طارق أبو زياد – إدلب
ترزح بلدتا كفريا والفوعة المواليتين، شمال إدلب، تحت حصار مستمر من قبل فصائل المعارضة في المحافظة، منذ إحكام السيطرة على جميع مفاصلها قبل نحو عام. لكن للحصار هنا “طعم مختلف“، في ظل نجاح بعض أبنائها في الهروب منها، وإدخال بعض المواد الغذائية إليها، بالاعتماد على “مهربين” في القرى والبلدات المحيطة.
في حديث مع عنب بلدي، أوضح مصطفى هاشم، المسؤول الإعلامي في لواء بدر، المنضوي في حركة أحرار الشام الإسلامية، أن عمليات التهريب تنتشر بشكل كبير من وإلى بلدتي كفريا والفوعة، وخاصة في المناطق المفتوحة والأرضي الزراعية.
وأشار هاشم، الذي يتمركز فصيله في منطقة رام حمدان المجاورة، إلى أن هذه العمليات تحصل ليلًا، ومعظم المهربين هم من أهالي القرى المجاورة، معللًا انتشار هذه الظاهرة بسبب المساحات الواسعة بين القرى، قياسًا إلى نقاط الحراسة في محيط البلدتين، والتي لا تكفي لتغطيتها.
معظم عمليات التهريب تحصل في المنطقة الواقعة بين قريتي معرة مصرين ورام حمدان، لقربها الجغرافي من بلدة كفريا من جهة، ولكون المنطقة منبسطة، ولا وجود فيها لأي منزل، وفقًا لهاشم، وتابع “المسافة بين نقاط الرباط تتراوح من 200 إلى 500 متر في تلك المنطقة، وهو ما سمح للمهربين من أبنائها بالتحرك، وخاصة أنهم يعلمون تضاريسها جيدًا”.
من وإلى البلدتين
وقال أحمد حداد، المسؤول الأمني في مدينة بنش، إن معظم ما يتم تهريبه إلى البلدتين هو علب السجائر والشاي والمتة بالدرجة الأولى، والمواد الغذائية وحليب الأطفال بالدرجة الثانية، مع وجود حالات لتهريب الوقود.
وأكد حداد، لعنب بلدي، وجود خلية تابعة للنظام في المنطقة، تقوم بتهريب الأشخاص من داخل البلدتين إلى تركيا، وفي بعض الحالات إلى مناطق النظام، حيث يتم الأمر عن طريق تأمين الطريق إلى المناطق المحررة، ومنها عبورًا إلى تركيا عن طريق التهريب أيضًا، موضحًا أن التكلفة هي 300 ألف ليرة سورية للشخص الواحد.
ألقي القبض على عدد من المهربين في المنطقة، من خلال الدوريات المستمرة بين نقاط الحرس ليلًا، بحسب المسؤول الأمني، الذي أوضح أن جميع من اعتقلوا بهذه التهمة تبين أن غايتهم الرئيسية هي كسب المال، فأي مادة يتم إدخالها يرتفع سعرها إلى خمسة أضاف، الأمر الذي جعل منها “تجارة رابحة لأصحاب القلوب الضعيفة” وفق تعبيره.
اتخذت الفصائل المعنية في المنطقة إجراءات أمنية للحد من هذه الظاهرة، عن طريق زيادة عدد نقاط الحراسة في المناطق الخالية، ووضع مناظير ليلية على بعضها، إلى جانب زرع ألغام فردية في معظم المساحات المحيطة بالبلدتين، بحسب أحمد حداد.
وأفاد ياسر الشامي، أحد عناصر لواء الحسين في مدينة بنش، أنه ومنذ فترة قريبة تم رصد شخصين بالقرب من أحد النقاط في محيط الفوعة، وهما ينفذان عملية تهريب إلى داخلها، أطلق الرصاص عليهما وقتلا، ومازالت جثثهما في الأراضي الزراعية هناك.
يرى طيف واسع من أهالي إدلب أن الحصار هو حالة غير أخلاقية فرضتها الحرب وتعقيداتها، مهما بلغ الاختلاف أو العداء بين طرفي الصراع، كما يقول م.ح، وهو شاب يقيم في منطقة متطرفة من بلدة رام حمدان، على طريق كفريا.
وروى م.ح، الذي طلب عدم كشف اسمه الصريح، ما جرى معه قبل مدة قصيرة “دق علي الباب، وإذ بعجوز يظهر عليها الأرق، وبعد أن أدخلتها منزلي تبين أنها من أهالي بلدة سرمين ومتزوجة لشخص في كفريا، وطلبت مني إحضار حليب لحفيدها الرضيع.. لم أستطع أن أقاوم إنسانيتي أمامها، رغم القصف والتشبيح الذي تعرضنا له من ميليشيات البلدتين سابقًا. قمت بشراء علبتي حليب أطفال وأعطيتها إياها، وذهبت نحو كفريا مجددًا”.
لم ترتفع أسعار المواد الغذائية في كفريا والفوعة بالقدر الذي شهدته مضايا والزبداني، وغيرها من بلدات المعارضة، وفقًا لناشطي إدلب، عازين ذلك إلى طرق التهريب التي توفر كمًا لا بأس به من البضائع من جهة، وإلقاء مروحيات النظام صناديق تحتوي مواد تموينية عبر المظلات، كان آخرها قبل أيام.