يشعر “أبو لطفي” بالخجل حيال عجزه عن تأمين مصاريف تعليم أبنائه، وتلبية ما يحتاجونه، شاكيًا قلة الراتب وطول ساعات العمل التي لا تمكنه من البحث عن عمل آخر لتحسين وضعه المعيشي.
وقال “أبو لطفي” (40 عامًا) أحد عناصر شرطة المرور في إدلب، (رفض التعريف باسمه الصريح لأسباب اجتماعية)، إن يوم عمل شرطي المرور كان يبدأ من الثامنة صباحًا حتى السابعة مساء، ثم يليه يوم عطلة (استراحة)، الأمر الذي مكنّه وكثير من زملائه بأعمال حرة تؤمن لهم دخلًا إضافيًا.
لكن جرى تعديل الدوام مؤخرًا، ليصبح العمل بشكل يومي لمدة خمس ساعات ونصف، يبدأ من الثامنة صباحًا وينتهي الساعة الثانية والنصف ظهرًا، ما أجبره وزملائه على ترك الأعمال الحرة.
يشتكي عناصر الشرطة في مدينة إدلب، حيث تسيطر حكومة “الإنقاذ”، وتحديدًا شرطة المرور، قلة رواتبهم الشهرية، وطول ساعات العمل، وكثرة المناوبات، ما أجبرهم على ترك أعمالهم الإضافية التي كانت تساعدهم في تأمين مصاريف ضرورية لمنازلهم.
بدوره، قال “أبو محمد” (45 عامًا) عنصر شرطة مرور آخر في إدلب، (لم يفصح عن اسمه خوفًا من المساءلة)، إنه شعر بأن تعديل الدوام عقوبة للعناصر وأطفالهم، لأن ذلك حرمهم من تلبية أدنى متطلباتهم.
رواتب قليلة
يتقاضى عناصر الشرطة في إدلب رواتب لا تكفي البعض منهم دفع بدلات الإيجار لمنازلهم، ويعجزون عن تأمين أبسط مقومات الحياة من مواد غذائية ولباس.
وذكر “أبو لطفي” أن راتب عنصر شرطة المرور يصل إلى 95 دولارًا أمريكيًا، يضاف إليه خمسة دولارات للزوجة، و2.5 دولار عن كل طفل (كل دولار يعادل 29 ليرة تركية).
يقبض “أبو لطفي” 110 دولارات لأنه رب أسرة مكونة من ستة أشخاص، وبحسبة بسيطة يصرف منها 20 دولارًا تقريبًا شهريًا كمحروقات لدراجته النارية للذهاب لمكان عمله، لتبقى له 90 دولارًا لا تكفيه مصروف عشرة أيام، حسب قوله.
من جانبه، يتقاضى أبو محمد 115 دولارًا لأن أسرته مكونة من ثمانية أشخاص، ويدفع أجرة منزله في إدلب نحو 50 دولارًا، والباقي يكفي لإعالة اسرته الأسبوع الأول من الشهر فقط.
وأوضح أنه كان يعمل سابقًا في أيام العطل (يوم دوام ويوم عطلة) بمهنة النجارة، وكان يصل دخله الشهري من كلا العملين إلى 200 دولار، وهو مبلغ يسد احتياجات العائلة.
وطالب عدد من عناصر الشرطة ممن قابلتهم عنب بلدي، الجهات المعنية بزيادة رواتبهم بما يتناسب مع طبيعة عملهم المرهقة والشاقة والخطرة، واستقطاب عناصر شرطة آخرين وتدريبهم لتخفيف العبء عن العناصر الحاليين، وإعادة الدوام حسب أسلوب المناوبات المعمول به سابقًا، ليمكنهم من العمل بأعمال أخرى لتأمين مصدر رزق آخر.
وعود وزيادة كوادر
مدير كلية الشرطة في إدلب العميد أحمد لطوف، قال لعنب بلدي إن وزارة الداخلية في حكومة “الإنقاذ” وضعت خطة مستقبلية لزيادة عدد عناصر الشرطة بعد إخضاعهم لدورات في كلية الشرطة لتخريجهم.
وأوضح العميد أن هناك دراسة في الحكومة لرفع رواتب جميع الموظفين، ومن ضمنها عناصر وزارة الداخلية ومنحهم تعويضات تتماشى مع طبيعة عملهم في القريب العاجل، لافتًا إلى أن الشرطة ليست كأي وظيفة أخرى، إذ يجب أن يكون العمل على مدار الساعة.
وذكر أنه بعد إحداث كلية الشرطة في كانون الأول 2022، بدأت الكلية بدورة الضباط، وتلتحق قريبًا دورة لصف الضباط، ويليها الإعلان عن دورة أفراد وتلتحق خلال أسابيع قليلة، وذلك لتأهيلهم وتخريجهم ككوادر عاملين محترفين.
وبحسب لطوف، تسعى الوزارة لتوسعة الكوادر الشرطية بما يتناسب مع حاجة المنطقة والتوزع الجغرافي للسكان لتأمين ضبط وحماية أكبر للممتلكات، لافتًا إلى أنه سيتم الإعلان لاستقبال تطوع عناصر للشرطة عن طريق وزارة الداخلية وفق الشروط الموجودة في النظام الداخلي، وإخضاعهم إلى فحوصات طبية واحترافية بعد إبراز الشهادات العلمية المطلوبة منهم.
وفي كانون الأول 2022، أصدرت حكومة “الإنقاذ“، قرارًا بإحداث كلية للشرطة تتبع لوزارة الداخلية.
وقال وزير الداخلية محمد عبد الرحمن، حينها لعنب بلدي إن كلية الشرطة تعمل على تخريج الكوادر للعمل ضمن صفوف الوزارة من ضباط وصف ضباط وأفراد، ومهمتهم حفظ “الأمن والأمان” في المنطقة.
وتشهد منطقة شمال غربي سوريا تدهورًا في الوضع الاقتصادي، وهو ما أثر سلبًا على جميع جوانب الحياة.
ويشهد المستوى العام للأسعار ارتفاعات متكررة تطال مجموعة من السلع والمواد الأساسية والغذائية، ويزيد هذا الارتفاع من صعوبة قدرة السكان على الشراء، ما يدفع معظمهم إلى الاعتماد على مصادر متعددة لمحاولة تحقيق توازن بين الدخل والنفقات.
وتتراوح أجرة العامل يوميًا من 70 إلى 100 ليرة تركية باختلاف المهنة في أعمال غير ثابتة.