صحافة البيئة.. ما تنتظره سوريا

tag icon ع ع ع

علي عيد

لم تكن صحافة البيئة في أولويات المدارس والجامعات والمعاهد الصحفية، وحتى وسائل الإعلام، سوى المتخصص منها، وهو تقصير تنبه له الإعلام في الغرب أكثر من غيره، لكن الدول العربية ودول العالم الثالث أخذت وقتًا أطول، على الرغم من أنها الأكثر تأثرًا بالجفاف والحروب.

منتدى الصحفيين البيئيين (Environmental Journalists Forum)، وهو منظمة إعلامية مستقلة أنشئت في عام 1987، يذكر أن هذا النوع من الصحافة “يلعب دورًا حاسمًا في إعلام الجمهور بالقضايا البيئية مثل تغير المناخ والتنوع البيولوجي، والحفاظ وإزالة الغابات والنظم الإيكولوجية والأنواع المهددة بالانقراض”.

ويضع المنتدى أهدافًا لهذا النوع من الصحافة، وهي “إحداث تأثير إيجابي من خلال زيادة الوعي” والتغيير في السياسات، ومسؤولية الشركات، والإجراءات الفردية التي تسهم في الحفاظ على البيئة”.

ويبرز دور صحافة البيئة في مستوى التحديات التي تواجه كوادرها، إذ تظهر بيانات المنظمات المدافعة عن حقوق الصحفيين أن ما لا يقل عن 20 صحفيًا جرى استهدافهم وقتلهم خلال عقد من الزمن، قبل عام 2021، وفق إحصائيات مؤكدة وموثوقة من جهات متقاطعة ومتخصصة.

والسبب الرئيس لهذه التحديات يعود إلى أن حروب العصر هي إما حروب ناتجة عن صراعات حول الموارد الطبيعية مثل الهيدروكربون والماء والفوسفات، وإما صراعات على النفوذ تخلّف وراءها دمارًا بيئيًا كبيرًا كما هو حاصل في سوريا.

كما تتداخل هذه التحديات مع مصالح الشركات الكبرى التي تبني مشاريعها دون اكتراث للنتائج السلبية على البيئة، سواء على السواحل أو في مناطق زراعية أو غابات، أو أثر تلك الأعمال غير الصديقة للبيئة في تدمير التربة وتهديد الصحة العامة لملايين من البشر.

ماذا عن سوريا؟

تشير الدراسات إلى أن الحرب المستعرة في سوريا منذ نحو 13 عامًا، لا تقتصر دوافعها على قضايا سياسية، بل تمتد إلى أسباب بيئية منها الجفاف الذي أدى إلى هجرة ملايين البشر من مناطق الريف إلى المدن.

وتذكر دراسة لأربعة باحثين، نشرتها مجلة “ScienceDirect” عام 2017، أن موجات الجفاف التي سبقت الحرب، والتي امتدت لنحو ست سنوات، أججت الحرب، وأثرت في معدلات النمو إلى الحد الذي تم اعتبارها “حرب المناخ الأولى”.

لن تنتهي المأساة البيئية في سوريا بانتهاء الحرب، فهناك هجرة ونزوح بيئي، وهناك غطاء نباتي جرى تدميره، ومنشآت تساعد في تقليل آثار السموم بالمياه الملوثة تعرضت للتدمير، كما تملحت مساحات واسعة بسبب الاستخدام الجائر للموارد، وكذلك تسبب التلوث الناتج عن “الحراقات” البدائية الخاصة بتكرير النفط في إخراج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية من الخدمة، وسيستمر الأمر لعشرات السنوات حتى تستعيد هذه المساحات عافيتها.

ما مسؤولية الصحافة وتحدياتها؟

تتحمل وسائل الإعلام والصحفيون مسؤولية كبيرة في متابعة ومعالجة قضايا البيئة، وملاحقة الظواهر المتعلقة بالتصحر والجفاف، وأثر الحرب على الغابات والمحميات الطبيعية، ومسؤولية السلطة وأمراء الحرب عن تدمير البيئة.

ولتحقيق الهدف، يتطلب الأمر وضع خطط قصيرة الأمد واستراتيجيات طويلة، تضع قضايا البيئة في صدارة الاهتمامات.

كما يجب على وسائل الإعلام، وخصوصًا المستقلة منها، توجيه الصحفيين نحو أثر استمرار الحرب في البيئة، والظواهر الناتجة عنها، وهذا يتطلب تدريبهم على صحافة البيانات، واستخلاص المعلومات، وبناء الفرضيات في الصحافة الاستقصائية البيئية، وفهم آليات رصد الظواهر والتحولات.

وتأتي صحافة الحلول في مكان بارز بين أنواع وأنماط الصحافة التي يجب التركيز عليها، إذ ليس كافيًا توصيف ما يحصل، بل يجب الذهاب أبعد من ذلك بعد الاستعانة بالدراسات والأرقام وعمليات الرصد نحو فهم مآلات الوضع البيئي.

كما يجدر تدريب الصحفيين على فهم العلاقة بين البيئة والقضايا السياسية والاقتصادية وحتى الثقافة المجتمعية، بحيث يتم فهم الأثر المتبادل، والمصالح والأضرار المشتركة، والكشف عن مواضع الخلل في الخطط الحكومية، وأثر ضعف التخطيط مع استمرار الانقسام وتوزع السيطرة بين عدة قوى.

وربما يكون من الأولويات التي يجب توجيه عمل الصحافة إليها أيضًا، تحديد المسؤولين عن الدمار البيئي والكوارث الناتجة عن العمليات العسكرية، وعلى سبيل المثال، كيف يمكن تفسير علاقة نحو 100 ألف طلعة جوية للطائرات الروسية خلال ست سنوات بين 2015 و2021، وقصفها آلاف المواقع في سوريا، وتجريب عشرات الأنواع من السلاح الفتّاك، وماذا فعل مثل هذا النشاط في الطبيعة والأراضي وصحة البشر.

مثل ما فعلته روسيا فعلته أطراف أخرى في مناطق مختلفة، إذ جرى تجريف الأراضي وتدمير الجسور وتجفيف الأنهار، ما يعني أن أمام الصحفيين السوريين مهمات كبرى تحتاج إلى دعم مالي وتدريبي كبير.. وللحديث بقية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة