"تمثيلية" جنّبت البلدة سيناريو الشيخ مسكين..
درعا.. “مصالحة” إبطع بين قال وقلنا
محمد قطيفان – درعا
أثار إعلان النظام السوري عقد “مصالحة وطنية” في بلدة إبطع، شمال مدينة درعا، كثيرًا من الجدل في صفوف ناشطي الثورة، بين من حاول البحث عن مبررات، وبين من أنكر وجود المصالحة من أصلها، وآخرون وجهوا أصابع الاتهام بالخيانة لمن أقدم عليها. عنب بلدي حاولت رصد تفاصيل “مصالحة إبطع” منذ بدايتها.
وقبل فتح هذا الملف، لا بد من المرور على التطورات العسكرية التي شهدها محيط بلدة إبطع، حيث سيطرت قوات الأسد على مدينة الشيخ مسكين (شمال البلدة) أواخر كانون الثاني الماضي، ثم أكملت زحفها باتجاه بلدة عتمان (جنوب إبطع) لتسيطر عليها مع بدايات شباط الفائت.
بذلك أصبحت بلدة إبطع ومدينة داعل محاصرتين شمالًا وجنوبًا، مع مخاوف من استكمال النظام معاركه في المنطقة، وسط استخدامه أسلوب الأرض المحروقة، وعجز الفصائل العسكرية عن الدفاع عن المنطقة.
هدنة أو تدمير
حالة الرعب والترقب هذه، أفرزت إلى الواجهة أصواتًا تدعو إلى إجراء “مصالحة” أو “هدنة” مع النظام، تحمي البلدة من هجمة عسكرية تهجر ما تبقى من سكانها، وتدمّر ما تبقى من منازلها، كما حصل في مدينة الشيخ مسكين وبلدة عتمان. هذه الأصوات انعكست مباشرة على الأرض بتوجه مجموعة من أبناء البلدة إلى إجراء اجتماع مع النظام في مدينة إزرع للاتفاق على بنود “هدنة” تحيد البلدة عن أي عمل عسكري وتكفل لمن بقي من أهلها الحفاظ على منازلهم.
بنود “الهدنة” كما أعلنتها عدة مصادر، كانت تتضمن إفراج قوات النظام عن أعداد من معتقلي البلدة، والسماح بمرور قوافل المواد الإغاثية والمحروقات إلى داخلها، بالإضافة لإيقاف استهدافها بالطيران والمدفعية. مقابل ذلك يُرفع علم النظام على الدوائر الحكومية في إبطع، ولا يسمح بأي نشاط عسكري أو ثوري فيها.
هذه البنود دخلت حيز التنفيذ في الثامن من شباط الماضي، ورُفع علم النظام في البلدة (قبل إنزاله في وقت لاحق)، دون أي دخول عسكري لقوات الأسد إليها، وتوقف النظام عن استهدافها، وأفرج عن اثنين فقط من أبنائها المعتقلين.
هذه “الهدنة” أصابها حالة من الجمود، على الأقل إعلاميًا، حتى عادت للظهور مجددًا وبزخم أكبر مع إعلان النظام إجراءه “مصالحة وطنية” في إبطع، عبر إجراء ما يقارب من 1200 شخص من أبنائها لما أسماه النظام “تسوية وضع”، بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية (سانا).
وذكرت “سانا” أن “العملية جاءت في إطار العمل المتواصل للوصول إلى مصالحة محلية فيها، تتضمن تسليم المسلحين أنفسهم وإعادة الأمن والاستقرار، وعودة جميع مؤسسات الدولة إلى عملها المعتاد”، وأضافت “أشار مصدر في المحافظة إلى أن اللجنة الفرعية للإغاثة بدرعا، بالتعاون مع الهلال الأحمر، قامت اليوم بإدخال ثلاثة آلاف سلة غذائية وثلاثة آلاف كيس طحين إلى إبطع”.
“تمثيلية لا قيمة لها“
لكن عددًا من ناشطي البلدة نفوا أن يكون النظام استطاع تحييد البلدة عن الثورة، ووصف عدد من سكانها ما حصل بـ “التمثيلية التي لا قيمة لها”. عنب بلدي تحدثت إلى زياد الحريري، الناشط الإعلامي في إبطع، والذي اعتبر أن “الدافع الرئيسي لما حصل هو تجنيب البلدة ما حدث في الشيخ مسكين”، في إشارة لما تعرضت له المدينة من حرب شاملة أدت في النهاية إلى تدميرها وسيطرة النظام عليها وتهجير أهلها بالكامل.
وتابع الحريري “معظم من سعى لهذه المفاوضات هم من موظفي الدولة ووجهاء العشائر، وكان الهدف الرئيسي والأساسي هو الإفراج عن المعتقلين من أبناء البلدة، ولكن النظام أخذ بالضغط على لجنة المفاوضات لرفع علم النظام فوق أحد المباني العامة، وهو الأمر الذي حصل فعلًا قبل أسبوعين، ولكن لدقيقة واحدة فقط قبل أن يتم إنزاله وحرقه من قبل الجيش الحر في البلدة”.
ولدى سؤالنا عن طبيعة الوفد الذي يقود المفاوضات مع النظام، قال الحريري، إن “أعضاء الوفد يذهبون للتفاوض مع النظام، ويعودون مجددًا إلى البلدة، ولكن إحدى كتائب الجيش الحر في إبطع اعتقلت نصف أعضاء الوفد تقريبًا، ثم أغلق الجيش الحر الطريق الواصل إلى الشيخ مسكين لمنع مرورهم، ليعاد فتحه مجددًا لتخديم الأهالي والموظفين الراغبين بالوصول لمناطق سيطرة النظام”.
وعلّق على بث إعلام النظام صورًا قال إنها لمساعدات غذائية دخلت إلى البلدة في إطار المصالحة: “لم يدخل البلدة أي شيء، وقد شاهدنا هذه المساعدات على قنوات النظام كما شاهدها الجميع”.
الحريري وصف الوضع حاليًا في البلدة “يمكننا القول إن ما حصل هو تقديم بعض أهالي البلدة للنظام أوراقًا يسميها (أوراق مصالحة)، ولكنها على الأرض لا قيمة لها، وربحت البلدة أن تجنبت سيناريو الشيخ مسكين المأساوي”.
بعد تسليط الضوء على ما جرى في إبطع، يبدو أن إعلام النظام السوري مازال ينقل صورة مغايرة تمامًا عن الحقيقة على الأرض، كما يرى ناشطون، فالنظام يبحث عن مكاسب وإن كانت إعلامية فقط، فقال “مصالحة وهدنة وعودة لحضن الوطن”، وقال أبناؤها “إبطع في حضن الثورة وينقع النظام أوراق المصالحة ويشرب ماءها”، وبين قال وقلنا ماتزال إبطع في “ربوع الثورة”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :