عام على مسار تقارب أنقرة- دمشق.. لقاءات وشروط ولا خروقات
عنب بلدي – حسام المحمود
قبل عام كامل، انطلق دون تمهيدات معلَنة مسار التقارب التركي مع النظام السوري، ليفتح الباب على لقاءات متتابعة غرضها تحقيق لقاء بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، على طاولة واحدة، وهو ما لم يتحقق بعد رغم جهود الوساطة الروسية أولًا، والتطفل الإيراني على خط المفاوضات ثانيًا.
لقاء وزراء دفاع وقادة استخبارات تركيا وروسيا والنظام السوري بموسكو، في 28 من كانون الأول 2022، الذي دشّن المسار، تبعته سلسلة لقاءات على مستويات وزارية (وزراء الدفاع ووزراء الخارجية)، لكن أحدث ما جاء في هذا المسار، الذي تراجعت نشاطاته بعد الانتخابات التركية في أيار الماضي، تصريح لوزير الدفاع التركي، يشار غولر، تعهد خلاله بإنهاء الوجود العسكري لبلاده في سوريا، بمجرد استعادة الأمن في “الدولة المجاورة”، مشيرًا إلى أن القوات ستعود إلى ديارها بمجرد اتفاق النظام والمعارضة على دستور جديد، وإجراء انتخابات لضمان الاستقرار.
وقال الوزير التركي وفق ما نقلته صحيفة “ديلي صباح” التركية، في 11 من كانون الأول الحالي، “إن القوات التركية ستغادر سوريا بمجرد اتفاق النظام مع المعارضة على دستور جديد وإجراء انتخابات، وهما شرطان قد يمهدان الطريق لإنهاء الصراع في البلاد، الذي تجاوز عقدًا من الزمن”.
وأضاف غولر أن النظام السوري كثيرًا ما يشير إلى وجود الجنود الأتراك شمالي سوريا كعائق أمام التطبيع الكامل، لكن الجيش التركي يتمركز في المنطقة ضد التهديدات الأمنية، وتحديدًا الجماعات المصنفة على “قوائم الإرهاب” لدى أنقرة، مثل حزب “العمال الكردستاني” و”وحدات حماية الشعب”.
التصريح التركي الذي لم يقدم جديدًا في سياق مطالب أنقرة، سبقه لقاء الأسد وأردوغان تحت قبة قاعة واحدة في العاصمة السعودية، الرياض، في 11 من تشرين الثاني الماضي، حين التقى الخصمان السياسيان في القمة العربية الإسلامية حول تطورات الأوضاع في غزة.
ورصدت كاميرات التلفزة وقوف الرئيس التركي قريبًا من الأسد قبل التقاط الصورة الجماعية للمشاركين في القمة، حين تبادل أردوغان حديثًا قصيرًا مع الرئيس المصري، قبل أن يعود إلى مكانه لالتقاط الصورة، متوسطًا الرئيسين، الإيراني والفلسطيني، دون تسجيل سلام أو كلام مع الأسد.
وفي الوقت الذي ألقى به الأسد كلمته، غاب أردوغان عن القاعة، بينما انشغل وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بهاتفه المحمول دون وضع سماعات الترجمة، تعبيرًا عن حالة عدم اكتراث.
ولا يعتبر الموقف التركي في هذا الإطار مفاجئًا، فالمسار الذي بدأ بخطى سريعة فور انطلاقته، وبملامح استعجال مقصود، دخل حالة خمول وخمود بعد الانتخابات التركية، وهو ما يمكن قياسه بعدد اللقاءات قبل وبعد الانتخابات التي توّجت أردوغان رئيسًا لتركيًا لخمس سنوات مقبلة، محطمًا آمال الأسد بتغيير سياسي تركي يمكن أن يغير أسلوب وآلية التفاوض على تطبيع العلاقات.
محاولات روسية
رغم اقتصار اللقاءات بعد الانتخابات على لقاء واحد، فإن المحاولات الروسية لبث الروح في هذا المسار استمرت، إذ أوضح نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، في 20 من أيلول الماضي (بعد نحو ثلاثة أشهر من أحدث لقاءات مسار التقارب)، أن موسكو تعمل على تحسين خارطة طريق بشأن العلاقات بين أنقرة ودمشق، مبينًا أن موسكو تدعو إلى عقد اجتماع رباعي حول تطبيع العلاقات التركية مع النظام في أقرب وقت ممكن.
وقال بوغدانوف، “لم يتم تحديد موعد بعد ولكننا نعتقد، وقد قلنا ذلك لأصدقائنا في دمشق وأنقرة وطهران، أنه ليس لدينا وقت لنضيعه، وعلينا التحرك في أسرع وقت ممكن، والمضي قدمًا في ذلك”، وفق ما نقلته وكالة “تاس” الروسية.
وقبل يومين من التصريح الروسي، لخص وزير الدفاع التركي شروط بلاده للانسحاب العسكري من سوريا بإجراء انتخابات والتوصل لدستور جديد وتشكيل حكومة تضم جميع فئات الشعب، وهي شروط لا تختلف عما نشرته صحيفة “يني شفق”، في 26 من حزيران الماضي، وقالت إن هناك أربعة شروط تركية لتطبيع العلاقات مع دمشق، تمثلت بالتوصل إلى تعديل دستوري، وانتخابات نزيهة في سوريا، وعودة مشرّفة وآمنة للاجئين السوريين، والتعاون في مسألة مكافحة الإرهاب، وتحديدًا فيما يتعلق بـ”العمال الكردستاني” (ترى أنقرة أن “قوات سوريا الديمقراطية” تشكل امتداده الأيديولوجي والعسكري في شمال شرقي سوريا).
كل الشروط التركية، وعلى اختلاف صياغتها، ظهرت بعد الانتخابات التركية، وبعدها أيضًا جرى لقاء سياسي يتيم لـ”رباعية التطبيع” (تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري) بالتزامن مع الجولة الـ20 لمباحثات “أستانة” في 20 و21 من حزيران الماضي.
في 28 من تموز الماضي، تذرعت موسكو بغياب اللقاءات ضمن مسار التقارب بعدم توافق جداول أعمال وزراء خارجية الأطراف الأربعة، موضحة أن مسألة اللقاء قيد المناقشة.
من جانبه، قال كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني، علي أصغر خاجي، في 18 من أيلول الماضي، إن من الأمور التي تجري مناقشتها، كيفية التعاون بين تركيا والنظام السوري، مع مشاركة إيران وروسيا، دون تحديد آلية التنفيذ.
لا تقدم جوهري
وبالنسبة لموقف النظام السوري من مسار التقارب، فإنه يتلخص بالمطالبة بانسحاب تركي من سوريا، للوصول إلى نتيجة ملموسة، ولقاء أردوغان بالأسد الذي لم يزهد بمناسبة لمهاجمة أنقرة وشخص الرئيس التركي، والفكر العثماني.
وعند سؤاله عن إمكانية لقائه بالرئيس التركي، قال الأسد خلال حديث خاص إلى قناة “سكاي نيوز” عربية، في 9 من آب الماضي، إن الهدف بالنسبة له هو الانسحاب التركي من الأراضي السورية، بينما هدف أردوغان “شرعنة وجود الاحتلال التركي في سوريا”، مشددًا على أن اللقاء لا يمكن أن يتم “تحت شروط أردوغان”، وفق قوله.
الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح لعن محمود علوش ب بلدي أن مسار التقارب التركي مع النظام استطاع إطلاق وضع جديد في العلاقات التركية- السورية والموقف التركي من سوريا عمومًا، رغم أن هذا الوضع لم يؤدِّ إلى تغيير جدي في السياسة التركية حيال سوريا، كون المسار معقدًا، ومن الطبيعي أن يستغرق وقتًا طويلًا ليثمر على الأرض.
ويرى الباحث أن الشروط التركية لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام منطقية، لا سيما مسألة الحل السياسي الشامل للصراع في سوريا، إلى جانب الموقف من مكافحة الإرهاب، كون الأولوية التركية حاليًا تتلخص بالوصول إلى وضع يتيح لها العمل بشكل أكبر على تقويض قدرة “وحدات حماية الشعب” على تهديد المصالح التركية.
ولا ترتبط مسألة مكافحة الإرهاب فقط بديناميكية العلاقات التركية- السورية، بل أيضًا بالخلافات التركية- الأمريكية والدور الأمريكي في شمال شرقي سوريا، وفق الباحث.
“وصل مسار التقارب إلى نقطة ينبغي معالجتها قبل الانطلاق لتطوير المسار، وعقدت لقاءات إضافية، وتتجلى بالاتفاق على خارطة طريق، ولن يكون هناك أي جدوى للاجتماعات قبل إحداث تقدم في خارطة الطريق”، أضاف الباحث محمود علوش.
وحول مستقبل المسار، بيّن الباحث أنه لن يحدث تقدم على المستوى المنظور بفعل مجموعة عوامل معقدة، على رأسها اشتراطات النظام السوري لوضع جدول زمني للانسحاب التركي من سوريا، وهو ما ليس مطروحًا على جدول السياسة التركية في سوريا لاعتبارات عدة، بالإضافة إلى عوامل ترتبط بالعلاقة التركية- الأمريكية، والتفاعلات التركية- الأمريكية في سوريا، رغم وجود رغبة تركية في متابعة المسار للتوصل إلى نتائج قد تكون مفيدة لأنقرة، كالتعاون مع النظام وروسيا وإيران في مكافحة الإرهاب، وتمهيد الأرضية لإعادة جزء من اللاجئين السوريين في تركيا.
في الوقت نفسه، فإن نقل العلاقات بين تركيا والنظام ستتطلب المزيد من الوقت ودبلوماسية أكثر قدرة على خلق أفكار تسهم في هذا المجال، رغم أن إمكانية إحداث تقدم جوهري في هذا المسار بالمدى المنظور محدودة للغاية، وفق الباحث.
وبعد تصريحات الأسد في آب الماضي، التي هاجم خلالها تركيا عبر شاشة “سكاي نيوز عربية”، معتبرًا أن “الإرهاب الموجود في سوريا هو صناعة تركية”، أوضح السفير التركي السابق في دمشق، عمر أونهون، وهو آخر سفير تركي في سوريا، أن ما جاء في لقاء الأسد ليس جديدًا، وهو تكرار لما يقوله منذ أشهر، كما شدد وزير الدفاع التركي حينها على عدم إمكانية تصور مغادرة سوريا دون ضمان أمن الحدود التركية، مشيرًا إلى حساسية هذه المسألة بالنسبة لأنقرة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :