المخدرات.. “واجهة” لتهريب الأسلحة من سوريا إلى الأردن
زادت وتيرة عمليات تهريب المخدرات من سوريا نحو الأردن خلال الأيام العشرة الماضية، بحسب إعلانات أردنية، لكن هذه العمليات كانت أعنف من سابقاتها، إذ اشتبكت قوات حرس الحدود الأردنية بشكل متكرر مع مهربين، وأسفرت هذه الاشتباكات عن إصابات في صفوف الجيش الأردني والمهربين.
أحدث هذه العمليات كانت اليوم، الاثنين 18 من كانون الأول، إذ نقلت وسائل إعلام أردنية منها “التلفزيون الأردني” و”قناة المملكة” عن مصدر عسكري مسؤول في “القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية” (لم تسمِّه) أن اشتباكات وقعت على الحدود مع سوريا لإحباط عملية تهريب “كميات كبيرة” من المخدرات والأسلحة الأوتوماتيكية والصاروخية.
وأوضح المصدر المسؤول أن الأيام الماضية شهدت ارتفاعًا في عدد العمليات، وتحولت من عمليات تسلل وتهريب إلى اشتباكات مسلحة، بهدف اجتياز الحدود “بالقوة” من خلال استهداف “قوات حرس الحدود”.
ويعتبر هذا الاشتباك هو الخامس من نوعه خلال كانون الأول الحالي، إذ أعلنت السلطات الأردنية في كل من 5 و12 و14 و15 من نفس الشهر عن اشتباكات وقعت بين قواتها ومهربين مسلحين، أسفرت عن مقتل جندي أردني وعدد من المهربين لم يتم تحديدهم بالضبط.
ما وراء ارتفاع الوتيرة؟
لم تقتصر عمليات التهريب نحو الأردن من سوريا على المخدرات فحسب، لكن ملف التهريب صار يعرف باسم “ملف المخدرات” كون المنطقة شهدت سنوات من تهريب مخدر “الإمفيتامين” نحو الأردن، ومنها نحو دول الخليج العربي، في حين زادت عمليات تهريب الأسلحة القادمة من سوريا مؤخرًا، بحسب ما تحدثت عنه وسائل إعلام أردنية.
إعلانات النظام عن عمليات مكافحة المخدرات داخل سوريا لم تقنع الدول المتضررة من عمليات التهريب بعدم ضلوع النظام السوري بهذا الملف، إذ سبق وقال وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، خلال ندوة مركز أبحاث “SRMG”، إن من بين ثلاث محاولات تهريب مخدرات من الحدود السورية للأردن تنجح واحدة.
وخلال قمة الشرق الأوسط العالمية في مدينة نيويورك، في 20 من أيلول الماضي، أعرب الملك الأردني، عبد الله الثاني، عن شكوكه في قدرة النظام السوري على السيطرة على “بلاده”.
وأوضح الملك الأردني أنه غير متأكد مما إذا كان الأسد هو المسؤول الكامل عن البلاد في ضوء المشكلة الكبرى المتمثلة بتهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن.
الخبير الاستراتيجي والباحث غير المقيم في معهد “ستيمسون” بواشنطن عامر السبايلة، قال لعنب بلدي، إن المخدرات هي “واجهة اختراق” للتغطية على عمليات تهريب الأسلحة نحو الأردن، مشيرًا إلى التهريب يقوم على تهريب “أسلحة نوعية”.
وأضاف أن هناك من يرغب بتحويل الأردن إلى “ساحة مواجهة” لاستهداف المصالح الغربية فيه، إذ صار يعتبر من نقاط التمركز المهمة للمحور الغربي في المنطقة.
ويرى الباحث أن الجهة القائمة على عمليات تهريب المخدرات تفكر بتحويل الأردن لـ”محطة تهريب أسلحة واستهداف المصالح الغربية، وخلق قلاقل في المنطقة”.
السبايلة رجّح أن تستمر وتيرة عمليات تهريب الأسلحة بالارتفاع على مدار الأشهر المقبلة، لتحقيق الاستراتيجية نفسها باستهداف المصالح الغربية في الأردن.
إيران و”مخالبها” والنظام
في مادة نشرتها صحيفة “الغد” الأردنية، في 24 من أيلول الماضي، قال وزير الإعلام الأردني السابق، سميح المعايطة، في إطار استعراضه للتحديات التي تواجهها بلاده، “لا تزال حرب المخدرات التي تقودها إيران ومخالبها في سوريا، ومعها النظام، مستمرة”.
المعايطة اتهم أيضًا بتصريحات، في 8 من أيلول، النظام السوري بالتورط المباشر في مسألة تهريب المخدرات.
وقال المعايطة خلال مقابلة مع قناة “الجزيرة” القطرية، إن “النظام السوري يتحدث بلغة مماطلة، والأسد قال في لقاء رسمي لدينا فساد ورشوة وغير قادرين على الضبط، لكن الحديث هذا غير صحيح”.
وأضاف، “دولة تدعي أنها انتصرت في الحرب، وانتصرت على المعارضة وكل شيء، لا تستطيع أن تمنع، هذا كلام غير منطقي”، معتبرًا أن “الكبتاجون” اقتصاد لـ”الدولة السورية” وللنظام السوري، ولعائلة رئيس النظام السوري المباشرة، ولميليشيات ومؤسسات في الجيش.
الصحفي الأردني مالك العثامنة، تحدث بعد لقاء جمعه مع رئيس هيئة الأركان الأردنية عما أسماه “حربًا حقيقية” يخوضها الجيش الأردني على طول الحدود مع سوريا.
وأضاف أن جيش الأردن قادر على التصدي لعمليات التهريب حتى اليوم، لكن الاستنزاف الحقيقي يكمن في قدرة الطرف الآخر “يمكن تسميته بالعدو” على تحديث قدراته التكنولوجية “الهائلة” باستمرار، وهذا تحديث لا تقدر عليه إلا دولة مثل إيران.
ما خيارات الأردن؟
في أيار الماضي، لوّح وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، بإمكانية تنفيذ الأردن عملية عسكرية في سوريا للقضاء على تهريب المخدرات عبر الحدود البرية السورية- الأردنية.
وقال الصفدي خلال مقابلة أجراها مؤخرًا مع شبكة “CNN” الأمريكية، إن عديدًا من الأطراف عانوا من عواقب ما وصفها بـ”الأزمة السورية”، بما في ذلك الأردن، وسيحرصون على القيام بكل ما يلزم للتخفيف من التهديدات لأمن بلاده.
وأبدى الوزير الأردني حزمًا في تعقيبه على مسألة تهريب المخدرات المتواصل من سوريا باتجاه بلاده بقوله، “نحن لا نتعامل مع تهريب المخدرات باستخفاف”.
الباحث عامر السبايلة يرى أن لا خيار أمام الأردن سوى استخدام القوة أمام عمليات التهريب التي يواجهها، ولو اقتضت الحاجة إلى التنسيق مع حلفائه لاستهداف الميليشيات المسؤولة عن عمليات التهريب في الداخل السوري.
السبايلة قال لعنب بلدي، إن الأردن لا يمكنه البقاء في وضع دفاعي، بل يجب عليه اتخاذ ما أسماه “وضعًا استباقيًا” بهدف فرض حالة وقائية، أي أن على الأردن عدم انتظار هجوم من سوريا ليرد عليه، بل اتخاذ خطوة وقائية بهدف تأمين الحدود، واستقرار الداخل الأردني.
نحو الضفة الغربية في فلسطين
في تحليل موجز كتبه الباحثان المتخصصان في مكافحة الإرهاب بـ”معهد واشنطن” للأبحاث ماثيو ليفينت، ولورين فون ثادن، في نيسان الماضي، جاء فيه أن عمليات تهريب الأسلحة شهدت ارتفاعًا كبيرًا من الأراضي الأردنية نحو الضفة الغربية.
وعلى غرار الأسواق الأخرى، تعمل الأسواق السوداء لتجارة الأسلحة في الأردن، التي يغذّيها تهريب الأسلحة بناء على العرض والطلب، والطلب في هذه الحالة وافر، خصوصًا أن الأردن يقع عند مفترق طرق في منطقة تتخبط في الصراعات وتفيض بالأسلحة، بحسب التحليل، إذ تدخل الأسلحة إلى المملكة من سوريا والعراق المجاورتين عبر طرق تهريب قديمة.
مفترق الحدود بين الأردن وسوريا والعراق، سيطرت جماعات “جهادية” على جزء منه سابقًا ما زاد من صعوبة تسيير الدوريات لضبطه، لكن يبدو أن هذا الوضع لم يتحسن بعد أن أعادت قوات النظام السوري السيطرة على بعض المناطق الحدودية، بحسب التحليل.
المقابلات التي أجراها كاتبا التحليل خلصت إلى أن ثمن المسدس يبلغ حوالي 2000 دولار في سوق الأسلحة بالأردن، لكنه يباع بـ5000 دولار في الضفة الغربية.
وفي عام 2018، بعد استعادة النظام السوري السيطرة على المنطقة الجنوبية من سوريا، نقلت قناة “المملكة” الأردنية عن مصدر أمني لم تسمّه، أن “أزمة سوريا” تسببت بزيادة عدد الأسلحة في الأردن، ورفعت منذ بدئها نسبة تهريب الأسلحة للمملكة إلى 400%، أو ما يعادل نحو 14 ألف قطعة سلاح مختلفة.
ويوجد في الأردن أكثر من مليون قطعة سلاح “غير مرخصة”، وفق إحصائيات غير رسمية نقلتها القناة الأردنية، تنوعت بين بنادق الصيد، ورشاشات “كلاشنكوف” الروسية، وحتى قنابل يدوية وأجهزة تفجير عن بعد.
ونقلت القناة حينها عن مهرّب لم تحدد جنسيته، أن عمليات التهريب “تتم عبر أشخاص متخصصين في هذا المجال لديهم خبرة في جغرافيا المنطقة، ويحدث ذلك في أوقات غير متوقعة، وفي مواقع مدروسة بعيدة عن الرقابة، وفي بيوت حدودية سرية”.
وأضافت أن طول الشريط الحدودي (البالغ حوالي 380 كيلومترًا) أسهم في زيادة حجم عمليات التهريب “بشكل كبير”.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :