عمر الحلبي – عنب بلدي
“البضاعة في المرفأ”، عبارة سمعها للمرة الأولى الشاب ماهر (27 عامًا) تتردد على ألسنة تجار منطقة البحصة بدمشق بعد طلبه لجهاز شائع الاستخدام في سوريا، فهو عاجز عن استبدال جهاز استقبال الإنترنت (الراوتر) المكفول لسنتين بآخر جديد، بعد أن طرأ عطل فني عليه، إذ بحث الشاب في عدد من محال الأجهزة الإلكتروينة، ولما يجد طلبه بعد.
يقول ماهر “كانت القطع الإلكترونية متوفرة بكثرة ومن مصادر كثيرة، ولم تؤثر العقوبات ومنع الاستيراد على توفرها في السوق، إلا أن مشكلتها الوحيدة أن سعرها ارتفع كثيرًا مقارنة بما كانت عليه قبل العام 2011”.
حجز البضائع في مرفأ اللاذقية
منذ شهر تقريبًا تمنع مديرية الجمارك ووزارة الاقتصاد التابعتين للنظام، آلاف الأطنان من البضائع الواردة إلى مرفأ اللاذقية من الدخول، ما سبب نقصًا في السلع في الأسواق وارتفاعًا “دراماتيكيًا” في الأسعار، وخاصة تلك التي تزيد رسومها الجمركية على 5% أو 10% كالأجهزة الإلكترونية وبعض لوازم الصناعة.
مصادر خاصة كشفت لعنب بلدي عن وقوف تجار مرتبطين بالنظام وراء صدور قرار المنع، “وذلك لتصريف بضائع كانوا قد استوردوها من قبل، أو لتصريف بضائع تنتجها مصانعهم داخل سوريا، وذلك بالاستفادة من ارتفاع الأسعار بسبب قلة المنتجات في الأسواق، وخاصة الأدوات الكهربائية ولوازمها”.
ورغم غموض السبب “الرسمي” و”الحقيقي”، بحسب إفادة التجار، لهذا القرار، وعدم مصارحة الجهات الحكومية للمستوردين بأسبابه، خرج مدير الجمارك فواز أسعد (المستلم حديثًا لمنصبه) عن صمته، وأكد أن “البضائع الموجودة في المرافئ الجمركية التي لم يتم تخليصها سببه وجود نقص في الثبوتيات المرفقة مع البضاعة ولا سيما إجازات الاستيراد”.
وسرعان ما قطعت وزارة الاقتصاد الشك باليقين في محاولات تفسير خلفيات القرار، بالقول إن “السبب الرئيس وراء احتجاز تلك السلع يعود إلى سبب إدخالها من قبل تجار لم يحصلوا على موافقات أو إجازات لاستيرادها، وهذا يشكل مخالفة للقوانين والأحكام الناظمة للتجارة الخارجية ويعرض المستورد لغرامات ومخالفات تصل إلى حرمانه من الاستيراد لنحو عام كامل”.
ودخل معاون وزير الاقتصاد عبد السلام علي، على الخط، وبادر بدوره لتفسير سبب هذه المشكلة بالقول “هناك بضائع وصلت إلى القطر بعد صدور القرار رقم 145 تاريخ 4/2/2016 الناظم لشحن البضائع للمنطقة الحرة، إضافة إلى وجود عدد من التجار الذين خالفوا أنظمة الاستيراد عن طريق شحن بضائعهم قبل الحصول على موافقة الوزارة على الاستيراد بغية تحقيق المكاسب، إضافة إلى محاولتهم فرض سياسة الأمر الواقع على الوزارة أمام وجود هذه البضائع في الموانئ”، مشيرًا إلى أن الموضوع تتم دارسته “على أعلى المستويات” بهدف إيجاد حل.
القرار 145 أوقف شحن البضائع المقترنة برسم جمركي 20% و30% إلى المناطق الحرة السورية سواء لإعادة التصدير أو الوضع بالاستهلاك المحلي أو التخزين أو الإيداع، كما أخضع شحن البضائع المقترنة برسم جمركي 10% لموافقة مسبقة من المؤسسة العامة للمناطق الحرة، على أن يبقى شحن البضائع المقترنة برسم جمركي 1% و5% إلى المناطق الحرة كما هو معمول به سابقًا.
ضرب مصداقية الصناعيين
تركن على أرصفة مرفأ اللاذقية أكثر من خمسة آلاف حاوية نقل بضائع ينتظر أصحابها إذنًا يسمح بإدخالها، وتتباين أسباب حجزها، وفق ما أكده صناعي (رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية) لعنب بلدي، “فتارة يقولون لنا أصدرت وزارة الاقتصاد قرارًا بمنع استيراد الحاويات التي تحتوي على بضائع مختلطة، وتارة أن هناك قرارًا آخر قيد التحضير يمنع إدخال أنواع معينة من البضائع”. يضيف اصناعي “وبين (القيل والقال) منعنا من إدخال بضائعنا، وأغلبها مواد أولية لزوم الصناعة، وبالتالي فقدنا المصداقية مع زبائننا في الأسواق الخارجية، لتجاوزنا الفترة المحددة للتسليم”، لافتًا إلى أن غالبية المعامل حاليًا تشكو من قلة المواد الأولية، والتي دفعت بتجار هذه المواد إلى رفع أسعارها، واحتكارها في الكثير من الأوقات.
اختلاط البضائع.. ممنوع
يرى عدد من المستوردين أن منع إدخال المستوردات بسبب “نقص الثبوتيات ووجود بضائع مختلطة ضمن الحاوية الواحدة” ما هو إلا “خطأ فادح” أضر بالصناعة الوطنية وكان من المفترض تطبيقه على البضائع التي سيتم شحنها إلى سوريا بعد صدور القرار، وليس على تلك الموجودة في المرفأ، لأنها مدفوعة التكاليف، وقد كبد هذا القرار التجار خسائر سيتحملها المواطن والمنتج الوطني معًا، إذ تقدر مدفوعات التاجر يوميًا عن كل حاوية تشغل المرفأ بين 15 و20 دولارًا.
وإضافة إلى التكاليف، يؤكد المستوردون والتجار أن القرار ساهم في “إرباك” حركة الاستيراد كونه صدر “دون دراسة”، ومن شأنه أن ينعكس ذلك بشكل مباشر على الأسواق المحلية، وخاصة أوقات الحروب والأزمات، وأن “إيقاف انسياب المواد الأولية الخاصة بالصناعة على اختلاف أوجهها كرّس ظاهرة الاحتكار، إذ لم يستثن أنواعًا محددة كالمواد الغذائية، بل أوقف القرار جميع الحاويات”.
تخبط إداري يعكس حالة النظام
يعيد قرار منع إدخال المواد والسلع وإيقافها في المرفأ إلى الأذهان قرار وزارة الاقتصاد عام 2011 بمنع الاستيراد بحجة عدم استنزاف القطع الأجنبي، القرار الذي هزّ الأوساط الاقتصادية عشية اندلاع الثورة، لكن سرعان ما عادت عنه حكومة النظام بسبب تعارضه مع مصالح عدد من كبير من رجال الأعمال المقربين من حكومة النظام، وتعكس هذه القرارات وفق رأي متابعين، حالة التخبط الإداري التي تعاني منها حكومة النظام إداريًا من جهة، وتشكل من جهة أخرى استمرارًا لتغول جهات فاسدة في جسد العمل الحكومي من أجل تحقيق مكاسب شخصية مستغلةً ظروف الحرب، وخاصة من تبقى من رجال أعمال يعيشون حول النظام ويقتاتون على ما بقي من اقتصاد.
إلى أين وصلت القضية؟
آخر ما وصلت إليه القضية وبعد لقاء بين وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام همام الجزائري والفعاليات التجارية ممثلة برئيس اتحاد غرف التجارة السورية غسان القلاع، فقد تم الاتفاق على مجموعة من المحاور الأساسية للعمل عليها في المرحلة المقبلة، ومنها تفعيل الجهود المشتركة، بين وزارة الاقتصاد واتحاد غرف التجارة السورية، لإعلام كافة المستوردين للمواد الأولية ومستلزمات الإنتاج، والسلع الأساسية والضرورية، والمواد والتجهيزات الطبية، أو المواد القابلة للتلف، من أصحاب الحاويات الواصلة إلى مرفأ اللاذقية للتقدم إلى مديريات الاقتصاد في المحافظات، ودوائر الاستثمار، بالوثائق اللازمة التي تبيّن منشأ ومصدر البضاعة وقيمتها وتاريخ وصولها إلى المرفأ، والتواصل مع مديرية الجمارك بهذا الشأن، لتحديد الحاويات المتوقّفة لإعطائها الأولوية القصوى في تسوية أوضاعها، وتسديد الرسوم والضرائب والالتزامات المتوجّبة عليها.
ووفق وسائل إعلام محلية، نقلت نص الاتفاق بين الحكومة والتجار، فقد جرى التأكيد على المستوردين والفعاليات الاقتصادية، التجارية والصناعية، عند التقدّم للحصول على إجازات أو موافقات استيراد، التقدّم بصورة مباشرة باسم الشركة والفعالية التجارية أو الصناعية، وليس عبر الوسطاء، إضافةً لتزويد مديريات الاقتصاد بالوثائق حول النشاط التجاري والصناعي للمستورد، (الفرد أو المنشأة)، بما يمنحها الأفضلية للحصول على كافة التسهيلات، في منح وإصدار الإجازة أو الموافقة ووفق معايير ترشيد الاستيراد.