“آلية منقوصة” لحوكمة المنظمات المدنية شمال غربي سوريا
أسهم غياب السياسات الإدارية لمنظمات المجتمع المدني في شمال غربي سوريا، بتفاقم المشاكل المجتمعية وتحميل الجهات الرسمية مسؤولية ذلك، وسط جهود تبذلها عدد من المراكز التدريبية لتطوير عمل هذه المنظمات، لكي تأخذ دورها الحقيقي في خدمة المجتمع.
وشهدت السنوات الثلاث الماضية انتشارًا لمنظمات المجتمع المدني في شمال غربي سوريا، وخاصة في الفرق التطوعية الشبابية، إضافة لتشكيل نقابات واتحادات تمثل شرائح مختلفة في المجتمع، وسط غياب استراتيجيات واضحة ومستدامة لهذه المنظمات، والتي بدأ بعضها بمحاولة السير على الطريق الصحيح وفق المفاهيم الأساسية لمنظمات المجتمع المدني.
وفي إطار الحديث عن منظمات المجتمع المدني اعتبر الخبير في مجال منظمات المجتمع المدني، الدكتور باسم حتاحت، أن سوريا دولة مجتمع مدني، ولكن النظام السوري حولها لدولة “مخابرات وغيّب المفهوم المعرفي” لمنظمات المجتمع المدني، وأدواتها في المجتمع، لكن ما بعد الثورة استطاع السوريون أن يعيدوا مفاهيم المجتمع المدني.
حوكمة ناقصة
يرى الخبير في منظمات المجتمع المدني باسم حتاحت في تقييمه وضع المنظمات في شمال غربي سوريا، أنه يجب أن نتحدث عن ثلاثة أشياء أساسية، وهي أن هذه المنظمات تنقصها الحوكمة ولم تلتزم إلى الآن بالأنظمة واللوائح والقوانين والأهداف الاستراتيجية، كما لم تلتزم بتقييم الاحتياجات الحقيقية لواقع المجتمع المدني في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ومبادئ الشفافية والديمقراطية والانتخابات الحرة والعمل المشترك.
وترتكز السياسات الحقيقية لمنظمات المجتمع المدني، وفق ما قال حتاحت لعنب بلدي، على البرامج التي تعتمدها هذه المنظمات، والتي يراها تعمل فقط في أوقات الطوارئ والكوارث والتدريبات غير المستدامة أو الواضحة الأهداف بحيث تعتمد على الاحتياج.
وتخضع السياسات في عمل هذه المنظمات سابقًا “لأهواء الإدارة أو المجموعة المسيطرة عليها”، ولكن لاحقًا بدأت الجهات المانحة تلزم منظمات المجتمع المدني بتبني سياسات في العمل، وفق حتاحت.
كما أن هذه المنظمات تلتزم بالخطط “غير المستدامة”، لذا تغيّر العديد من منظمات المجتمع المدني برامجها من أجل الحصول على دعم من الجهات المانحة، بينما الأصل أن تكون لها خطط مستدامة باتجاه هدف معين، بحسب ما أوضحه الخبير في هيكلية منظمات المجتمع المدني.
صانعو السياسات المجتمعية
أطلق مركز “التطوير الإداري” مؤخرًا سلسلة من التدريبات التي استهدفت الفرق التطوعية ومنظمات المجتمع المدني في مدينة اعزاز، بهدف نشر الوعي بمفهوم صنع السياسات العامة ومراحل صنع القرار.
الفكرة انطلقت من توصيات المشاريع السابقة لمركز “التطوير الإداري” مع الفرق التطوعية، والتي أظهرت أهمية وجود دور أكثر فاعلية للفرق التطوعية بالتأثير على القرارات وصنع السياسات العامة.
وقال مدير مركز “التطوير الإداري”، بسام زيتون، لعنب بلدي، إن الهدف من المشروع هو نشر الوعي لدى الفرق التطوعية بمفهوم صنع السياسات العامة، والمراحل التي تمر بها دورة حياة صنع القرار إلى مرحلة وضعها على أجندة العمل أمام صانع القرار.
وأشار إلى أن المشروع يسعى إلى تعزيز “الديمقراطية المجتمعية”، ويركز على استهداف الفرق الشبابية وبناء قدراتهم في مجال السياسات العامة من خلال التدريبات التالية:
- مفهوم السياسات العامة وكيف نصنع سياسة عامة
- كيفية إعداد وصياغة ورقة السياسات العامة
- معايير تقديم الخدمات الجيدة
- جمع وتحليل البيانات
ويهدف المشروع، وفق زيتون، إلى زيادة قدرات المجتمع المحلي في مدينة اعزاز بالمشاركة في رسم السياسات العامة خلال ستة أشهر، وتطوير أداء ثلاثة بنى إدارية محلية (المجلس المحلي، مديرية النقل، مجلس محافظة حلب الحرة) في مدينة اعزاز لإشراك المجتمع المحلي في برامجها وفعالياتها خلال ستة أشهر من انطلاق المشروع.
وأضاف زيتون أن هذه الآلية تعتبر من الآليات المتطورة للمشاركة المجتمعية وتطبيق مبدأ المساءلة، حيث كان في السابق يسلط الضوء على المشكلات بشكل “سطحي وغير معمق ودون طرح حلول عملية لصانع القرار”، أما من خلال هذا المشروع تحدد القضية وتحليل أصحاب المصلحة، وطرح مجموعة من الحلول والمفاضلة بينها، ثم تقديم توصية بالحل الأنسب ووضعه أمام صانع القرار.
حتى الآن جرى إقامة ثلاثة اجتماعات للفرق التطوعية المشاركة في المشروع وعددها ثمانية فرق، ركز خلالها على تحديد وتحليل ثلاث قضايا مجتمعية ذات أولوية، إضافة لثلاثة اجتماعات مع ممثلين عن المجتمع المحلي حول القضايا التي حددت، وثلاثة اجتماعات مع البنى الإدارية المذكورة لتسليمها مسودة ورقة السياسات العامة.
تقريب وجهات النظر
محمد العبدو، مدير فريق “مسار للتنمية والتطوير المجتمعي”، أحد الفرق المشاركة في المشروع، قال إن المشروع يهدف لتقريب وجهات النظر بين الفرق الشبابية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإدارية العامة، مشيرًا إلى اللقاءات مع شخصيات في المجلس المحلي ومؤسسة المياه ومجلس “محافظة حلب الحرة”، ومؤسسة النقل واتحاد الطلبة.
وأضاف العبدو، أنه جرى التوافق على إطلاق ثلاثة مشاريع، أحدها وصول سيارات النقل العامة إلى المستشفى “الوطني” والجامعات بالتعاون مع مؤسسة النقل، وبعد عدة أشهر من النقاش مع أصحاب المصلحة بدأ تنفيذ هذا المشروع، بوصول سيارات النقل حتى جامعتي “النهضة” و”حلب الحرة” والمستشفى “الوطني”.
أما المشروع الثاني كان يتمحور حول ضعف مشاركة النساء في التمثيل الطلابي في الجامعات، وبعد اجتماعات ولقاءات لمدة ثلاثة أشهر، ليجري الاتفاق بين الفرق المشاركة واتحاد الطلبة والهيئات الطلابية لتشجيع النساء بالانضمام لهذه الهيئات.
وانطلق المشروع الثالث من وجود فجوة بين الفرق الشبابية وأصحاب المصلحة لزيادة التواصل مع المجلس المحلي والمؤسسات العامة في الشمال السوري، وبعد زيارة بعض هذه المؤسسات لزيادة التواصل معها، كان الاتفاق على أن تكون هناك وثيقة أو مذكرة تفاهم بين هذه الفرق والمجلس المحلي، إذا ما أرادت تنفيذ أنشطة في منطقة عمله.
ووصف محمد طه محمد لعنب بلدي تجربته بالمفيدة خاصة في اختيار المدربين، قائلًا إنه حضره أربعة تدريبات وكل مدرب متميز في اختصاصه، وله تواصل فيما يخص السياسات العامة، مشيرًا إلى أن أحد المدربين كان معاون وزير الإدارة المحلية في “الحكومة المؤقتة”، الذي وجه التدريب ليكون عملي وليس نظري، على حد وصفه.
وأضاف أن الاستفادة بتعليم كيف تصيغ ورقة سياسة عامة وكيف تحل المشكلة وكيف تحلل البيانات الواردة من مشكلة معينة، وكيف تعرض الورقة على المجالس، وكيف تكون مؤثر في عملية صنع القرار، عبر عملية تشاركية بين الفرق الشبابية ومراكز صنع القرار في المؤسسات العامة.
تدريبات بـ”مفاهيم غربية”
يرى الخبير المتخصص بشؤون إدارة منظمات المجتمع المدني، الدكتور باسم حتاحت، أن التدريبات التي تتلقاها منظمات المجتمع المدني في شمال غربي سوريا، “مستوحاة من المفاهيم الغربية”، والأصل بها أن تعتمد الخطة التدريبية المبنية على الاحتياج الحقيقي، مشيرًا إلى أن التدريب يعني التطوير لهذه المنظمة ضمن خطة مستدامة واضحة المعالم.
وأضاف أن هذه التدريبات تعتبر “نسخ لصق” من الجهات المانحة وفق “المفاهيم الغربية”، وبالتالي سيؤدي الأمر إلى “اللاتطوير”، لذلك أغلب منظمات المجتمع المدني لا زالت “تراوح مكانها ولم تتطور”، ورغم أنها خضعت لسلسلة برامج تدريبية وحصولها على منح، لم تحقق الغرض المرجو منها في الغالب على أرض الواقع.
بالمقابل يعتقد حتاحت وجود تطور واضح المعالم في مفاهيم عمل منظمات المجتمع المدني ولكن تحتاج إلى ضبط هذه المفاهيم، لأن هذه المنظمات تعمل ضمن إطار “أهدافها الشخصية و رؤيتها”، في حين يجب وجود نظم أساسية تعدها وزارة العدل في “الحكومة المؤقتة” والمجالس المحلية بقسمها القانوني أو تنشئ منظمة وطنية كاملة تقوم على هذا العمل في عملية الحوكمة والرقابة والشفافية والمحاسبة.
وأشار حتاحت إلى أن منظمات المجتمع المدني بدأت تتلمس عملها الحقيقي لكن تحتاج إلى تطوير كبير في مفاهيم الحوكمة لأن الحوكمة ستؤدي إلى تطوير سليم ومنهجي، كما أنه لا زال ينقصها “مرجعية حقيقة” في الشمال السوري، تكون لها السلطة القضائية.
كما أن منظمات المجتمع المدني عندها مشكلة في مفهوم “الاستدامة”، وفق الخبير بمنظمات المجتمع المدني، الذي يرى وجوب تطوير مفاهيمها وكوادرها وبرامجها وأعمالها، وإنشاء جهاز “الإنذار المبكر”، ضاربًا مثال بأننا نعلم بقدوم عواصف قبل أشهر ونعلم بتقلبات المناخ القائمة، لكن عندما يأتي البرد نعاني من ردود فعل المنظمات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :