مجالس السهر.. طقوس يفتقدها مهجرون في الشمال السوري

اجتماع لمهجرين داخل خيمة في مخيم "التح" شمالي إدلب - كانون الأول 2023 (عنب بلدي)

camera iconاجتماع لمهجرين داخل خيمة في مخيم "التح" شمالي إدلب - كانون الأول 2023 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

يشعر رامز بالحنين لسهرات السمر والاجتماعات العائلية التي اعتادها في مضافات واسعة حين كان يقطن في قرية التح جنوبي إدلب، قبل تهجيره من قبل قوات النظام إلى مخيمات شمالي إدلب عام 2019.

باعد التهجير بينه وبين تلك الاجتماعات “اللطيفة”، التي كان يتداول بها الكبار قصص الماضي والتراث، ويتناقلونها جيلًا بعد جيل لترسيخ ثقافاتهم وتراثهم، ويحلون فيها مشكلات تواجه بعضهم.

وقال رامز اليوسف وهو مهجر يقيم في مخيم “التح” شمالي إدلب، إن الرجال اعتادوا سابقًا الاجتماع في المضافات، يتداولون أخبار بعضهم، ويساعدون من وقع منهم في مشكلة.

يفتقد المهجرون في إدلب الاجتماعات العائلية والسهرات التي كانوا يقيمونها في قراهم وبلداتهم قبل التهجير، بسبب تفرق أهالي القرية الواحدة في عدة مناطق، واضطرارهم للإقامة في خيام ضيقة بالكاد تتسع لأفراد الأسرة الواحدة، ما يحول بينهم وبين قدرتهم على استقبال الضيوف.

ويسكن شمال غربي سوريا 4.5 مليون شخص، منهم 4.1 مليون بحاجة إلى مساعدة، و3.3 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي، 2.9 مليون منهم نازحون داخليًا، ومليونان يعيشون في المخيمات، وفق الأمم المتحدة، في حين تتحدث إحصائيات محلية عن 5.5 إلى 6 ملايين شخص.

“مجالس بمنزلة مدارس”

ذكر رامز أن الجلسات المسائية كانت تُشعر بالترابط والأمان ومعنى وجود العائلة والأصدقاء، لكن التهجير إلى مناطق مختلفة حال دون هذه الاجتماعات وأفقده الشعور بالأمان.

واعتبر أن المجالس بالسهرات كانت بمنزلة مدراس ينقل الآباء خبرتهم في الحياة لأبنائهم، ويستمع الشباب بها لأخبار وقصص الماضي التي تصقل هويتم وثقافتهم، وتساعدهم على التعامل مع مشكلات الحياة التي يواجهونها.

بدوره قال محمد زاهر عرنوس مهجر آخر من قرية التح، إنه يفتقد الاجتماع مع أقربائه وأصدقائه حيث كانوا يمضون السهرات بحكايات الماضي وتراث الأجداد، لافتًا إلى أن العيش في الخيام حال بينهم وبين تلك السهرات.

حلقة مفقودة من السلسلة

غياب المجالس العائلية ونشوء الشباب بعيدًا عنها، أشعر الأهالي المهجرين بغياب حلقة من السلسلة التي تربط الماضي بالحاضر.

عبد السلام اليوسف، مدير مخيم “التح”، قال إن القاطنين يشعرون بوجود نقص في حياتهم، وغياب ما يربط الماضي بالحاضر، خاصة مع وجود جيل جديد نشأ في ظل واقع النزوح.

وذكر أن غياب السهرات والمجالس العائلية يأتي في ظل عدم توفر فرص العمل والبطالة المفرطة، ووجود وقت فراغ كبير للسكان في المخيمات والشعور بالملل المفرط.

ويضم مخيم “التح” 300 عائلة (ما يقارب 1750 شخصًا)، ولا تختلف أوضاعه عن مخيمات شمالي سوريا التي يبلغ عددها بين 1400 مخيم (وفق تقارير أممية) و1800 مخيم وفق جهات محلية.

مجموعات تواصل

مع واقع النزوح والتهجير فرضت الحاجة إلى معرفة أخبار الأقرباء والأصدقاء وحتى أهالي قرى كاملة، وجود مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي من “واتساب” أو “تلجرام”، لتبادل أخبارهم وواقعهم.

محمد السلامة مهجر من درعا، قال لعنب بلدي إن أهالي قريته أنشؤوا بعد التهجير مجموعة خاصة على “واتساب” لتناقل أخبار بعضهم وإبقاء التواصل فيما بينهم، خاصة مع تشتتهم في عموم الشمال السوري.

وبحسب محمد، يحاول أهالي القرية المهجرون في الشمال الاجتماع بمكان واحد في المناسبات على الأقل كالأعياد وزواج أحدهم، ويحرصون على اصطحاب أطفالهم الصغار إلى تلك المجالس، لكن لا تحل مكان السهرات.

“خيمة للحكايات”

تقيم الفرق التطوعية والمنظمات فعاليات في مخيمات شمالي سوريا بعضها تستهدف الأطفال والكبار، وبعضها تروي قصصًا وتنظم نشاطات متنوعة.

في 9 من كانون الأول الحالي، أقام فريق “سورتريه” التطوعي نشاطًا في مخيم “التح” حمل عنوان “خيمة للحكايات”، عُرضت خلاله صور وتسجيلات مصورة للسوريين، وتراثهم العريق.

مدير الفريق، أسامة سيفو، قال إن “سورتريه” مشروع يهدف لتوثيق حكايات السوريين، ويدخل في تفاصيل حياتهم اليومية، لإنتاج مادة تسجيلية لقصصهم، لتكون هذه المادة وثيقة للتعرف إلى التراث السوري.

وعرض الفريق في مخيم “التح” أربعة أعمال من إنتاج “سورتريه” بسهرة مسائية في المخيم وفق سيفو، لافتًا إلى أن الفريق قرر إقامة النشاط في خيمة للتأكيد على إيمانهم بأن المشروع يجب أن يصل لجميع السوريين في جميع الأماكن.

مدير مخيم “التح”، عبد السلام اليوسف، قال إن المشروع لقي تفاعلًا وحضورًا من النساء، وعرض الفريق فقرات تراثية تحاكي حياة الأجداد والتراث.

اقرأ أيضًا: الآس يزين قبور الشمال.. تقليد يحييه السكان ويفتقده المهجّرون

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة