عنب بلدي – محمد فنصة
تنتشر على تجمعات السوريين في وسائل التواصل الاجتماعي من مجموعات وصفحات خدمية، استفسارات عن أفكار لمشاريع تتراوح تكلفتها بين مليونين و50 مليون ليرة، بحسب مقدرة الشخص السائل المادية، في حين حددت وزارة الاقتصاد رأس المال للمشروع التجاري “المتناهي الصغر” بمبلغ يصل إلى 60 مليون ليرة سورية، ضمن دليل تعريفها للمشاريع العام الحالي.
مبلغ 60 مليون ليرة لا يعد كبيرًا بالنسبة لرأس مال مشروع تجاري، إذ يساوي نحو 4285 دولارًا، بحسب سعر صرف “السوق السوداء“، لكنه صعب المنال للشريحة الكبرى من السكان، جراء الوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا وأثره على القوة الشرائية، وبات أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر، و70% منهم أو 12 مليون سوري لا يعرفون من أين ستأتيهم الوجبة التالية من الغذاء، وفق البيانات الأممية
بالمقابل، وفي ظل هذا الوضع ومع تضييق خيارات اللجوء، يسعى بعض السكان إلى بيع أصولهم وممتلكاتهم لتأمين مبلغ وفتح مشروع تجاري يسهم بتوفير دخل مادي ثابت، عوضًا عن صرف المبلغ على طريق اللجوء.
ما المبالغ المحددة في المشاريع الصغيرة
بحسب دليل وزارة الاقتصاد في حكومة النظام السوري لتعريف المشاريع، فإن رأس المال المطلوب لإقامة مشروع يختلف حسب القطاع الذي يتبع له المشروع وحسب الحجم.
القطاع الزراعي (عدا الأراضي):
- المشروع المتناهي الصغر يصل رأس ماله إلى 50 مليون ليرة.
- المشروع الصغير يتراوح رأس المال فيه بين 50 مليونًا و750 مليون ليرة.
- المشروع المتوسط يتراوح رأس ماله بين 750 مليونًا و2.25 مليار ليرة.
القطاع الصناعي:
- المشروع المتناهي الصغر يصل رأس ماله إلى 75 مليون ليرة.
- المشروع الصغير يصل رأس ماله حتى 1.5 مليار ليرة.
- المشروع المتوسط يتراوح بين 1.5 مليار و6.75 مليار ليرة.
القطاع التجاري:
- المشروع المتناهي الصغر 60 مليون ليرة.
- المشروع الصغير يصل إلى 600 مليون ليرة.
- المتوسط يتراوح بين 600 مليون و2.25 مليار ليرة.
القطاع الخدمي:
يزيد حجم رأس المال في القطاع الخدمي على غيره من القطاعات.
- المشروع المتناهي الصغر يصل إلى 150 مليون ليرة.
- المشروع الصغير يصل إلى 2.25 مليار ليرة.
- المشروع المتوسط قد يبلغ 7.5 مليار ليرة.
هذا التصنيف يقوم بناء على عدة مؤشرات تتعلق بالمشروع وهي عدد العمال، وقيمة المبيعات، ورأس المال المستثمر.
قرارات تنفي الدعم
تروج حكومة النظام السوري دعمها للمشاريع الصغيرة في البلاد، وأهميتها بالنسبة للاقتصاد المحلي، بينما تشير قراراتها لعكس هذا الترويج.
منذ عام 2020، قال رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أمام مجلس الشعب، “يجب أن ندعم الاستثمار الصغير، لقدرته الكبرى على حمل الاقتصاد الوطني، لأنه مرن، وأكثر قدرة على تحمل الضغوطات ومواجهة الحصار، وأكثر تنوعًا وتوزعًا جغرافيًا، وأكثر اعتمادًا على الموارد المحلية، وتكاليفه أقل، وتمويله أسهل”.
وفي عام 2022، تجلى دعم حكومة النظام للمشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال تنفيذ “هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة” لمجموعة من برامج التأهيل والتدريب وبناء القدرات وحواضن الأعمال، وتعزيز فرص وصول العديد من العاملين في هذا القطاع إلى التمويل والعمل، أو لتأسيس المشاريع الخاصة بهم، بحيث استفاد من هذه البرامج نحو تسعة آلاف شخص، وفق حديث رئيس الوزراء، حسين عرنوس، في تموز الماضي.
وتمنح المصارف الحكومية والخاصة قروضًا لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر بسقوف مختلفة، لكن بشروط ضمان صعبة وفوائد مرتفعة وطلبات معقدة.
المستشار الاقتصادي أسامة قاضي، قال لعنب بلدي، إن النظام السوري هو آخر من يحق له التحدث عن المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، بعدما أغلق “هيئة مكافحة البطالة” وألحقها بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عام 2005، لتتحول إلى هيئة تشغيل وتتوقف عن العمل بشكل “شبه نهائي”.
وبحسب قاضي، كانت هذه الهيئة عام 2004 تخلق عشرات الآلاف أو أكثر من الوظائف وفرص العمل، كما كان هناك ما بين 14 ألفًا إلى 15 ألف مشروع ممول من قبل الهيئة.
وبعد إلحاق الهيئة بالوزارة، ألحق معها موازنتها المخصصة للإقراض التي كانت بقيمة 50 مليار ليرة عام 2004، ومن بعدها توقفت بشكل شبه نهائي كل القروض المعطاة لأصحاب المشاريع، وفق قاضي، الذي أشار إلى أن المشاريع الممولة كانت تخلق في الحد الأدنى ثلاث إلى أربع فرص عمل ما بين دوام كلي ودوام جزئي.
وبسبب تركيبة النظام الإداري في سوريا، بما فيه من “فساد مستشرٍ ومحسوبيات وتعيين بناء على ارتباطات عسكرية مع شخصيات مفصلية في النظام”، وفق تعبير المستشار الاقتصادي، تعرضت تلك الموازنة المخصصة للإقراض “للنهب والهدر الكبير”.
وحول طبيعة الاقتصاد السوري، يرى قاضي أن دول العالم التي لديها طبقة وسطى كبيرة وقوية تعتمد على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وذكر ألمانيا كمثال، نهض اقتصادها بعد اعتماد أكثر من 80% منه على المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ودعم المشاريع الكبيرة، وإيجاد التمويل للمشاريع الخاصة، وهو ما ليس متوفرًا في الاقتصاد السوري.
وبينما كان هناك نحو مليون عاطل عن العمل بنسبة تجاوزت 20% في سوريا عام 2004، لم يؤخذ بأي من 28 توصية من أجل حل مشكلة البطالة قدمها حينها المستشار الاقتصادي أسامة قاضي لـ”هيئة مكافحة البطالة” التابعة لرئاسة الوزراء وللأسد أيضًا، لكن خلافًا للتوصية الأولى جرى إلحاق الهيئة بعدها بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.
مشاريع متوقفة ورحيل تجار
صرح المدير العام لـ”هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة”، إيهاب اسمندر، في 23 من تشرين الثاني الماضي، بأن الهيئة نفذت إحصاء لعدد المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بالتعاون مع المكتب المركزي للإحصاء، إذ بلغ عدد هذه المشاريع نحو 777 ألف مشروع، يعمل منها قرابة 461 ألف مشروع.
وبحسب اسمندر، فإن الاقتصاد السوري قائم على المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر بشكل أساسي، بينما المشروعات المتوسطة لا تشكل أكثر من 4% من الاقتصاد السوري.
وعزا هذا التوجه لسهولة إقامة المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، لكونها تعتمد على رأس المال البشري أكثر من رأس المال المادي، إضافة إلى إمكانية إقامتها في بلدة أو ريف وفي أماكن السكن، على عكس المشروعات المتوسطة التي تحتاج إلى أماكن خاصة للمباشرة بها وتكاليف عالية لتوفير البنية التحتية اللازمة لإقامتها.
كشفت غرفة تجارة دمشق عن خروج أكثر من 100 ألف تاجر لديهم سجل تجاري من السوق السورية، مرجعة السبب لنقص الدعم الحكومي للتجار.
وقال عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، ياسر أكريم، لصحيفة “الوطن” المحلية، في 5 من كانون الأول الحالي، إن عدد السجلات التجارية الموجودة في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك نحو 110 آلاف سجل، في حين أن السجلات الفاعلة منها حاليًا ضمن غرفة تجارة دمشق نحو سبعة آلاف سجل.
وانتقد أكريم تراجع أعداد التجار بما يمثله من خسارة للاقتصاد، مشيرًا إلى وجود قوانين أسهمت بأذية التجار، منها بند معاقبة التاجر بالحبس في القانون رقم “8” الخاص بحماية المستهلك عند ضبط مخالفة في التسعيرة، إضافة إلى تقييد حركة رأس مال التاجر نتيجة وجود منصة تمويل المستوردات.
المستشار الاقتصادي أسامة قاضي، يعتقد أنه في وضع الاقتصاد السوري الحالي لا يمكن لأي مشاريع صغيرة أو متوسطة أن تنجح، لأن العملة المحلية غير مستقرة والقدرة الشرائية للسكان منخفضة للغاية، فضلًا عن “القوانين الجائرة والرسوم والإتاوات”.
وبما يخص الدعم الحكومي لهذه المشاريع، يرى قاضي أنه لا توجد مداخيل حقيقية في موازنة الدولة، التي تستمر بزيادة العجز كل عام، وهو ما يمنع من فتح هيئة لدعم هذه المشاريع كالتي كانت سابقًا.
وأوضح قاضي أنه إذا أرادت حكومة النظام تخصيص ذات القيمة (50 مليار ليرة) لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة كما كانت في عام 2004 عبر “هيئة مكافحة البطالة”، فهي تحتاج إلى 700 تريليون ليرة، بينما موازنة عام 2024، 35.5 تريليون ليرة.
ويرى المستشار الاقتصادي أن انتشار الفساد في سوريا واحد من أهم أسباب فشل قيام أي مشروع، مشيرًا إلى أن تصنيف سوريا ضمن قائمة منظمة “الشفافية الدولية” عام 2011 كان 144 من إجمالي 180 دولة، وأصبح 178 في عام 2022.