خالد الجرعتلي | يامن مغربي
شكلت 12 عامًا من الحرب سببًا لتآكل المؤسسة العسكرية التابعة للنظام في سوريا، على وقع حملة طويلة بدأتها عام 2011 لقمع احتجاجات السوريين، وتحولت تباعًا لمواجهات عسكرية بينها وبين جماعات مسلحة وشبه عسكرية مضادة غير رسمية، منها ما يمثل فصائل المعارضة المسلحة، ومنها ما هو قادم من خارج الحدود معلنًا العداء للنظام والمعارضة في آن واحد، كتنظيم “الدولة الإسلامية”.
ومع مسارات تبريد الجبهات التي أطلقتها الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة في الملف السوري، بدأت روسيا عمليات تدريب لوحدات من الجيش السوري على تكتيكات حرب متقدمة، في محاولة لإنشاء ما أسمته وزارة الدفاع الروسية سابقًا بـ”قوات جوية حديثة”.
ومؤخرًا، أصدر النظام السوري سلسلة من القرارات تتعلق بالمؤسسة العسكرية، قال مدير الإدارة العامة في وزارة الدفاع بحكومة النظام، اللواء أحمد سليمان، خلال لقاء مع قناة “الإخبارية السورية“، إنها تستهدف إنشاء “جيش محترف حديث ومتطور، بقرار من بشار الأسد”.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع خبراء وباحثين مساعي النظام لإنشاء جيش “حديث”، وإمكانية تطبيق هذه المطامح في ظل الهيمنة الروسية- الإيرانية على المؤسسة العسكرية في سوريا.
قرارات لضبط السلوك
منذ نحو شهر، وجهت وزارة الدفاع بشكل متكرر دعوات للتطوع في صفوف قواتها، بأجور “مغرية” لا يتقاضاها العاملون في القطاع العسكري السوري، كما أنها حددت مدة الخدمة العسكرية، على غير العادة.
ورصدت عنب بلدي خلال العام الحالي مجموعة من القرارات والتعميمات الداخلية في المؤسسة العسكرية، فرضت خلالها مجموعة من القرارات تتعلق بآلية تعامل الجنود مع الإنترنت، والتواصل مع “الحلفاء“، إضافة إلى تعليمات أخرى هدفت للحد من التسريبات.
وفي أيلول الماضي، أصدرت الوزارة تعميمًا، طالبت فيه العناصر من العسكريين بعدم تمرير أي معلومات عسكرية للروس والإيرانيين وعناصر “حزب الله” الموجودين في سوريا.
سبق ذلك تعميمات اطلعت عليها عنب بلدي، طالبت فيها العسكريين في جيش النظام بعدم إرسال أي معلومات أو وثائق بشكل مباشر إلى القادة الإيرانيين والروس، فضلًا عن اشتراط حصول وفود الأطراف نفسها على موافقة لزيارة مقار قوات النظام العسكرية، وفي حال وجود مرافقين يتطلب حصولهم على موافقات أمنية.
هل يتجه النظام نحو “جيش حديث”
عقب تدريبات على عمليات القفز المظلي أجرتها لعناصر من قوات النظام السوري، أصدرت وزارة الدفاع الروسية إحصائية قالت فيها إنه بين عامي 2022 و2023، نفذ المظليون بجيش النظام أكثر من 17500 قفزة مظلية، منها أكثر من 8000 جرت خلال الليل.
وأدت هذه التدريبات إلى تأهيل أكثر من 20 جنديًا من قوات النظام كمدربين، للتدريب على عمليات القفز بالمظلات مع قبول التدريب الذاتي للأفراد في القفز بالمظلات.
الوزارة قالت إنها مستمرة بعملية إنشاء “قوات جوية حديثة” تتبع لجيش النظام في سوريا.
الخبير العسكري والعميد المنشق عن جيش النظام السوري عبد الله الأسعد، قال لعنب بلدي، إنه لا علاقة بين التدريبات التي تجريها روسيا لوحدات من الجيش السوري وبين تشكيل جيش محترف في سوريا.
وأضاف أن هذه التدريبات كانت تجري سابقًا بشكل دوري، قبل عام 2011، وتشمل قوات “الحرس الجمهوري” و”الفرقة الرابعة” و”القوات الخاصة”، إلى جانب وحدات الاستطلاع في الألوية والفرق العسكرية.
الأسعد أشار إلى أن هذه التكتيكات العسكرية والتدريبات لم ينتج عنها “جيش محترف” حتى قبل بداية العمليات العسكرية في سوريا.
ويرى الخبير العسكري أن كمية التدريبات، أو نوعيتها، أو القوانين المطروحة في الجيش، لا تلعب دورًا رئيسًا في تشكيل “جيش محترف”، إنما نوعية الأفراد المنتقين داخل هذا الجيش هي الأساس.
الأسعد تابع أن “عقيدة الجيش” هي الأولوية لتشكيل جيش محترف، لكن هذا ما لم يتوفر في الجيش السوري سابقًا، إذ كانت “العقيدة” المعمول بها هي “عقيدة المنفعة الشخصية وبراغماتيًا حماية القائد من الداخل بالذات”.
ما العقيدة العسكرية؟
أورد “المعهد المصري للدراسات” أربعة تعريفات للعقيدة العسكرية هي:
- النظرية العلمية أو الفلسفة والسياسة العسكرية للدولة، وتعبر عن وجهات النظر الرسمية لها، المتعلقة بالقواعد الأساسية للصراع المسلحة، بما في ذلك طبيعة الحرب وطرق إدارتها.
- الأساس والقوة المحركة للتاريخ العسكري، والعقل المفكر الذي يضع الأحداث والتفاصيل والخطط.
- السياسة العسكرية العامة التي تنتهجها الدولة، في إطار المبادئ الأساسية المتعلقة بشؤون الحرب وغايتها.
- علم وإعداد واستخدام القوات المسلحة للدولة بغرض تأمينها وتنظيم إدارة الصراع المسلح لتحقيق العقيدة السياسية.
الولاء أساس
عرّف معجم “أوكسفورد” “الجيش الاحترافي” بأنه يضم جنودًا أفضل تدريبًا واستعدادًا للقتال من المواطنين، وتشير الاحترافية إلى روح مختلفة تمامًا ونقطة مرجعية للجنود، مع توحيد لتدريباتهم ليعملوا معًا حتى لو لم يعرفوا بعضهم بشكل مسبق، كما يرتبطون بالسمعة بشكل أوضح.
ويناقض “الجيش المحترف” نظيره “العقائدي”، وفق ما ذكره “مركز الأبحاث الشمالية“، مع الابتعاد عن الحلول الدفاعية وعدم الحاجة للتعبئة الشاملة في حالات الحرب، إذ انخفض الاهتمام بالزوايا المتعلقة بالتعبئة مع انتهاء الحرب “الباردة”.
“يمكن لأي جيش أن يكون محترفًا، ولكن يجب أن نتساءل كيف، ولماذا يكون الاحتراف مطلبًا، إن جيش النظام يملك بنية جيش احترافي ويعتمد التشكيل الشرقي في تقسيم وحداته، ولكن الفكرة الأساسية هنا بالعنصر البشري فيه، الذي يجعل من الصعب أن يتجه نحو جيش محترف”.
محسن المصطفى
باحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”
الباحث المتخصص في العلاقات العسكرية المدنية بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محسن المصطفى، قال لعنب بلدي، إن من الصعب بالنسبة لجيش النظام السوري أن يكون محترفًا، خصوصًا أن الولاء يلعب “دورًا محوريًا” في الترقية والتعيين في المناصب، وليس الاحترافية.
وبناء على ما سبق، يرى الباحث أن تشكيل جيش محترف مطلب “بعيد المنال” بالنسبة للنظام السوري.
العميد عبد الله الأسعد قال من جانبه، إن الجيش السوري قائم ومنذ سنوات على “الفساد”، ولا يمكن أن يكون في يوم من الأيام قادرًا على دفع الأزمات عن البلد.
الأسعد أشار إلى الجيش السوري كان في السابق وحتى خلال الفترة التي سبقت الثورة السورية يتلقى دعمًا من جهات عديدة، وحتى من دول الخليج.
وأشار إلى أنه عاين خلال فترة خدمته في الجيش السوري هبات كانت تأتي إلى المؤسسة العسكرية من بلدان أخرى، أو جيوش أخرى، ويقصد بالهبات هنا المساعدات المالية، أو المساعدات العينية، لكنها لم تساعد في صناعة جيش محترف لأن بنيته كانت تقوم على “الانتقائية الطائفية، لا تكافؤ الفرص”.
ماذا عن الحلفاء؟
تنتشر في سوريا وبمناطق سيطرة النظام السوري بالتحديد العشرات من الميليشيات غير النظامية، منها ممول من أطراف دولية وإقليمية، مثل ميليشيات ذات طابع راديكالي شيعي، تمولها طهران منذ سنوات.
وتوازي هذه المجموعات من الجانب الآخر مجموعات عسكرية أنشأتها روسيا في سوريا، لكنها بدأت تدريجيًا منذ عام 2021 تتجه نحو الانخراط في الجيش السوري، مثل “اللواء الثامن” الذي شكلته موسكو بمحافظة درعا من بقايا فصائل المعارضة التي انتهت سيطرتها مع حلول تموز 2018.
مركز “مالكوم كير– كارنيغي” للشرق الأوسط نشر دراسة عام 2020، أشار فيها إلى أن المستشارين الروس يستخدمون خبرتهم في تحديث قوات النظام منذ 2015، لإعداد هيكل فعال، في وقت يواجه النظام مهمة صعبة تتمثل بتنظيم قواته، خاصة أن تطوير هذه القوات تعد أولوية للنظام.
الباحث في مركز “عمران للدراسات” محسن المصطفى، خلص في دراسة أعدها سابقًا حول هيكلية الجيش السوري، إلى أنه من الممكن ملاحظة تأثر سلسلة القيادة والأوامر في هيكلية الجيش والقوات المسلحة السورية بشكل كبير بعد عام 2011.
وأرجع هذا التأثر إلى متغيرات وعوامل على رأسها التدخل العسكري لحلفاء النظام، وأثره المتنامي يومًا بعد يوم، وبخاصة التأثير الروسي بشكل أكبر من الإيراني في بنية الجيش والقوات المسلحة، ضمن دوائر تأثير رسمية وشبكات غير رسمية، الأمر الذي انعكس أحيانًا بصيغة تجاوز الالتزام الرسمي بسلسلة القيادة والأوامر وكسر مركزيتها التقليدية، بشكل أدى إلى صعوبة فرض سيطرة كاملة وتحكم فعلي ببعض الوحدات العسكرية.
وعلى الرغم من تنامي التأثير الإيراني والروسي على المؤسسة العسكرية، لا يزال بشار الأسد كـ”رئيس للجمهورية وقائد عام للجيش والقوات المسلحة” يتحكم رسميًا بسلسلة القيادة والأوامر، لكن هذا التحكم الرسمي لا يعني السيطرة الكاملة على تعيينات سلسلة القيادة وتدفق الأوامر ضمنها، وقد يخضع للتوازنات مع الحلفاء بحسب ما تقتضيه الحاجة.
لا مصلحة لإيران
منذ سنوات، اشتهرت فرق وألوية في الجيش السوري النظامي بالتبعية لإيران على جمع الأصعدة، أبرزها “الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام السوري، بشار الأسد.
وعرفت أيضًا بعض المفارز الأمنية على امتداد الجغرافيا السورية بالتبعية لإيران، مثل “الأمن العسكري” في عموم سوريا، و”أمن الدولة” في محافظة دير الزور على وجه الخصوص.
وفي مقال نشره معهد “الشرق الأوسط” حول “الفرقة الرابعة” عام 2021، قال إنها صارت “الرقم الأول” عسكريًا، بسبب الدعم الإيراني اللامحدود، والصلاحيات المفتوحة لها على كامل الأراضي السورية.
المحلل السياسي المتخصص بالشأن الإيراني مروان فرزات، قال لعنب بلدي، إنه لا مصلحة لإيران بإجراء أي هيكلة للجيش السوري قد تؤدي إلى إضعاف نفوذها داخله.
واستبعد أن تتم إعادة هيكلة للجيش بمعناها الحقيقي، مشيرًا إلى أنها قد تقتصر على حل بعض الميليشيات التي يملك النظام فعليًا القدرة على حلها، بشرط ألا تكون محسوبة على إيران.
فرزات أشار إلى أن عشرات الميليشيات التي تشكلت على مدار السنوات الماضية بعيدًا عن النفوذ الأجنبي في سوريا، مثل ميليشيا “الدفاع الوطني” أو “كتائب البعث” وغيرها مُولت من رجال أعمال، وشخصيات محسوبة على النظام.
وأضاف أن النفوذ الإيراني داخل الجيش السوري لا يقتصر على الفصائل المسلحة داخله.
“تمكنت إيران على مدار السنوات الماضية من شراء ذمم العديد من ضباط الجيش السوري بمختلف القطاعات العسكرية، بهدف الحفاظ على الجيش النظامي ضعيفًا داخل الدولة، وإبقاء الميليشيات الموالية لها أقوى من الجيش النظامي كما هي الحال مع (حزب الله) في لبنان، و(الحشد الشعبي) في العراق”.
مروان فرزات
محلل سياسي متخصص في الشأن الإيراني
فرزات قال إن إيران تعمل على إضعاف الجيش النظامي كخطوة أولى، وتقوية ميليشياتها غير النظامية، ومن ثم شرعنة وجود هذه الميليشيات، وهو ما حصل بناء على التجارب السابقة سواء في لبنان أو العراق أو اليمن.
ويمكن اليوم رؤية ميليشيات كانت يومًا ما مجموعات عسكرية صغيرة في لبنان أو العراق، داخل البيانات الوزارية الهادفة لتشكيل حكومة في البلاد، وهو ما سيحصل في سوريا لاحقًا.
الباحث في مركز “عمران للدراسات” محسن المصطفى، يرى خلال حديثه لعنب بلدي أن إيران ركزت على استحداث واستقدام ميليشيات أجنبية.
وأضاف أن طهران غير مهتمة فعليًا بإعادة هيكلة الجيش، بالمقابل نجدها مهتمة بتوقيع اتفاقيات عسكرية مع جيش النظام، تسمح لها بالانتشار العسكري ضمن قطعاته ووحداته، إضافة إلى اتفاقيات تقنية وعسكرية تسمح لها بأن تكون موردًا للأسلحة والمعدات العسكرية وتطويرها.
ويرى الباحث أن إيران تريد فعليًا نظامًا “غير قوي”، ولكن ليس لدرجة أن يؤدي الأمر إلى انهياره، وهذا ينسحب أيضًا على المؤسسة العسكرية السورية.
الخبير في شؤون الجماعات الجهادية عرابي عرابي، قال حول مساعي إيران لتشكيل جماعات عسكرية ذات توجه راديكالي، إن إيران غير مهتمة بإنشاء جيش سوري “محترف”، إنما تميل لإنشاء سيطرة قوية لها داخل سوريا.
عرابي أشار خلال حديثه لعنب بلدي إلى تداخل الميليشيات الإيرانية في المؤسسة العسكرية السورية، لافتًا إلى قوام الجيش العراقي الذي يسيطر ضباط شيعة موالون لإيران على مفاصل القرارات فيه، باعتبار أن هذا النموذج هو ما تميل إيران لإحداثه في سوريا.
وعلى الرغم من أن المتحكمين بمفاصل قرار الجيش العراقي موالون لها، حافظت إيران على ميليشياتها المسلحة خارج المؤسسة العسكرية، وتحت مسميات دينية تجوب العراق.
محاولات روسية
الباحث المتخصص في العلاقات العسكرية المدنية بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محسن المصطفى، قال لعنب بلدي، إنه منذ التدخل العسكري الروسي في سوريا لمصلحة النظام، بدأت “خطوات جادة” لإعادة الهيكلة، ولكن الرغبات السياسية للنظام قاومت بعض التغييرات.
وأضاف أن بعض التغييرات التي أجرتها روسيا على قوام الجيش السوري لم تثبت فاعلية في بعض الأحيان، ما دفعها للتراجع عن بعضها كما حدث مع إعادة هيكلة “الفرقة الأولى”، ما بين تحويلها إلى فرقة “ميكا” ثم إعادتها كفرقة دبابات.
ويرى المصطفى أن روسيا مهتمة بإجراء هذه التغييرات، لكن مع انشغالها بالحرب في أوكرانيا تأثرت جهودها في هذا الإطار، أو قد تكون الحرب نفسها أبطأت مساعيها في هذا الصدد.
هل هناك قدرة اقتصادية
دخلت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بمفاصل حكم النظام السوري، متأثرة بالعقوبات الدولية، إلى أروقة المؤسسة العسكرية منذ سنوات.
وانعكست هذه الأزمة في قرارات أصدرتها وزارة الدفاع لدى النظام خلال العام الماضي، أبرزها يتعلق بالمحروقات، وقطاع الإطعام، ومساعدات العسكريين.
ومنذ أيلول 2020، شهدت “إدارة التعيينات” في جيش النظام أزمة حادة بتأمين طعام الجيش.
وحصلت عنب بلدي على معلومات حينها من أحد عناصر صف الضباط (مساعد أول في “إدارة التعيينات” بحمص)، جاء فيها أن قطاع الإطعام في المؤسسة العسكرية شهد عجزًا وصل إلى 11 مليار ليرة سورية.
تبع ذلك، مطلع 2022، تعميم أصدره مدير “إدارة التعيينات” التابعة لهيئة الإمداد والتموين في جيش النظام، اللواء شعيب إبراهيم، قضى بتعديل برنامج الإطعام، عبر حذف مادة الموز من البرنامج وإضافة البرتقال بدلًا منها.
وبحسب التعميم الذي حمل الرقم “14” واطلعت عنب بلدي على نسخة منه، “يعدل برنامج الإطعام لجميع التشكيلات التي تحصل على تموينها من الطعام من مراكز التموين في دمشق، ودوما، والكسوة، وحمص، وتدمر”.
وودعت المؤسسة العسكرية عام 2022 بتعميم عن وزارة الدفاع شمل جميع القطعات العسكرية، قضى بتخفيض كمية المحروقات المخصصة للتدفئة من تسعة ليترات من المازوت إلى ثلاثة ليترات شهريًا.
وجاء في التعميم “3604”، الذي اطلعت عنب بلدي على نسخة منه، أن المصلحة العامة اقتضت “ترشيد استخدام المحروقات قدر الإمكان”، وبموجبه تخفض حصص الجنود الشهرية من مخصصات مازوت التدفئة.
وبالنظر إلى الحالة المتراكمة من سوء الوضع الاقتصادي في المؤسسة العسكرية، التي وصلت إلى “قصعات” الإطعام في الجيش، يطرح السؤال حول إمكانية إعادة بناء الجيش، في ضوء الأزمة الاقتصادية في سوريا.
الباحث محسن المصطفى قال لعنب بلدي، إن معظم الآليات التي يسعى النظام لتطبيقها حتى الآن لا تعتبر مكلفة بشكل كبير على الصعيد الاقتصادي.
وأضاف أن للنظام القدرة على تحمل تكلفة ما يحدث حاليًا، خصوصًا أن الهيكلة تتم على مستويات تشريعية وإدارية حتى الآن، مستبعدًا أن يكون هناك أي تمويل مخصص للنظام لإعادة هيكلة الجيش.
وفي الوقت نفسه، لم يستبعد المصطفى وجود تمويل طفيف يُمنح للنظام لإبقائه على قيد الحياة، وهنا ربما يعمل النظام على تخصيص جزء من هذا التمويل العام لدعم قواته.
“جرت العادة أن يكون التمويل من دول أخرى مخصصًا لعمليات شراء الأسلحة أو المعدات العسكرية، وهي ما تكون عادة ذات تكلفة مرتفعة، ولا يستطيع النظام بوضعه الحالي تحمل نفقتها”.
محسن المصطفى
باحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”
تحركات خارج الموازنة
اعتمد مجلس الشعب التابع للنظام السوري، في 13 من كانون الأول الحالي، مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2024، بمبلغ إجمالي قدره 35500 مليار ليرة سورية، موزعة على 26500 مليار ليرة سورية للإنفاق الجاري، و9000 مليار ليرة للإنفاق الاستثماري، وبلغ إجمالي العجز 9404 مليارات ليرة سورية، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).
ولم يصدر أي تفصيل للنفقات التي أشارت إليها الموازنة، بما في ذلك الخاصة بالشق العسكري، وعادة ما تعتمد وزارة المالية في حكومة النظام لدى نشرها قانون الموازنة على عبارة: “ترصد الاعتمادات المخصصة لرئاسة الجمهورية، ووزارة الدفاع، ضمن اعتمادات الفرع 19202″، وتوضع تلك الاعتمادات في بداية السنة المالية تحت تصرف كل منهما بموجب قرار يصدر عن وزير المالية.
الدكتور في العلوم الاقتصادية والمالية فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن الموارد الأساسية لدى النظام السوري لإعادة هيكلة قواته حاليًا تقتصر على حلفائه.
وأوضح أن هذا الأمر يتم بالفعل عبر تشكيل الروس فيالق يسيطرون عليها بشكل مباشر، مثل “الفيلق الخامس”، البعيد عن تدخل وتمويل النظام، مع إمكانية استفادة روسيا ماليًا من “الفيلق” بعمليات التهريب عبر الحدود.
بموجب تفاهمات؟
المبادرة العربية التي عاد بموجبها النظام السوري إلى محيطه العربي تدريجيًا منذ مطلع العام الحالي، لا تنص بشكل مباشر على إعادة هيكلة القوات العسكرية للنظام السوري، لكن من الممكن وفق التغييرات العامة التي يحاول الأسد تصويرها عبر الإعلام، أن يأتي هذا التغيير في القوات العسكرية بناء على تفاهمات معه، أو مع حلفائه، خاصة مع التغييرات المتوقعة في المنطقة نتيجة الحرب الإسرائيلية على غزة.
وتتكون المبادرة العربية من ثلاث مراحل، قريبة ومتوسطة وبعيدة، وتنص الثانية منها على إخراج القوات الإيرانية من سوريا، وتخفيض حضورها العسكري، وانسحاب الميليشيات وقوات “حزب الله” اللبناني، والانخراط في مصالحة مع المعارضة.
وشملت المبادرة في مرحلتها الثالثة، إعلان النظام عن إنهاء العمليات العسكرية المتعلقة بـ”النزاع المسلح”، باستثناء التدريب القتالي ضد جهات تحددها الأمم المتحدة.
أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة “باريس” رامي خليفة، استبعد خلال حديث لعنب بلدي أن ترتبط التغييرات العسكرية لدى النظام السوري بالمبادرة.
وقال الخليفة، إن سياسات النظام في القطاع العسكري وتحديثه، “قد ترتبط لاحقًا بالمبادرة العربية أو تفاهمات دولية، خاصة أننا شهدنا خلال الفترة الأخيرة اعتمادًا أكبر على رئيس الوزراء وحضوره، لكنني أشك أننا وصلنا إلى هذه النقطة، وحتى لو كانت هناك تفاهمات أو طلبات وتجاوب النظام معها، ستبقى استجابة شكلية لا تمس عصب النظام نفسه”.
ووفقًا لتعميم اطلعت عليه عنب بلدي، في كانون الثاني 2021، خُفضت نسبة الاستنفار في الإدارات التابعة للقوات المسلحة، بحسب كل إدارة، من 66 إلى 33% للمقار الإدارية، ومن 80 إلى 50% للقطعات التابعة لها.
أما بالنسبة للقوات البرية والبحرية فقد خفضت جاهزيتها من 100 إلى 80%، بينما بقيت جاهزية المستشفيات العسكرية بنسبة 80%.
وتراجع عدد مقاتلي الجيش نحو الثلثين بعد عام 2011، وفي عام 2012، “حالت المساعدة العسكرية الروسية والإيرانية دون انهيار النظام وقواته”، حسب دراسة لمركز “توازن” البحثي، الذي قدّر أعداد مقاتلي الجيش عام 2020 بـ169 ألفًا.
وقيّم المركز كفاءة الجيش السوري فيما يخص الاحترافية العسكرية والحوكمة والنظرة الاجتماعية والثقافية والمؤهلات المدنية واقتصاد قطاع الدفاع بـ”المتدنية”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :