحالي وضعت المنظمة سوريا في مؤشر “السلام العالمي” بالمركز 161 عالميًا من إجمالي 163 بلدًا مشارك في التصنيف، متقدمة على اليمن وأفغانستان.
وبحسب التقرير، أدى النزاع في سوريا إلى أكبر حركة نزوح عالميًا من سوريا، بحيث نزح 61% من السكان داخليًا أو كلاجئين منذ عام 2011.
شهد عام 2023 ارتفاعًا في أعداد طالبي اللجوء والمهاجرين هو الأعلى منذ عام 2016، وتصدّر السوريون أعداد طالبي اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، كما فقد الآلاف منهم حياتهم في أثناء محاولة اللجوء.
أعلن المركز الإحصائي للاتحاد الأوروبي (يوروستات)، في أحدث إحصائية له، أن عدد طلبات اللجوء في أيلول الماضي وصلت إلى 98240 طلبًا بالحصول على الحماية الدولية في دول الاتحاد الأوروبي، بزيادة قدرها 10% مقارنة بأيلول من عام 2022، إضافة إلى 5265 طلب لجوء تقدم لاحقًا.
وأشار تقرير المركز المنشور في 21 من كانون الأول الحالي، إلى أن السوريين شكلوا أكبر مجموعة من طالبي اللجوء في جميع الأشهر السابقة، وفي أيلول الماضي تقدم 19220 طالب لجوء سوريًا لأول مرة.
يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في بيانات الأمم المتحدة أكثر من 5.2 مليون شخص في الدول المجاورة لسوريا، بينما يبلغ عدد النازحين نحو 6.8 مليون نازح.
الوضع لا يزال رهيبًا
الباحثة الأولى المختصة بقضايا سوريا والأردن في منظمة “هيومن رايتس ووتش” هبة زيادين، قالت لعنب بلدي، إنه في جميع أنحاء سوريا حاليًا وبعد مرور أكثر من 12 عامًا على بداية “الحرب”، الوضع العام لا يزال “رهيبًا” من المنظور الحقوقي، والاقتصادي، والإنساني، والأمني، واصفة الواقع بـ “اليائس”.
وأضافت أنه لا يوجد أي جزء من سوريا آمن للعودة، فالفساد وانعدام الأمن منتشر في كل مكان، ولا تزال السجون ومراكز الاحتجاز أماكن “فظيعة ومزدحمة وغير عادلة”.
وحول الحلول الواجبة لبدء تحسن الأوضاع الحقوقية، ترى زيادين أنه دون إصلاحات “حقيقية وملموسة” تقوم على حقوق الإنسان وسيادة القانون، وتدعمها العدالة والمساءلة عن الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب، فلن “نرى سوريا تزدهر، لا في العام المقبل ولا بعد عقد من الآن”، على حد تصورها.
وازدادت في سوريا حوادث السرقة والقتل، إذ صنفت مدينة دمشق واحدة من بين المدن الأكثر انتشارًا للجريمة والأقل أمانًا، واحتلت المركز 22 عالميًا من إجمالي 323 مدينة صنفها موقع “Numbeo“.