في زقاق ضيق وخلال مطاردة مع شاب في العاصمة البريطانية لندن، تكتشف المحققة شاهارا حسن جثة رجل عار، قُلعت عينه اليسرى، وعلى معصمه وشم.
دقائق قليلة ستنقل الحلقة الأولى من مسلسل “Bodies” للمخرج بول تومالين مشاهديه إلى زمن آخر، بفارق 80 عامًا، في عام 1941، عندما تأتي الأوامر الغامضة للمحقق تشارلز وايتمان لانتشال جثة سرعان ما يظهر أنها الجثة نفسها في الزقاق نفسه.
ثم يأخذ المسلسل المشاهد إلى العام 1890، لتظهر الجثة نفسها مع محقق آخر.
تفاصيل الجثة وزاوية انحنائها على الأرض، العين الوحيدة المتبقية مفتوحة، جسد أشبه بتمثال شمعي والوشم في المكان نفسه، كل العناصر تتكرر باستثناء الزمن والمحقق، وسرعان ما سينتقل المشاهد إلى العام 2053، ليتكرر الأمر.
اتخذ فريق العمل اتجاهًا جديدًا في المسلسلات البوليسية ومسلسلات الجرائم، ليس المحقق ولا القتيل أو حتى القاتل هو البطل، بل هذه المرة الزمن هو من يلعب دور البطولة، تسانده طريقة سرد الحكاية في أربعة أزمنة مختلفة، وهو ما يعني ميزانية كبيرة لديكورات متعددة ومختلفة التفاصيل، وهو ما يمنح مساحة لمدير التصوير والمخرج كذلك لاستغلال كل التفاصيل الممكنة على الصعيد البصري.
وبعيدًا عن العناصر التي ميزت العمل من ناحية الديكور والإخراج والمؤثرات البصرية، يمكن الوقوف عند نقطة استغلال الخيال العلمي في مسلسل بوليسي، ما يمنح الفرصة لرواية حكاية تنتمي لموضوع معتاد، بطريقة جديدة.
كما أن وجود أربعة أزمنة مختلفة والربط بينها عبر مسبب واحد، يعني مزيدًا من التفاصيل الدرامية، ومساحة أكبر لأن تلعب الشخصيات دورًا مهمًا في الحكاية، وتوظيفها بمكانها الصحيح.
في المقابل، لا يخلو العمل من بعض الكوميديا، وليس المقصود هنا النوع، أو وجود مواقف مضحكة، بل بداية حبكة عام 1941، التي بدت مكررة وساذجة وخالية من أي إثارة على عكس البدايات الأخرى، والمشكلة هنا أن عامل الإثارة أمر أساسي في الحكايات من هذا النوع، وهي نقطة يعرفها صنّاع العمل جيدًا، إذ وظفوا كل ما يمكن من عناصر فنية لأجلها، إلى جانب السرد.
من طرف آخر، وكعادة “نتفليكس”، هناك الرسائل نفسها المكررة التي لم تعد تقنع أحدًا، ليس مصادفة الحديث عن معاداة السامية في 1941، بالتزامن مع الغارات الألمانية، والمحقق اليهودي الذي ينظر إليه الآخرون باستحقار ليهوديته، رسالة مكرورة في وقت تخرج فيه مظاهرات بعشرات المدن الأوروبية والأمريكية تنديدًا بمجازر تنفذها قوات دولة احتلال تعرف نفسها بشكل رسمي أنها دولة “يهودية”، ضد مدنيين في قطاع غزة.
هذه الرسالة الساذجة التي توجهها “نتفليكس” جاءت مطابقة في سذاجتها للحبكة الزمنية الوحيدة التي فشلت عمليًا في عامل الجذب، بل شكلت عامل ضغط إضافيًا على العمل، ووضعت صنّاعه أمام خيار إجباري باستحداث أي تفاصيل تجعل إيقاعه أفضل، أو بنفس السوية على الأقل، مع باقي أعوام الحكاية.
العمل من بطولة أماكا أوكافور وكيل سوبر وشيرا هاس، وحصل على تقييم 7.4 في موقع “imdb” (قاعدة بيانات السينما العالمية)، وعُرض للمرة الأولى في تشرين الأول الماضي.