زادت مؤخرًا وتيرة عمليات الخطف في محافظة درعا جنوبي سوريا، وسط فوضى أمنية يعيشها الجنوب السوري في ظل غياب واضح لسلطة النظام السوري الذي سيطر على محافظتي درعا والقنيطرة في تموز 2018، وتراخٍ من قبل الفصائل المحلية في المنطقة.
وتتوزع عمليات الخطف على كامل جغرافيا محافظة درعا، وتحدث معظمها بغية الحصول على مبالغ تصل في بعض الأحيان إلى آلاف الدولارات، بحسب ما قاله بعض أهالي المنطقة لعنب بلدي.
حوادث خطف مستمرة
رغم الإعلان عن اجتماع تنسيقي في 4 من تشرين الثاني الماضي، في مدينة طفس بريف درعا الغربي ضم الفصائل المحلية لمواجهة عمليات الخطف والسطو والسرقة وتهريب المخدرات، ظلت المنطقة تشهد تزايدًا بعمليات الخطف.
أحدث عمليات الخطف كانت في 12 من كانون الأول الحالي، إذ أقدم مجهولون على اختطاف محمد السبتي، أحد سكان المنطقة، من سوق المواشي في بلدة المزيريب بريف درعا الغربي.
وذكر موقع “درعا 24” المحلي أنه عُثر على جثة محمد بالقرب من بحيرة المزيريب في الريف الغربي من محافظة درعا.
وقال “تجمع أحرار حوران“، المحلي إن محمد السبتي اختُطف من قبل مجهولين الأسبوع الماضي، وينحدر من منطقة اللجاة شرقي درعا، ويقيم في بلدة المزيريب.
وسبق حادثة اختطاف محمد بيوم واحد وعلى مقربة من حاجز لقوات النظام شمالي مدينة داعل بريف درعا الأوسط، اختطاف أحمد نصيرات (50 عامًا)، وابنه محمد نصيرات واقتيادهما لجهة مجهولة.
أحمد نصيرات أحد سكان المنطقة يمتلك مكتبًا للتخليص الجمركي في المنطقة الحرة على الحدود السورية- الأردنية.
ولا يزال مصير محمود العتيلي، من سكان بلدة الغارية في ريف درعا الشرقي، مجهولًا، إذ مضى ما يقارب الشهر على اختطافه.
وأفرجت الجهة الخاطفة عن أحد أبناء منطقة اللجاة في ريف درعا الشرقي، بعد دفع فدية مالية تقدر بـ50 ألف دولار، بحسب ما نقله موقع “اللجاة برس” المتخصص بنقل أخبار اللجاة.
وأشار الموقع إلى أن الخاطفين استغلوا الوضع الصحي للشاب للضغط على أهله لدفع الفدية.
وفي 6 من كانون الأول الحالي، عُثر على جثة خالد الزعبي، الذي خطف مطلع الشهر نفسه، وبحسب موقع “درعا 24” فإن الخاطفين تواصلوا مع ذويه لدفع فدية مالية.
ووثق موقع “درعا 24” المحلي اختطاف عشرة أشخاص خلال شهر تشرين الثاني الماضي، بينهم طفلان أُفرج عنهم لاحقًا، وثلاثة أشخاص آخرين أفرج عنهم أيضًا، فيما لا يزال مصير البقية مجهولًا.
فوضى أمنية
تشهد مناطق أرياف درعا حالة من الفوضى الأمنية في ظل غياب القوة القانونية الرادعة، ما أدى إلى خلق بيئة مناسبة لعمليات الخطف والسطو المسلح.
ويكتفي النظام السوري بوجوده في مواقعه العسكرية بريف درعا الشرقي والخاضعة لسيطرة “المخابرات الجوية” في قسم منها وقوات “اللواء الثامن” التابع لـ”الأمن العسكري” في قسم آخر.
في حين تسيطر قوات “أمن الدولة” على مناطق الريف الشمالي من المحافظة، وينحصر مجال تحركات أفرادها ضمن مقارهم العسكرية.
كما يخلو الريف الغربي من أي وجود عسكري للنظام بعد انسحاب “الفرقة الرابعة” من محافظة درعا في تشرين الأول 2021، وتوجد مجموعات محلية من أبناء المنطقة تتبع لـ”الأمن العسكري”.
ويرى الناشط الإعلامي أحمد مسالمة أن النظام السوري نأى بنفسه عن ضبط المنطقة لتبقى فاشلة أمنيًا تنشط فيها خلاياه سواء من مهربي المواد المخدرة، والمنتمين “لحزب الله” وميليشيات إيران، ولم يستبعد مسالمة ارتباط بعض عصابات الخطف بأجهزة النظام السوري والعمل تحت إشرافها، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
من جهته، أحد وجهاء الريف الشرقي لمحافظة درعا، “أبو الفداء السكري”، قال لعنب بلدي، إن زيادة حوادث الخطف تدل على مشاركة غير مباشرة من النظام السوري تقوم على غض الطرف، ورصد الأهداف.
وأضاف أن حادثة اختطاف أحمد نصيرات وابنه لم تبعد عن حاجز قوات النظام سوى 100، متر ولم تتدخل لمنع عملية الخطف.
ولفت إلى تراجع عمليات الخطف بين محافظتي درعا والسويداء بعد أن هاجمت الفصائل المحلية عملاء النظام سابقًا، واندلاع موجة جديدة من الاحتجاجات التي كفت يد النظام عن المنطقة.
وفي 30 تشرين الثاني الماضي، أعلنت حركة “رجال الكرامة” في السويداء تحرير المخطوف عمر حسان السويدان من سكان بلدة الجيزة في ريف درعا الشرقي.
وقالت الحركة في بيان على صفحتها في “فيس بوك“، إن حركة “رجال الكرامة” اشتبكت مع العصابة الخاطفة ما أجبرها على التراجع إلى ريف درعا الشرقي.
مجموعات محلية
في 4 من تشرين الثاني الماضي، اجتمع ممثلون عن الفصائل المحلية في مدينة طفس بريف درعا الغربي، بمن فيهم مندوبون عن “اللواء الثامن” التابع لـ”الأمن العسكري”، وعماد أبو زريق التابع لـ”الأمن العسكري”، وممثلون عن منطقة نوى ومنطقة الجيدور، وكان هدف الاجتماع التنسيق وتوحيد جهود محاربة خلايا تنظيم “الدولة”، وتجارة المخدرات وعمليات الخطف والسطو والسرقة.
وفي 28 تشرين الثاني الماضي، داهمت مجموعات مشتركة من مدن نوى وجاسم وإنخل مواقع عصابات خطف في مزارع برقا والدلي واعتقلت عددًا من المتهمين.
تلاها بيومين مداهمة مجموعة تتبع لعضو اللجنة المركزية التي تشكلت عقب “التسوية”، القيادي “أبو مرشد البردان”، عصابة عملت على قطع الطرق، وسلب السكان بقوة السلاح.
دوافع الخطف
من خلال متابعة مجريات عمليات الخطف في درعا تبين أن الخاطفين يطلبون فدية مالية تكون مرتفعة ببداية فترة الخطف، ومن بعدها تبدأ مفاوضات بين الخاطفين وأهل المخطوف، ويكون التواصل عبر مكالمات هاتفية من أرقام أجنبية كي لا يتسنى مراقبتها أمنيًا، ومن الممكن الوصول لاتفاق وخفض المبلغ المطلوب.
وكانت القصة الأكثر جدلًا بين حوادث الخطف هي قصة الطفل فواز القطيفان في مطلع عام 2022 الذي أفرج عنه بعد دفع أهله فدية تقدر بـ140 ألف دولار أمريكي.
الناشط أحمد مسالمة، تحدث لعنب بلدي عن عدة دوافع لحدوث عمليات الخطف أبرزها المال عبر ابتزاز ذوي المخطوفين.
وأضاف أن هناك من يلجأ لعمليات الخطف لتحصيل ثمن طريق تهريب ليهاجر خارج البلد.
أحد وجهاء الريف الشرقي لمحافظة درعا، “أبو الفداء السكري”، قال لعنب بلدي، إن أغلب عصابات الخطف تدمن المخدرات وتلجأ لهذه العمليات لتأمين ثمن هذه المادة.
ولم يتمكن النظام السوري من بسط سيطرته على المنطقة بشكل كامل منذ تموز 2018، ما جعل السيطرة شكلية إذ لا تتمكن قوات النظام من مداهمة أو محاسبة عصابات الخطف وتجارة المخدرات، وحتى مخافر الشرطة، واقتصر وجودها على مقارها دون القدرة على تطبيق القوانين.
–