تمّام محمد – عنب بلدي
تزايدت وتيرة العنف الجنسي ضد النساء في سوريا منذ مطلع 2011، عند بدء الاحتجاجات الشعبية، لتخلف وراءها آثارًا اقتصادية جديدة ترهق الاقتصاد السوري، إذ تتعرض النساء لمختلف أنواع الانتهاكات الجنسية من اغتصاب، وتحرش، واستغلال، وقتل باسم الشرف، والإتجار بالنساء والفتيات، بحسب تقارير وإحصائيات الأمم المتحدة والشبكة السورية لحقوق الإنسان.
وصل عدد النساء المتعرضات لعنف جنسي في سوريا إلى ما لا يقل عن 7761 امرأة، وفق دراسة أجرتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان منذ آذار 2011 وحتى 31 تشرين الأول 2015، ما يعني أن سوريا تحتاج قرابة 1.5 مليون دولار أمريكي لمعالجة حالات النساء اللاتي تم الوصول إليها وأبلغت عن ارتكاب عنفٍ جنسيٍ بحقها.
لكن من الصعب تقدير التكلفة الإجمالية أو حتى الفردية لمعالجة قضايا الناجيات من العنف الجنسي في بلدٍ كسوريا، مقارنة ببلد متقدم مثل أمريكا يوفر لمواطنيه جميع الحقوق الإنسانية والمعيشية تقريبًا، “وذلك لامتناع عددٍ كبير لا يمكن إحصاؤه عن الإبلاغ عن حالات العنف الجنسي، وهو بدوره العبء الاقتصادي الذي سيتجلى أثره في مستقبل الاقتصاد الوطني السوري، لدى بدء هذه الحالات بالتصريح عن تجاربها وطلبها للمساعدة، في حال حصلت على الحقوق التي تخولها ذلك”، بحسب تعبير مجد شربجي، مديرة البرامج في مراكز النساء الآن في لبنان.
وهذا ما يؤكده تقرير الجمعيات غير الحكومية إلى الأمم المتحدة في استجابة للتقرير الدوري الثاني المقدم من حكومة النظام السوري في تموز 2014، وجاء فيه “هناك حرج كبير في الإفصاح عن الإساءات الجنسية التي تتعرض لها النساء في إطار العائلة، لذلك هناك صعوبة كبيرة في معرفة الحجم الحقيقي لهذه المشكلة”.
سوق العمل بدوره سيناله نصيب، إذ ستنقص اليد العاملة النسائية بتناسبٍ طرديٍ مع ازدياد حالات العنف الجنسي ضد المرأة، جراء العوامل النفسية التي تتعرض لها المغتصبة أو المتعرضة لعنف جنسي شديد، إذ “تشكل النساء دورًا مهمًا في سوق العمل نتيجة الظروف الأمنية الراهنة في سوريا والتي تعيق تحرك الرجال وعملهم”، بحسب ما ينقله علي جبر، وهو عضو في مركز دراسات المرأة – مساواة.
ويقول المعالج النفسي ياسر من دمشق (رفض ذكر اسمه الأخير لأسباب أمنية)، إن المغتصبة “تعاني من فقدان الثقة الشخصية بنفسها وبقدرة المجتمع من حولها بتوفير الأمان والحماية، بالإضافة إلى خوفٍ وشرودٍ وأعراض جسدية واكتئاب، ما يؤدي إلى انخفاض قدرتها على الإنتاجية بداية، ثم كثرة الإجازات، والتسبب بحوادث العمل، وصولًا إلى فقدان الوظيفة”.
أما الباحثة الاجتماعية نسرين محمد فتوضح أن المجتمع المحيط يلعب دورًا كبيرًا في إعادة الثقة الإنتاجية إلى المغتصبة، إلا أن “العادات والتقاليد في معظم المناطق السورية توحي في الفترة الراهنة بفرض الانغلاق على الناجية من العنف الجنسي ووضعها في خانة التهميش بداعي التستر على العرض، والذي يتحول عبر الوقت إلى عنفٍ وتمييزٍ اقتصاديٍ قائمٍ على النوع الاجتماعي”.
انتقالاً إلى الجانب القانوني، يقول المحامي المدافع عن حقوق الإنسان إبراهيم برهان إنه لا توجد حدودٌ واضحةٌ للأتعاب التي يتقاضاها المحامون حول دعاوى القضايا المتعلقة بالعنف الجنسي و”يعود الأمر إلى المحامي حسب تقديره للحالة والدعوى والموكل”. أما في حال كان الوضع المادي للمدعية صعبًا “تقوم المحكمة بمخاطبة نقابة المحامين لتعيين محام مسخر ليرافع عن القضية بشكل مجاني”، وهو ما يسمى بالمعونة القضائية، في حين أن الجزء الأكبر من التكاليف يتركز في الخبرات الطبية والفحوص الدقيقة لدى الوقوف على الحالة المعنفة.
أعداد المحاكمات المتعلقة بهذا النوع من القضايا وميزانياتها في سوريا ليست دقيقة، بحسب إبراهيم، ويقول ”ما من إحصائيات أو دراسات دقيقة عن هذا الموضوع، وأعتقد أن الميزانيات الممنوحة لا تتوفر بالشكل المطلوب في سوريا”.
وبعيدًا عن اختلاف الجهات التي تتولى قضايا العنف في سوريا بسبب الحرب، تأتي سوريا في المرتبة الثانية بعد كوريا الشمالية عالميًا من ناحية الكلفة الاقتصادية لاحتواء العنف بمختلف أشكاله، إذ تبلغ النسبة فيها 23.8 % من مجمل الإنتاج المحلي، أي ما يعادل ربع الاقتصاد الوطني، وذلك حسب تقرير معهد الاقتصاد والسلام، عن الكلف الاقتصادية لاحتواء العنف عام 2014.
وانطلاقًا من كونه “سلاحًا يستخدم بشكل استراتيجي وتكتيكي في الحرب”، بحسب تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن المرأة والسلام والأمن عام 2002، يعتبر العنف الجنسي مشكلة تتخلل كل زاوية من زوايا المجتمع، وعلى نطاقٍ واسعٍ يترتب على أثره تكاليف اقتصادية يمكن تقسيمها إلى سبع فئات رئيسية، حسب دراسة معمقة أجراها خبراء في الأمم المتحدة عام 2005، وهي: تكاليف العدالة، والصحة، والخدمات الاجتماعية، والتعليم، وتكاليف الأعمال، والتكاليف الشخصية أو المنزلية وغير الملموسة.
وبتقدير التحالف الوطني لإنهاء العنف الجنسي في الولايات المتحدة الأمريكية، تحتاج كل ناجية من العنف الجنسي لما يقارب 159 دولارًا أمريكيًا لتغطية التكاليف المجتمعية.