يستغلون الظروف الأمنية وغياب المالكين
غاصبو بيوت في سوريا يحرمون أصحابها من حق التصرف
عنب بلدي – ريم حمود
“عندما طلب أخي من المقيم بمنزلي الخروج، كتب فيه تقريرًا أدى إلى اعتقاله من قبل الأمن السياسي لمدة شهر”، هذا الموقف على لسان محمود العاسمي يلخص معاناة الرجل وعجزه عن إخراج عائلة كانت قد قطنت في منزله بعد قراره السفر إلى أمريكا.
محمود (52 عامًا) الذي ينحدر من حي السبيل شمال غربي محافظة درعا، سافر إلى أمريكا بعد أربعة أعوام من انطلاق الثورة السورية التي بدأت في آذار 2011، وكان قد أتاح لعائلة نزحت إلى مدينة درعا أن تقطن في منزله قبل مغادرته سوريا.
ترك بعض أصحاب المنازل ممتلكاتهم في سوريا بحوزة أشخاص لا يعرفونهم معرفة شخصية، وبعضهم سمحوا لأشخاص تربطهم بهم صلة قرابة بالإقامة، تعرض العديد منهم لمشكلات منها السطو على هذه الأملاك وغصب العقار من أصحابه، دون القدرة على إخراجهم، لأن المالكين من معارضي النظام السوري ومعرضون لخطر الاعتقال إن قرروا العودة إلى سوريا واستعادة ممتلكاتهم.
كثيرون في سوريا مثل محمود تعرضوا لمشكلة غصب ممتلكاتهم، إذ تواصلت عنب بلدي خلال إعداد هذا التقرير مع ثلاثة من مالكي عقارات واجهوا نفس المشكلة، وتسلط عنب بلدي الضوء على محاولاتهم إخراج من يقيمون بمنازلهم في مناطق سيطرة النظام، ونقاش الطرق القانونية المتوفرة لاستعادتها.
غاصب العقار يتحكم
بعد بدء الثورة السورية، انتشرت ظاهرة تسليم منازل من قبل أصحابها إلى أشخاص نازحين من مدن أخرى أو إلى عائلات من أهالي المنطقة نفسها، أو عرضها للإيجار بأسعار رمزية، لأهداف متشابهة، منها تقديم المساعدة للآخرين أو لعدم ترك المنازل فارغة بعد مغادرة المنطقة وحمايتها من السرقة والنهب.
محمود العاسمي قال لعنب بلدي، إنه قبل سفره إلى أمريكا بنحو أسبوع في عام 2015، طلب منه أحد جيرانه السماح بإقامة عائلة نازحة إلى مدينة درعا داخل منزله، ولم يرفض حينها إسكانها دون مقابل، ولم يجرِ عقد إيجار بين الطرفين، بعد أن سمع قصة العائلة المكونة من 7 أشخاص وإقامتها ضمن قبو غير صالح للسكن في أحد الأبنية.
قال مالك المنزل لعنب بلدي، إنه ومنذ إقامة العائلة في المنزل ترد شكاوى عدة عن سلوكها وتعامل أفرادها مع “الأمن العسكري” في المنطقة، وكتابة تقارير حول شبان الحي، ما أدى إلى طلبه منها مغادرة المنزل، دون أن يلقى تجاوبًا.
حاول محمود إرسال أحد إخوته للحديث مع العائلة وحصل شجار بينه وبين أفرادها، لينتهي الأمر باعتقال أخيه مدة شهر في فرع “الأمن السياسي”، وكلفهم إخراجه دفع مبلغ عشرة آلاف دولار أمريكي، وبعد وصول تهديدات مبطنة من غاصب العقار لمحمود حول إيذائه بإخوته في حال قرر إخراجه، تأكد أنه على علاقة مع “الأمن العسكري”.
التهديدات الموجهة لمحمود دفعته إلى استشارة محامٍ من أصدقائه، ولكنه غيّر رأيه وأقنعه بالاستسلام للأمر الواقع في الوقت الحالي، لتجنب إلحاق الأذى بإخوته الموجودين في مدينة داعل القريبة، وفقًا لحديثه.
التسمية القانونية لهذا التصرف من غصب منزل أو ممتلكات تدعى “غصب العقار“، وبعض الكتب القانونية تسميه “وضع اليد غير المشروع”.
ولا يختلف الوضع كثيرًا بالنسبة لنهاد الفالوجي، التي سمحت لابنة خالتها وعائلتها بالسكن في منزلها بمدينة درعا قبل خمسة أعوام، دون تقاضي أي مبلغ مقابل ذلك، إلا أنها قوبلت برفض العائلة الخروج من المنزل عندما طلبت منها ذلك.
نهاد التي غادرت سوريا نهاية 2018 مع عائلتها ووالدتها إلى فرنسا، وافقت على طلب قريبتها بالسكن في المنزل لتسهيل عمل زوجها في أحد المحال التجارية القريبة داخل نفس الحي.
تحت الضغط
يستعمل المقيمون في منازل المغتربين أساليب عدة للضغط على مالك العقار، للهروب من تنفيذ طلب المغادرة، ومنها التحصّن بالسطوة الأمنية وتهديد المالك بإيذاء أقاربه، وأخرى بالتمنع باستغلال الظرف السياسي والأمني لمالك العقار، أو باستعطاف المشاعر.
نهاد الفالوجي سردت لعنب بلدي ما دار بينها وبين ابنة خالتها والسبب الذي دفعها لطلب منزلها بعد نحو 5 سنوات، وهو تأمين مكان لإقامة والدتها بعد العودة من فرنسا إلى مدينة درعا.
قالت نهاد، إن رفض الخروج من المنزل كان آخر احتمال يخطر على البال، إذ طرحت قريبتها حلولًا بديلة بسكن والدتها معهم في نفس المنزل إن أرادت ذلك أو عودة نهاد وعائلتها لإخراجهم.
ووفق ما روته نهاد، فقد تعرضت للضغط من ابنة خالتها التي استغلت معارضتها للنظام السوري، ما يبعد احتمالية خيار عودتها إلى سوريا، وتقيم والدتها في الوقت الحالي بمنزل مستأجر بمبلغ 400 ألف ليرة سورية في درعا.
أما ابتسام (التي رفضت ذكر اسمها الكامل)، فقصتها تختلف بعض الشيء، إذ علمت من معارفها في مدينة داريا بريف دمشق حيث تنتمي، بأن منزلها الذي تركته نصف مدمر إثر قصف قوات النظام للمدينة جرى ترميمه من قبل عائلة من المنطقة نفسها دون استئذان أو انتظار موافقة من أصحابه.
ابتسام البالغة من العمر 58 عامًا، مهجرة من مدينة داريا إلى شمال غربي سوريا، قررت عرض منزل عائلتها للبيع في أواخر 2021، إلا أن إقامة تلك العائلة فيه عاقت إجراءات حصر الإرث التي كانت ستعمل عليها عبر محامين بريف دمشق.
تمكنت ابتسام من الاتصال هاتفيًا بالعائلة التي رفضت المغادرة بذرائع منها التكلفة المالية الكبيرة لاستئجار منزل، والظروف المعيشية السيئة بريف دمشق، وغياب السكن البديل، إلا أن الحديث انتهى بالرفض القاطع ووضع شرط إحضار أوراق الملكية، وفقًا لابتسام.
ثبوتيات “غائبة” تعوق الحلول
يحاول بعض أصحاب المنازل اللجوء للقانون وتوكيل محامٍ سعيًا إلى قرار يصب باستعادة حقوقهم، لكن غياب الأوراق وضياعها يعوق العملية، والمساءلة الأمنية التي تلحق بالشخص الموكَّل تدفع المحامين لرفض مثل هذه القضايا في كثير من الأوقات.
قصة ابتسام لم تنتهِ عند طلب المقيمين بالمنزل إحضار أوراق الملكية، إذ وكلت محاميًا لمتابعة القضية، واستخراج أوراق ملكية بدل الضائعة التي فقدتها خلال القصف والنزوح، بحسب ما تحدثت لعنب بلدي.
أفادت السيدة أن بقية إخوتها وأخواتها لا يملكون في الوقت الحالي سندات ملكية أو عقودًا تثبت ملكيتهم للمنزل، ووجود أخ معتقل لديها دفع المحامي إلى رفض استكمال القضية، خوفًا من المساءلة القانونية من النظام السوري، بسبب موقف العائلة السياسي ومعارضتها لنظام الحكم.
وبالعودة قليلًا إلى نهاد الفالوجي، أفادت أنها شرحت ما حدث معها لمحامٍ في درعا أوضح لها بضرورة وجود عقد إيجار بين المستأجر وصاحب المنزل، ومن الصعب إجراء وكالة لوالدتها في درعا، إذ تبلغ من العمر 73 عامًا، ولا تستطيع ملاحقة الأمور القانونية ولا تملك أي أوراق ثبوتية تؤكد ملكيتها للمنزل، وجميع أوراق الملكية مع نهاد بفرنسا، بحسب ما تحدثت لعنب بلدي.
قوانين مصادرة أملاك المعارضين
منذ بداية عام 2011، أصدرت حكومة النظام السوري مجموعة من القوانين والمراسيم التشريعية المتعلقة بحقوق الملكية، أثارت مخاوف السوريين الموجودين داخل وخارج سوريا، وشملت الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لمعارضين سياسيين أو متعاطفين مع الثورة السورية متهمين بدعم ما يسميه النظام بـ”الإرهاب”.
كما صدرت قوانين ومراسيم تشريعية تؤثر على ممتلكات الأهالي خاصة المتهمين بتهم “الإرهاب”، ومنها قانون “مكافحة الإرهاب” رقم “19” الصادر في تموز عام 2012، وتكمن خطورته بتجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة لكل من يشتبه بارتكابه جرائم من هذا النوع.
المحامي السوري أحمد صوان، قال لعنب بلدي، إن قانون “مكافحة الإرهاب” يشمل أملاك السوريين المقيمين خارج سوريا في حال صدور أحكام بحقهم، إذ يضم فقرات تتضمن الحجز على العقارات أو مصادرتها وتسجيلها باسم الدولة.
وعن مصير المنازل التي يقيم فيها أشخاص منذ سنوات، هناك حالتان لاسترداد العقار، أولاهما إذا كان العقار مسجلًا في السجل العقاري، يبقى باسم المالك ولا يمكن لمن وضع يده أن ينقل ملكيته إليه، وتعتبر هذه الطريقة أسهل وأسلم قانونيًا لاسترداده عن طريق القضاء.
أما إذا كان العقار مسجلًا باسم شخص آخر، فهنا تتعقد القضية لوجود عدة حالات، إما أن يكون العقار تم شراؤه بموجب وكالة الكاتب العدل أو بموجب قرار حكم صادر من المحكمة، أو بعقد عرفي وفق ورقة سند مستندها البصمة والتوقيع والشهود، ولكل حالة من هذه الحالات تفصيل للموقف القانوني للمنزل، وفقًا لصوان.
وأضاف المحامي صوان أن الشراء إن كان بموجب وكالة الكاتب العدل فالمطلوب من المشتري تنفيذ الوكالة لدى دوائر السجل العقاري، لتصبح الملكية “سند طابو أخضر”، ويستطيع من خلال هذا الإجراء توكيل شخص أو محام ليقومٍ بنقل الملكية لدى مكتب التوثيق العقاري.
“يجب على مالك العقار إظهار بيان (عقد عقاري) يثبت ملكيته للمنزل الذي يطالب فيه ليتمكن من استرداده، والمطالبة بأجور العقار طوال فترة الاستيلاء وما يسمى قانونيًا (الادعاء بأجر المثل)، ومن حق المالك المطالبة بعقاره”.
أحمد صوان
محامٍ سوري
وفي حالة فقدان مالك العقار ثبوتيات ملكيته المسجلة في السجل العقاري، يستطيع استخراج بيان عقد عقاري أو بدل ضائع من سند التمليك عبر توكيل شخص أو محامٍ لمتابعة الإجراءات، أما بيان العقد العقاري فيستخرج من قبل أي شخص من السجل العقاري مقابل رسوم بسيطة، وفق المحامي صوان.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :