حذام زهور عدي
عندما حدد الأسد موعد انتخابات “مجلس الشعب” في شهر نيسان المقبل استحضرت ذاكرتي أفلام ما كان يُسمى “انتخابات” في عهدي الأسد الأب والابن، وفنون التزوير التي أصبحت بمرحلة ما قبل الثورة لا لزوم لها، فالاستهتار برأي الناس واحتقارهم والاطمئنان إلى نجاح تحويلهم إلى أغنام يكفي أن يهش أحد رجال الأمن بعصاه من بعيد حتى يتهافتوا ملبين طائعين وموالين، ومن يعرّض نفسه لخطر الابتعاد الصامت عليه أن يجد عذرًا مقنعًا في اليوم التالي، أو يُسجل في خانة معارض سلبي في سجلات أجهزة الأمن ما يعني الكثير له و لأسرته، ومع ذلك فإن نسبة المقترعين لم تكن تصل إلى 10% في أحسن الأحوال.
وبعد الإعلان الأسدي عن تحديد موعد الانتخابات تخرج علينا المتحدثة باسم الاتحاد الروسي -عمليًا باسم بوتين ولافروف- معترضة على القرار السوري، مذكرة بشار الأسد أن الانتخابات يجب أن تكون وفق قرار مجلس الأمن بعد وضع الدستور الجديد.
لا أظن أن الشعب السوري شديد الاهتمام بإعلان الأسد إلا من قبيل الفكاهة وتأليف النكات، ولا أظن أيضًا أنه مهتم باعتراض الروس على الإعلان أوالاقتناع باهتمام الروس بقرارات مجلس الأمن، أو إن كانوا مختلفين حقًا مع الأسد أم لا، فمن يقصف السوريين بأقذر أنواع الأسلحة ويقصد إيذاءهم بأسواقهم ومدارسهم ومستشفياتهم من أجل تثبيت الأسد وسلطته غصبًا عن الشعب ليس له مصداقية فيما يقول ويصرح.
لكن ما يهمنا الإجابة على سؤال: لماذا جاء إعلان الأسد اليوم مفاجئًا الأوساط السياسية به؟ ومن نصحه؟ وهل يستطيع وحده القيام بمثل هذه الألعاب؟ أم هناك اتفاقيات تحت الطاولة وليس هذا إلا رأس جبل الثلج؟
لا شك أن بشار أو من حوله من الحلقة العليا، شعر بالراحة النسبية بعد دخول الروس وتحقيق بعض الانتصارات العسكرية، فأحب أن يظهر –كعادته- بأن الأمور بخير، وأن كل شيء طبيعي بالبلد وبأن بضعة الإرهابيين المتبقين لن يأخذوا منه أكثر من يومين أو ثلاثة إلا وينتهي وضعهم، وها هم الروس والأمريكيون يُعدون العدة لإنهاء الإرهاب الذي أقلقه فترة من الزمن، ثم إن دولة عظمى كروسيا وعدته بالحفاظ على عرشه وإلا لِمَ سلمها البلاد؟ فلماذا لا يُثبت شرعيته ويظهر أمام الإعلام العالمي بأنه يُمارس صلاحياته كحاكم شرعي يستند إلى الشعب بانتخابات، وفق دستوره تعود فتنتخبه لولاية جديدة تستمر إلى الأبد،؟ ثم إن المنافسة الدولية على سوريا على أشدها وقيادة العالم “الروس وأشقاؤهم الأمريكيون” قالوا للمعارضة “اهزموه بالانتخابات”، فليتفضلوا اليوم وليس غدًا ليهزموني، فمن تبقى من الشعب السوري إما موالٍ أو مرعوب خائف لا يقوى على الإشارة بلا.
قد يكون ذلك السيناريو ما دار بخلد بشار، وقد يكون الإيرانيون أوحوا له به ليُفشلوا الاتفاق الأمريكي- الروسي، وقد يكون ذلك بعلم الروس الذين تغاضوا عنه كبالون اختبار وفي الوقت نفسه استنكروه، وقد تكون النصيحة قد جاءت من جهة متنفذي الطائفة نفسها تمهيدًا للإمارة العلوية، فالغالب أن من سيقترع هم من سكان تلك الإمارة، على طريقة إعلان الإدارة الذاتية للأكراد وفرض الأمر الواقع، وبخاصة أن الخطة “ب” يقترب تنفيذها يومًا بعد يوم، وأن ملامح فشل الهدنة المقترحة ظاهرة للعيان.
أعتقد أن ثوار سوريا غير محتاجين للتفكير كثيرًا بإعلان الأسد هذا، وسيسخرون منه، وبالتأكيد سيرفضونه، ولكن الأهم من رفضه هو أن يرفضوا ما يتفق الكبار عليه من تحديد مواعيدهم لانتخابات في المرحلة الانتقالية والأسد وأجهزته الخبيرة بالتلاعب والتزوير ماتزال موجودة بالسلطة، ثم يحاججوننا بأن “اهزموه بالانتخابات”، أجل يستطيع الشعب السوري هزيمة المجرمين بالانتخابات إن توفرت لها بيئة ديموقراطية حقة، وهذه البيئة لن توجد إلا بعد تحقق مايلي:
1- زوال الأسد (كرمز للمأساة السورية) ومحاكمته على كل ما اقترفت يداه بحق الشعب السوري المكلوم، هو ومن حوله، وإخراج الميليشيات الأجنبية جميعها وتشكيل جيش وطني ولاؤه لوطنه فقط، مع إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية بما يناسب ذلك الهدف.
2- عودة جميع المهجرين من المنافي والخيام والتشرد، وإطلاق سراح جميع المعتقلين والمختفين قسريًا وإخراج محتلي منازل من لازالت منازلهم صالحة للسكن.
3- البدء بوضع دستور جديد لدولة واحدة على أساس الإدارة الذاتية، وعلى أساس دولة مدنية ديموقراطية عصرية.
4- البدء بإعادة الإعمار وبخاصة في المناطق المنكوبة، وإخراج الغرباء المجنسين بالجنسية السورية زمن الأسد.
5- ضمان نوع من الاستقرار والمصالحة الوطنية مع رد المظالم إلى أهلها.
6- إشاعة جو من الديموقراطية بالسماح بالنشاط الثقافي والسياسي وتنظيمات المجتمع المدني بالعمل بحرية.
ربما يعترض أحدهم قائلًا: وكيف ستُدار الدولة ريثما يتحقق ذلك؟ ببساطة تدار بدستور الخمسين مؤقتًا وبمجلس حكماء متوافق عليه، وبوزارة تكنوقراط مشهود لهم بالكفاءة ونظافة اليد، كمرحلة انتقالية، قد لا تزيد على السنتين.
بغير هذا لن تكون انتخابات حقيقية يُهزم فيها ليس النظام الأسدي وحده، وإنما تهزم أفكار التطرف والتخلف وتفتح الباب الأوسع لسورية الحرة الحديثة.
أتمنى على هيئة المفاوضات أن تتنبه لذلك، وأن يكون من المحرمات القبول بانتخابات بوجود الأسد، حتى لو كان بدون صلاحيات، وقبل أن يعود المهجرون واللاجئون، وتأمين نوع من الاستقرار، وعلى ثوارنا أن يتمسكوا بهذه المطالب، فالشعب السوري يستحق الأفضل بعد ما قدم أغلى ثمن لكرامته وحريته.