يوفر موسم تقليم أغصان الأشجار أو ما يُعرف بـ”التشحيل” فرص عمل لعشرات الشباب في محافظة إدلب، خاصة تقليم أشجار الزيتون التي تشتهر بها.
ويستمر العمل بالتقليم على مدار خمسة أشهر، يبدأ مع نهاية موسم قطاف الثمار وحتى نهاية فصل الربيع، في إدلب، التي يبلغ عدد أشجار الزيتون فيها نحو 880 ألف شجرة.
وتتألف الورشات من أشخاص يمتلكون خبرة في العمل وإتقان لمهمات تتوزع فيما بينهم.
وتؤثر جودة العمل على إنتاج ثمار الأشجار، كما تشكل الخبرة شرطًا أساسيًا في اختيار الورشة وتحديد أجورها، وغالبًا يتقن العاملون هذه المهنة بالوراثة “أبًا عن جد”، بحسب مزارعين تحدثوا إلى عنب بلدي.
“تشحيل” باختلاف الشجرة
تبدأ ورشات التقليم عملها مع نهاية قطاف ثمار الزيتون غالبًا مطلع كانون الأول من كل عام، وتعمل على إزالة الأغصان الزائدة وقص الحطب اليابس من بعض الأشجار، وذلك بهدف أن تستقبل الشجرة فصل الشتاء وهي جاهزة للنمو بشكل مثالي.
بينما يفضل الخبراء أن يكون موعد تقليم الأشجار بعد انتهاء موجات الصقيع، وخصوصًا في المناطق البادرة، أي مع بداية شهر شباط، وفق الخبير الزراعي يحيى تناري.
وأوضح تناري لعنب بلدي أن معظم الأشجار تحتاج للتقليم، لكن تختلف الطريقة حسب نوع الشجرة، فأشجار الزيتون يختلف تقليمها بحسب المروي أو البعلي (تعتمد على مياه الأمطار)، وعادة في زراعة البعل يتم التقليم كل سنتين مرة.
وفي المروي والتي تسمّد بالأسمدة العضوية والمعدنية والمخصبات المتنوعة، والتي تعطي نموات خضرية طوال العام فيتم تقليمها سنويًا بشكل خفيف، وتقليمها كل أربع أو خمس سنوات بشكل موسع يشمل إزالة الحطب اليابس.
وقال تناري إن عامل “التشحيل” يجب أن تتوافر لديه الخبرة والممارسة، إذ تعتمد طبيعة الحمل للزيتون على نموات العام الماضي، وبالتالي فعند قص هذه الأفرع من دون خبرة يتأثر الإنتاج بشكل كبير، كما يجعل التقليم الجائر الشجرة ضعيفة، فتحتاج فترة للتعويض.
ورشات العمل
تتوزع مهام العمل بين عدد من الأشخاص يشكلون ورشات متخصصة في التقليم، ويجب امتلاك الأدوات اللازمة.
يعمل الشاب مصطفى برغش (30 عامًا) من مدينة سرمين في مهنة “التشحيل” منذ سنوات عدة، المهنة التي ورث خبرتها ومعداتها عن أبيه الذي بدوره ورثها عن جده.
وقال مصطفى لعنب بلدي، إن تقليم أشجار الزيتون يبدأ مع انتهاء قطاف الثمار ويستمر حتى بزوغ أزهار الثمار الجديدة، كما أن المزارعين يفضلون تقليم الأغصان مجددًا في حال لم يكن حملها جيدًا.
وأضاف أن التبكير في تقليم الأغصان يمنح الأشجار استفادة أكبر من مياه الأمطار طيلة الشتاء، وفي الوقت ذاته هناك خشية من تأثرها بالصقيع والتالي خسارة إنتاجها لهذا العام.
وتبدأ عملية “التشحيل” في وقت مبكر من اليوم وذلك لتزامنها مع فصل الشتاء حيث تقصر ساعات النهار.
ويتناوب على الشجرة ثلاثة عمال، يعمل أحدهم على إزالة الأغصان الشاردة من منتصف الشجرة (القلب)، وأحدهم من أطرافها (الديار) وأحدهم من الأغصان المرتفعة (السلاتة)، بحسب مصطفى.
وتستلزم المهنة معدات خاصة من مناشير ومقصات، ويجب أن تتمتع بمتانة عالية وتُصنع من الحديد وغالبًا ما تتم صناعتها محليًا، وهو ما يشكل صعوبات للعاملين في حال انكسرت خلال العمل، وفق مصطفى.
الأجور حسب الخبرة
يتقاضى عمال “التشحيل” أجورهم مياومة، وتتراوح أجور بعض العمال بين خمسة إلى عشرة دولارات أمريكية عن كل يوم عمل، بينما يتقاضى آخرون أجرتهم بالليرة التركية وتبدأ من 100 إلى 200 ليرة.
وبلغ سعر صرف الليرة التركية مقابل كل دولار واحد 28.9 للمبيع، و29.3 للشراء، وفق تسعيرة “اتحاد الصرافين” في إدلب المعتمدة في المنطقة
ويجري الاتفاق على الأجور بين المزارع وعمال الورشة، ويعود تحديدها لعوامل عدة، كما أوضح بدر خاروف صاحب ورشة “تشحيل”.
وقال بدر إن للخبرة الدور الرئيس في تحديد الأجر، كما يرجع لعدد ساعات العمل في النهار، وإلى الإنجاز الذي تحققه الورشة خلال أيام عملها.
وأشار إلى أن المزارعين صاروا يتعمدون خلال السنوات الماضية “تشحيل” أشجارهم في كل عام للاستفادة من الحطب اليابس والأغصان الصغيرة (الزرود) لاستخدامها بالتدفئة، كما اتجه بعضهم لتعلم “التشحيل” لتخفيف مصاريف الرعاية بالأشجار، أو تقليم الأغصان بشكل مبالغ فيه للمباعدة بين سنوات التقليم.