ممدوح عدوان يحاول الإجابة عن “هواجس الشعر”
شكّل الشعر حالة فريدة في اللغة العربية، وكان سلاحًا إلى جانب السيف في المعارك، ووسيلة لجني المال من السلاطين في بلاط الحكم، وبوابة لتخليد قصص العشاق، وبقدر أهميته حملت إحدى سور القرآن اسم “الشعراء”، كدلالة على دورهم خلال سنوات الدعوة الأولى في تاريخ الإسلام.
حفر مئات الشعراء أسماءهم في تاريخ الشعر العربي، من امرئ القيس وطرفة بن العبد في الجاهلية، ومعارك الفرزدق وجرير في القرن الأول الهجري، ثم المتنبي، وصولًا إلى أحمد شوقي في العصر الحديث ونهاية القرن الـ19، وحتى نزار قباني ومحمود درويش وأمل دنقل ورياض الصالح الحسين.
في كتابه “هواجس الشعر”، يقدّم الكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان (1941-2004)، الصادر للمرة الأولى عام 2007، وصدرت طبعته الثالثة في عام 2023، عن الدار التي تحمل اسمه مع دار “تكوين” في الكويت، دراسة حول هواجس الشعر العربي في زمن تتهاوى فيه كل الجماليات الواحدة تلو الأخرى، ويرى العرب هزائمهم السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية وحتى العاطفية بأم أعينهم.
يقول عدوان في كتابه، إن الشاعر، من خلال مخزون معرفي خاص به، مخزون يتحول إلى سليقة وغريزة، يكوّن العالم كما يريد، أو كما “يرى”، ويعيد صياغة العالم لكي يصبح شعريًا أكثر، أو لكي تنبعث فيه حياة أخرى غير الحياة المرسومة له.
إنه يرى الشيء حسب الشعاع المنطلق من عينه نحو ذلك الشيء، ولا يرى الشيء حسب الإشعاع الصادر من هذا الشيء نحو العين.
على عكس المشاعر التي تزين القصيدة، سواء كانت مشاعر الحب أم الكراهية أم الغضب، أو الهجاء والمديح، فإن عدوان لا يحكي مع قارئه بشاعرية، بل يذهب إلى دراسة أحوال الشعر والشعراء السوريين والعرب، ويحلل بنية الشعر نفسه، كذلك يحاول الإجابة عن أسئلة تلح على محبي الشعر: كيف يفكر الشعراء؟ كيف يأتي الإلهام ومن أين ولماذا؟ وربما الأهم: ماذا يريد الشعراء؟
ويبدو أن الغرض الأساسي من الدراسة التي قدمها عدوان، الذي نشر بالفعل أكثر من 20 مجموعة شعرية، عدا عن الروايات والمؤلفات والمسرحيات، كان الإجابة عن أسئلة راودته شخصيًا، قبل أن تراود القارئ، ويحاول الإجابة عنها، ويمكن الاستدلال على هذا الأمر من خلال العنوان نفسه “هواجس الشعر”.
ليس بالضرورة أن يقرأ عشاق الفلسفة أو الشعر أو المثقفون وحدهم كتاب عدوان، هو كتاب مناسب أيضًا لمن يحب عملية التشريح، ففي تشريح القصائد المذكورة، ومنها قصائد لنزار قباني، هناك تشريح للمجتمع والكلمة وجيل من المثقفين، ودور الشعر بالأمس واليوم، وكذلك غدًا على اعتبار أن لا تغيير إيجابي في ظروف العالم العربي.
من يبحث عن إجابات عن الشعر ودوره وأهميته وأسباب تراجعه وضعفه ونقاط ضعفه، وكيف ولماذا الشعر، يجدها في كتاب عدوان، مع مساحة للاتفاق والاختلاف أيضًا، وهو أمر مطلوب، وسيكون كذلك أمام كمية دسمة من المشاعر المتدفقة والشاعرية اللافتة في كتابات يحتفي بها عدوان لأصدقائه وشعراء آخرين، وسط نقد بنّاء وقدرة مدهشة على دفع القارئ للاستمرار بالقراءة حتى الحرف الأخير، دون أي استعراض لقدرات غير موجودة، أو استعلاء لمثقف، هو فقط حديث من شاعر عن الشعر لمن يحب الشعر أو لا يحبه، بنفس ثقافي سوري أصيل وبسيط.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :