أغلق “معرض اسطنبول الدولي للكتاب العربي” أبوابه، معلنًا انتهاء فعاليات النسخة الثامنة التي أقيمت في الفترة بين 9 إلى 16 من كانون الأول الحالي، وسط مشاركة من أكثر من 63 شركة ومؤسسة ودار نشر عربية.
قاعة ضخمة و63 جناحًا، وأكثر من 100 ألف زائر لمعرض يصفه القائمون عليه بأنه أكبر معرض للكتاب العربي خارج الدول العربية، زحام وعناوين لكبار الكتاب، صورة تشير للوهلة الأولى إلى أن معرض اسطنبول ينافس المعارض الإقليمية المختصة بالكتاب العربي، كمعارض الرياض والشارقة والقاهرة، والكويت وهي المعارض الأضخم في المنطقة.
لكن الحال لا يبدو كذلك، وبقدر ما حاول المعرض بالفعل أن يروي عطش أبناء جالية عربية تعدّ من أضخم الجاليات في تركيا، رافقت السلبيات كذلك المعرض الذي زاته شخصيات رسمية تركية، إلى جانب إيجابيات لا يمكن غضّ النظر عنها.
“الأيديولوجيا” تلعب دورها
كعادة النسخ الماضية من المعرض، فإن أول ما يشاهده الزوار هو أجنحة دور النشر المختصة بالكتب الإسلامية وكتب التراث، التي تحتل مساحة واسعة من المشاركين، وهو ما يفتح باب الانتقاد مجددًا حول الصبغة التي يحملها المعرض، خاصةً مع التركيز على ندوات حوارية ومحاضرات ضمن المجال نفسه بشكل أكبر من المجالات الأخرى.
الشاعر السوري ومقدم برنامج “ضمائر متصلة” المعني بالأحوال الثقافية السورية، ياسر الأطرش، قال لعنب بلدي على هامش المعرض، إن أغلب دور النشر المشاركة بشكل مباشر، هي تلك التي تعنى بالشؤون الدينية والتراثية، وبالتالي فكما النسخ السابقة منه، لا يزال المعرض يحمل شيئًا من التوجيه السياسي والعقائدي.
وفق الأطرش، فإن معارض الكتاب لا تحتمل هذا التوجيه العقائدي، سواءً كان إسلاميًا أم ليبراليًا أم علمانيًا، لأن الكتاب ومعارضه للجميع والتوجيه أمر مرفوض.
إلى جانب دور النشر المعنية بالإنتاجات الدينية، حضرت عشرات من دور النشر العربية، معظمها عبر وكلاء لا بشكل مباشر، رغم مشاركاتها المباشرة في نسخ سابقة وحضرت كتب الفلسفة والتاريخ والاقتصاد، فيما احتلت الروايات مساحةً كبيرة من الكتب المعروضة.
هذا الغياب لدور النشر الكبيرة في العالم العربي، السورية أو غيرها، يضعف المعرض أمام منافسة إقليمية شرسة مع معارض الرياض (السعودية) والشارقة (الإمارات) والقاهرة (مصر)، وهو ما يراه الأطرش “انسحابًا” بسبب عدم الجدوى والخسارة المالية، بالإضافة لغياب خطط التسويق، بحسب رأيه.
وغاب عن دورة هذا العام دور نشر “هاشيت- انطوان” و”الشروق” و”ممدوح عدوان” و”نوفل” وغيرها، التي اكتفت بمنح توكيلات لمكتبات محلية مشاركة في المعرض، منها مكتبة “خواطر” السورية.
وبلغ عدد زوار المعرض لهذا العام وفق البيانات الرسمية الصادرة عن إدارته، 105 آلاف و331 زائر، كما زاره والي اسطنبول، داود غول، والمستشار السابق للرئيس التركي، ياسين أقطاي، ورئيس المجلس الإسلامي السوري، أسامة الرفاعي.
من جهته قال ياسر الأطرش، إن غياب دور النشر، يعني غياب عناوين مهمة، كمؤلفات الروائي المصري الحائز على جائزة “نوبل” نجيب محفوظ، على سبيل المثال.
على عكس رأي ياسر الأطرش، يرى محمد الملقي، مدير دار “خواطر” للتوزيع والنشر في اسطنبول (أحد المشاركين في المعرض)، في حديث لعنب بلدي، أن المعرض جيد تنظيميًا ومتنوع، رغم غياب دور النشر عن المشاركة إلا عبر منح التوكيلات.
وأرجع الملقي عدم مشاركة دور النشر العربية لاتجاهها للمشاركة في المعارض العربية، إذ تزامن توقيت المعرض مع معرض جدة للكتاب في السعودية.
وأضاف أن المعرض يقام في دولة غير عربية، وهذا فارق مهم لصالح المعارض الإقليمية الأخرى، كما لعبت حرب غزة، ويوم الإضراب دورهما في ضعف الإقبال، بحسب رأيه.
وتسببت هذه الظروف بخسارة مادية لدور النشر، وفق الملقي، بالإضافة إلى غياب الدعم الحكومي لهذا العام، رغم نيله دعم اتحاد الناشرين الأتراك وغرفة تجارة اسطنبول.
ووفق الملقي، فإن النسخة السابعة التي أقيمت العام الماضي، كانت جيدة جدًا مقارنة بنسخة العام الحالي، والإقبال عليها أكبر، عكس توقعات هذا العام.
ويعرف القائمون على المعرض بأنه “أكبر معرض دولي للكتاب العربي خارج الدول العربية”، وتقوم على تنظيمه ثلاث لجان، هي اللجنة الإعلامية ولجنة الأنشطة ولجنة العلاقات العامة، ويشرف على هذه اللجان منسقان عامان، ونائب لهما.
ووفق البيانات المنشورة، شاركت حوالي 63 شركة ومؤسسة ودار نشر في معرض العام الحالي.
أسعار ليست بالمتناول
شهدت الليرة التركية تراجعًا كبيرًا في سعر صرفها أمام الدولار الأمريكي، وخلال الفترة بين كانون الأول 2022 والشهر نفسه 2023، انتقلت من 18.70 ليرة للدولار الواحد، إلى 29 ليرة.
هذا التراجع يؤثر بشكل مباشر على أسعار الكتب المعروضة، إذ تُسعر الكتب العربية (سواء داخل المشاركة في المعرض أم في المكتبات) بالدولار الأمريكي، وهو ما جعل الأسعار ليست بمتناول الجميع.
محمد سعيد، طالب جامعي، انتقد في حديثه لعنب بلدي الأسعار المرتفعة للكتب في المعرض، وعدم قدرة الجميع على اقتناء الكتب، رغم ما يمثله المعرض من فرصة للحصول على عناوين مهمة قد لا تتوافر في المكتبات، وخاصةً الترجمات الحديثة.
في حين قال محمود الرفاعي، أحد زوار المعرض، أن نسخة هذا العام أفضل من سابقتها، فهناك تطور وتنوع في العناوين، وركّز في اختياراته على الكتب السياسية الخاصة بسوريا وإيران، كما وجد كتبًا بلغتها الأم لا بالعربية فقط، وهو أمر هام وفق رأيه.
اهتمام بأدب الأطفال
إحدى إيجابيات المعرض، توفيره لمساحة أكبر من النسخ السابقة، لفعاليات الأطفال، سواء بنوعية الفعاليات أم بالمساحة الجغرافية، ما يمثل جوًا عائليًا ضمنه.
إلى جانب المساحة، حضر أدب الطفل والأدوات التعليمية، وكتب وتطبيقات تعليم اللغة العربية لأطفال الجالية العربية في اسطنبول، وقال عبدالله، أحد الزوار، إنه اهتم بقسمي الأطفال والتربية التفاعلية.
حضور أدب الأطفال، يراه الشاعر ياسر الأطرش مهمًا للغاية للعائلات في المغترب، خاصةً أن العديد من الكتب أخذت بعين الاعتبار القيم والمناهج الحديثة في التعليم، بالإضافة إلى منتجات التعليم عبر اللعب.
وأضاف أن هناك احترام للغة العربية وعمل منهجي في هذا الخصوص، لكن يؤخذ على بعض المناهج العمل بطريقة “الوعظ المباشر”، وهو أمر تم تجاوزه منذ سنوات، رغم أن الطفل اليوم لديه أدوات مختلفة ويدخل عالم التكنولوجيا مبكرًا، وعلى أدب الأطفال أن يأخذ بعين الاعتبار هذه النقاط.