معركة إطاحة الرؤوس.. “تحرير الشام” على المحك

  • 2023/12/17
  • 8:16 م
قائد "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاي وأبو ماريا القحطاني وعبدالله المحيسني وأبو عبد الله الشامي وأبو أحمد زكور (تعديل عنب بلدي)

قائد "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني وأبو ماريا القحطاني وعبدالله المحيسني وأبو عبد الله الشامي وأبو أحمد زكور (تعديل عنب بلدي)

حسن إبراهيم | خالد الجرعتلي

عصفت الخلافات برأس الهرم في “هيئة تحرير الشام” المسيطرة عسكريًا على إدلب، وأجزاء من ريف محافظات حماة وحلب واللاذقية، فكانت هذه المرة من بوابة الرجل الثالث جهاد عيسى الشيخ المعروف بـ”أبو أحمد زكور”، الذي انشق عنها وتبرأ من أفعالها، بعد أربعة أشهر من الإطاحة بالرجل الثاني في الفصيل “أبو ماريا القحطاني”.

خلافات لم تعد حبيسة غرف “الهيئة”، ولم ينجح قائد الفصيل “أبو محمد الجولاني” بتطويقها، خاصة بعد حديث عن محاولة فاشلة لاعتقال “أبو أحمد زكور”، ليتحول الخلاف إلى صراع وملامح تفكك وتصفيات داخلية، ويعلن الأخير خروجه عن “الجماعة” بسبب تغير سياستها تدريجيًا، حسب قوله.

ما يحدث ليس غريبًا على “تحرير الشام” التي اعتادت انشقاقات قياديين وشرعيين فيها، لكن اسمًا بثقل “أبو أحمد زكور” الذي أدار ملفات لـ”الهيئة” وتنقّل بين مناصب قيادية فيها، ويحمل رمزية عشائرية، هو أمر غير معتاد، ويحمل تبعات على “تحرير الشام”، وربما يضع الفصيل أمام منعطف جديد.

تسلط عنب بلدي في هذا الملف الضوء على حالة الخلاف الحاصل وأسبابها، وتناقش مع باحثين متخصصين الآثار التي يعكسها هذا الصراع على “الهيئة”، وعلى المنطقة التي تسيطر عليها.

خلاف على وقع “العمالة”.. ما القصة؟

لم يكن الخلاف مع “أبو أحمد زكور” وليد الأيام الماضية، إذ ظهر للعلن بعد أن أصدرت “الهيئة” بيانًا في 17 من آب الماضي، نص على تجميد صلاحيات ومهام عضو مجلس الشورى ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”.

ملف “العمالة”

جاء تجميد صلاحيات “القحطاني” بسبب “خطئه في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل”، حسب قول “الهيئة”، دون توضيح لطبيعة هذه التواصلات أو الجهات التي يتواصل معها.

وتأكدت عنب بلدي من اعتقال بعض الأسماء التي أوردتها وسائل إعلام وقياديون منشقون عن “تحرير الشام”، قبل أشهر، ومن بينهم شخصيات تشغل مناصب حساسة في “الهيئة” على مستوى الإدارة والعسكرة، ومقربون من قيادات الصف الأول ومن الشرعيين.

بعد التجميد، باتت “الهيئة” تشهد صراعًا بين تيارَين داخلها، الأول داعم لـ”أبو ماريا القحطاني” يضم كتل المنطقة الشرقية وعلى رأسها الشرعي في “الهيئة” مظهر الويس.

أما التيار الثاني فهو ناقم على “القحطاني”، ويضم قياديي الصف الأول “أبو أحمد حدود”، ورئيس المجلس الشرعي في “تحرير الشام”، عبد الرحيم عطون (أبو عبد الله الشامي).

 

يتميز جناح “الشرقية” بوزنه العسكري، ويزيد عدد القوة العسكرية الضاربة لهذا الجناح على 1200 مقاتل كانوا رأس حربة في جميع عمليات “تحرير الشام” ضد فصائل معارضة، بما في ذلك معركة ريف حلب الشمالي واقتحام عفرين، ويمتد نفوذ هذا الجناح بشكل كبير داخل المفصل الأمني.

ورقة بحثية لمركز “كاندل للدراسات

قياديون وشرعيون منشقون عن “تحرير الشام” ذكروا أن القيادي في “الهيئة”، “أبو عبيدة منظمات”، كان رئيسًا للجنة التحقيق وبصلاحيات واسعة، وذكر المصدر أنه تم إبعاد مظهر الويس من لجنة التحقيق الخاصة بملف “العمالة”.

الأمر الذي أجج الخلاف، هو أن تيار أنصار “القحطاني” يرى أن لجنة التحقيق التي شكلتها “الهيئة” محسوبة على التيار الثاني (الحاقد على القحطاني)، ووجهوا اتهامات بالتلاعب لإدانته.

ويميل جهاد عيسى الشيخ إلى مساندة “أبو ماريا” ودعمه، ودائمًا يشارك صورًا ويكتب منشورات عن علاقتهما مرفقة بدعوات منها الثبات على درب “الدعوة والجهاد” مع “رفيق الدرب شيخنا أبو ماريا”، حسب تعبيره في واحدة منها.

القائد العام لـ”هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني خلال تكريم عناصر “العصائب الحمراء” في إدلب – تشرين الثاني 2022 (أمجاد)

تصفيات وانقلاب

القيادي السابق في “الهيئة” والمنشق عنها صالح الحموي، قال قبل بيان تجميد الصلاحيات بيوم، إن ما يحدث هي تصفيات داخلية خرجت عن سيطرة “الجولاني”.

وذكر أنه لو كانت لـ”القحطاني” علاقة بخلايا “التحالف” لكان هرب منذ أشهر عندما كُشفت أول خلية، وذكر أن كتلة مدينة بنّش (في الهيئة) جهزت ملفًا فيه اعترافات من عناصر بعضهم محسوب على “القحطاني” أغلبها تلفيق ليوقعوه وهذا ما تم، وأن قطاع “الشرقية” تخلى عنه.

 

يتفوق جناح “بنّش” اقتصاديًا وماليًا على جناح “الشرقية”، إذ يمتلك موارد مالية كبيرة بسبب سيطرته على المفصل الاقتصادي والمعابر، أما عسكريًا فيمتلك قوة من 1700 مقاتل هي قطاع إدلب، فيما يلعب الترابط المناطقي في هذا الجناح دورًا اجتماعيًا كبيرًا على حساب الرابط التنظيمي والأيديولوجي، بالإضافة إلى علاقات القرابة.

ورقة بحثية لمركز “كاندل للدراسات

الشرعي السابق في تحرير الشام، “أبو يحيى الشامي”، قال إن السبب الحقيقي وراء اعتقال “القحطاني” هو محاولة الانقلاب على “الجولاني”، وليس تواصلاته (دون نفيها)، لافتًا إلى أن الانقلاب لم ينجح ولم يفشل، ولا يهدف إلى الإصلاح بل إلى التفرد بالسلطة.

وقال عبر “تلجرام“، في 28 من تشرين الثاني الماضي، “الانقلابيون عددهم 400 ما بين قائد وعنصر، عميل ومستعمل، قبض على 100 منهم و300 على رأس عملهم”.

من “أبو ماريا القحطاني”

“أبو ماريا” و”أبو الحمزة” هو ميسر بن علي الجبوري القحطاني، الملقب بـ”الهراري” نسبة إلى قرية هرارة العراقية، التي انتقل إليها من قرية الرصيف بعد ولادته فيها عام 1976.

شارك في تأسيس “جبهة النصرة” (“تحرير الشام” حاليًا) في تشرين الأول 2011، بعد ثماني سنوات من عمله داخل تنظيم “القاعدة” في العراق، وصار نائبًا لزعيمها “الجولاني”، ويعد الرجل الثاني في الفصيل.

عمل شرعيًا في “النصرة” و”أميرًا” للمنطقة الشرقية من سوريا مع بداية العمل المسلح عام 2012.

حاصل على دبلوم في الإدارة من جامعة “بغداد”، وبكالوريوس في الشريعة، ويُعرف بعدائه لتنظيم “الدولة” الذي يهاجمه باستمرار.

تتلمذ على يد مشايخ أبرزهم “أبو عبد الله المياحي” والشيخ فارس فالح الموصلي، كما أجازه الشيخ عبد الرزاق المهدي، الذي انشق عن “تحرير الشام”، ثم عمل مستقلًا في كانون الثاني 2017.

يقود ملف محاربة تنظيم “الدولة”، وغالبًا ما كان يتم تقديمه من قبل أتباع “تحرير الشام” على أنه عالم دين أو شيخ، لكنه قائد ومنفّذ ورجل أعمال أكثر من كونه عالمًا.

لعب في الفترة ما بين 2014 و2015 دورًا رائدًا كمنظر أيديولوجي يهاجم “متطرفي” تنظيم “الدولة” حتى حصل على لقب “قاهر الخوارج“.

منذ عام 2016، كان “القحطاني” من أبرز المدافعين عن “إصلاح (النصرة) وتوطينها”، ولم يحافظ فقط على عدائه الصريح لتنظيم “الدولة” بل أصبح ناقدًا صريحًا لـ”القاعدة“.

بعد معارك درعا توجه “القحطاني” إلى إدلب، في عملية انتقال غامضة أثارت استغراب كثيرين، لأنه لا طريق بين المحافظتين إلا بالمرور من مناطق سيطرة النظام السوري.

قال ناشطون حينها إن الطريق كان مرورًا بإزرع ثم درعا إلى إدلب، بصفقة توسط فيها أشخاص من دير الزور ودمشق.

في السنوات الماضية، شارك “القحطاني” مع جهاد عيسى الشيخ في قيادة “جهد سري” لتوسيع نفوذ “تحرير الشام” في أرياف حلب، من خلال التفاوض والتوسط في ترتيبات مواتية مع الفصائل “المرنة” في “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.

عقب محاولة اعتقاله.. “أبو أحمد زكور” ينشق

قياديون منشقون عن “تحرير الشام” تحدثوا خلال الأيام الماضية عن وصول “أبو أحمد زكور” إلى ريف حلب بعد تأجج الخلاف، وأن “الهيئة” حاولت اعتقاله شمالي إدلب، رغم معرفتها بعدم وجوده.

واعتقلت “الهيئة” القائد العسكري ضمن صفوفها المعروف بـ”أبو مسلم آفس”، في 12 من كانون الأول الحالي، بعد رفضه المشاركة في الاقتتال الداخلي، ومطالبته بتوضيحات كاملة تبرر ما يحصل، وفق مصدر مقرب من القيادي تحدث لعنب بلدي.

ولم تستطع عنب بلدي التأكد من مصدر آخر محايد من اعتقال “أبو مسلم”.

وتواصلت عنب بلدي مع المكتب الإعلامي لدى “تحرير الشام” للحصول على توضيحات حول أنباء مقتل “القحطاني” في سجون الفصيل بعد أن انتشرت أنباء بذلك، وعن محاولة اعتقال “أبو أحمد زكور”، لكنها لم تتلقَ ردًا حتى لحظة نشر هذا التقرير.

لم تصدر “الهيئة” حتى نشر هذا التقرير أي بيان عن الخلاف الحاصل، ولا عن عزل أو تجميد مهام “أبو أحمد زكور”، في حين كان الأخير سباقًا لذلك، وفق ما نشره عبر “إكس” (تويتر سابقًا) في 13 من كانون الأول الحالي.

وقال “أبو أحمد زكور”، إنه لم يتخذ أي خطوة بالخروج أو الانضمام لأي فصيل، وليس له أي قناة “تلجرام” أو منبر إعلامي غير حسابه هذا.

بعد يوم من تلميحه، أعلن “أبو أحمد زكور” خروجه من “الهيئة” تنظيميًا وسياسيًا، وتبرأ من أفعالها، وقال إن قيادة “تحرير الشام” غيرت سياستها تدريجيًا، محددًا أربع نقاط لهذه التغييرات هي:

  • السيطرة والهيمنة وقضم الفصائل وتفكيكها.
  • السعي إلى السيطرة العسكرية والأمنية والاقتصادية في مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” بريف حلب.
  • العمل الأمني من خطف وغيره دون التنسيق مع أي جهة ودون علمه.
  • توجيه التهم المعلبة والجاهزة لكل مخالف لنهج قيادة “الهيئة” وتشويه صورته سواء كان داخلها أو خارجها.

من “أبو أحمد زكور”

ينحدر “أبو أحمد زكور” من منطقة النيرب بريف حلب، وأدار وأشرف على أبرز الملفات والقضايا الشائكة في “تحرير الشام”.

يحظى بحاضنة شعبية في عشيرة “البو عاصي” من قبيلة “البكارة”، وفتح باب العلاقات أمام “أبو محمد الجولاني” مع شيوخ العشائر، وسعى الأخير للتقرب منهم وكسب حاضنة شعبية له ولفصيله.

تنوعت أدواره بين عدة مناصب، منها مدير العلاقات العامة ومسؤول سابق لملف الاقتصاد وقائد “لواء عبد الرحمن” التابع لـ”الهيئة”.

أسهم بتثبيت وجود “الهيئة” في المناطق والقرى التي كانت مستاءة من ممارسات “تحرير الشام” وسياساتها.

يدير منذ عامين ملف العلاقات والتواصل مع فصائل “الجيش الوطني” في مناطق ريف حلب.

يُعرف عنه أنه يمتلك ثروة مالية، ويُتهم بإدارة استثمارات “تحرير الشام” من خلال تشغيلها خارج سوريا عبر أشخاص كواجهة بعيدًا عن اسمه واسم “الهيئة”.

فرضت الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا عقوبات تتعلق بـ”مكافحة الإرهاب” على ميسرَين ماليين لجماعات “إرهابية” متمركزة في سوريا، من بينهما جهاد عيسى الشيخ.

القائد العام لـ”هيئة تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني” خلال مؤتمر لإطلاق حملة دعم لمخيمات شمالي سوريا- 15 من كانون الأول 2022 (أمجاد)

رفاق الدرب على مفترق طرق

في ظل تغيير سلوك “تحرير الشام” وخطابها عبر السنوات الماضية الذي لم يعد يخفى على أحد، بقيت شخصيات قيادية ثابتة تصدّرت المشهد وحملت سياسة “الهيئة” وخطتها، ولعبت أدوارًا لتثبيت سيطرتها وفرض إدارتها.

“أبو محمد الجولاني” و”أبو ماريا القحطاني” و”أبو أحمد زكور”، ثلاثة أسماء حملت لواء “الهيئة” وتحولت من عدم الظهور إلى العلن، ومن العمامة إلى دونها، ومن اللباس العسكري إلى المدني، ومن الخطاب المتشدد إلى الاعتدال.

تشتت “الإخوة” و”رفاق الدرب” كما أطلقوا على بعضهم، وبات “أبو أحمد زكور” ملاحقًا ويقطن في ريف حلب، في حين غابت أخبار “القحطاني” في سجون “الهيئة” وسط حديث عن تدهور حالته الصحية، وأنه مصاب بمرض سرطان الدم، ولا أخبار حاليًا عن “الجولاني” سوى أنه لا يزال قائد “الهيئة”.

أربعة أسباب للصراع

بحسب ورقة بحثية نشرها مركز “كاندل للدراسات“، توجد أربعة أسباب أساسية للصراع داخل “تحرير الشام”، هي:

  • ازدياد نفوذ “أبو ماريا”، إذ أصبحت له الكلمة الفصل في مناطق ريف حلب الشمالي.
  • ازدياد تدخل “أبو ماريا” في القطاع الأمني، انطلاقًا من مسؤوليته عن ملف تنظيم “الدولة الإسلامية” و”القاعدة” والمجموعات القريبة منهما.
  • ازدياد نفوذ قطاع “الشرقية” داخل المفصل الأمني والعسكري على حساب تهميش أو خفض صلاحيات قطاع “بنّش”.
  • تنسيق “أبو ماريا” مع الأتراك في ريف حلب، حيث أعطى نفوذه في مناطق ريف حلب الشمالي مساحة واسعة للتواصل مع تركيا في كل مرة تجد نفسها فيها مضطرة للتدخل مع كل حالة احتكاك عسكري بين “هيئة تحرير الشام” وفصائل “الجيش الوطني”.

ماذا عن “الجولاني”؟

وسط زحمة الأحداث الحاصلة وتسارعها، ظهر “أبو محمد الجولاني”، في 6 من كانون الأول الحالي، بجامعة “إدلب” لمناقشة الواقع التعليمي في الجامعة وتطويره، واجتمع مع النخب الأكاديمية، وفق ما نشرته الجامعة ومعرفات حكومة “الإنقاذ” المظلة السياسية لـ”الهيئة”، دون أي تسجيل مصور عن فحوى اللقاء.

وفي الأسبوع الأول من تشرين الأول الماضي، بعد حملة قصف شنتها قوات النظام السوري وروسيا على بلدات ومدن الشمال السوري، ظهر “الجولاني” ثلاث مرات، الأولى من داخل غرفة العمليات العسكرية، والثانية في أحد المستشفيات لزيارة المصابين، والثالثة خلال جولة على مراكز إيواء للنازحين.

الباحث في الجماعات “الجهادية” عرابي عرابي، اعتبر أن ظهور “الجولاني” في الجامعة هو إثبات وجود في ظل الحديث عن تمرد “أبو أحمد زكور”، وإيحاء بأنه لا يزال يتمتع بحضور وقبول في الأوساط الاجتماعية وحتى الأكاديمية.

وقال عرابي لعنب بلدي، إن أي ظهور لـ”الجولاني” يحمل رغبة منه بإظهار نفسه مشرفًا ومتعلقًا ومرتبطًا بجميع القطاعات وجميع الشرائح في إدلب، وأنه لا يزال حاضرًا.

من “الجولاني”

أحمد حسين الشرع (أبو محمد الجولاني) ينحدر من منطقة الجولان غربي سوريا، ولد في الرياض بالمملكة العربية السعودية عام 1982، عاد إلى سوريا بداية عام 1989.

نشأ وسكن في حي المزة بدمشق في منطقة فيلات شرقية، وكانت ميوله الإسلامية تكاد تكون معدومة، تأثر بالانتفاضة الفلسطينية في عامي 1999 و2000، ونصحه أحدهم بالذهاب إلى المسجد والصلاة فيه والالتزام بالصلاة في المسجد، وفق ما قاله “الجولاني” في مقابلة له.

ذهب إلى العراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وترقى في صفوف تنظيم “القاعدة” بالعراق، ويُقال إنه أصبح مساعدًا مقربًا لزعيمه “أبو مصعب الزرقاوي”.

اعتقله الجيش الأمريكي واحتجز في معسكر “بوكا”، وبعد إطلاق سراحه عام 2008، عمل مع “أبو بكر البغدادي”، زعيم “دولة العراق الإسلامية” حينها (قبل مقتله)، ثم عُيّن رئيسًا لجهاز الاستخبارات الباكستاني في محافظة نينوى.

عاد “الجولاني” إلى سوريا عام 2011، وأسس “جبهة النصرة” كمجموعة فرعية من تنظيم “الدولة”.

عام 2013، رفض تعليمات “البغدادي” بحل “النصرة” كجماعة مستقلة وجعلها جزءًا من تنظيم “الدولة”، وتعهد بالولاء لتنظيم “القاعدة” وزعيمها حينذاك “أيمن الظواهري”.

أدرجته الولايات المتحدة على قائمة “الإرهابيين” في أيار 2013، على أنه “إرهابي عالمي محدد بشكل خاص”.

عام 2016، أعلن “الجولاني” أن “النصرة” غيرت اسمها إلى “جبهة فتح الشام” وقطعت صلاتها بتنظيم “القاعدة”.

قطع العلاقات لم يكن مقبولًا من المجتمع الدولي، وفي أيار 2017، عرض مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى تحديد هويته أو موقعه.

أوائل عام 2017، أعلنت “جبهة فتح الشام” عن تشكيل “هيئة تحرير الشام”، وهو تحالف بينها وبين الجماعات الجهادية الأخرى مثل “جبهة أنصار الدين”، و”جيش السنة”، و”لواء الحق”، وحركة “نور الدين الزنكي”، وضمت لاحقًا المزيد من الفصائل والجماعات.

في تشرين الأول 2017، تم قبول استقالة هاشم الشيخ (أبو جابر) من مسؤوليته كقائد عام لـ”الهيئة”، وتكليف “الجولاني” بتسيير أمور الفصيل.

عضو مجلس الإفتاء الأعلى، ورئيس المجلس الشرعي في “تحرير الشام”، عبد الرحيم عطون- 27 نيسان 2022 (حكومة الإنقاذ)

الأثر على “الهيئة” والمنطقة

قد لا يغيب عن ذاكرة المتابعين لمجريات الأحداث في سوريا، وتحديدًا الحالة الفصائلية التي تكونت مع السنوات الأولى للانتفاضة المسلحة ضد النظام السوري، عندما أُخذ ضلوع تنظيم “قاعدة الجهاد” على أنه عامل سلبي، وقد يلصق تهمة الإرهاب بالمنطقة.

وكانت تبريرات جمهور “القاعدة” حينها، أن مجموعة “جبهة النصرة” المنبثقة عن الأولى جاءت لـ”نصرة أهل الشام”، بحسب ما ورد في بياناتها، وستغادر المنطقة حال تحقيق أسباب وجودها، لكن السنوات اللاحقة كانت كفيلة بتوضيح أن للجماعة التي غيّرت اسمها ثلاث مرات، ودخلت بتحالفات عديدة ثم عاودت الخروج منها، مطامح بحكم المناطق التي تتمركز فيها.

كانت “تحرير الشام” (“جبهة النصرة” سابقًا) هي الذراع العسكرية الوحيدة لتنظيم “القاعدة” في سوريا، بعدما شق تنظيم “الدولة الإسلامية” عام 2014 عصا الطاعة أيضًا معلنًا قيام “دولة الخلافة”.

وفي عام 2016، فكت “النصرة” ارتباطها بـ”القاعدة” لتحمل اسم “جبهة فتح الشام”، ما جعل الساحة السورية خالية من الفصائل التابعة للتنظيم الجهادي، باستثناء بعض المجموعات المنتشرة في المنطقة بشكل خفيف حتى اليوم.

واستقر الفصيل على اسم “هيئة تحرير الشام”، وشغل “الجولاني” منصب المسؤول عن تسيير أمورها بعد استقالة قائدها العام “أبو جابر الشيخ”.

تكريس لسلطة “الجولاني”

سنوات من عمر الثورة السورية، تغيّر اسم الفصيل الذي تحول إلى القوة الأكبر شمال غربي سوريا، واستقر اليوم على اسم “هيئة تحرير الشام”.

وطرأت تغييرات على تشكيلته البنيوية، والإدارية، والعسكرية، والأمنية، لكن ما لم يتغير في هذه المعادلة أن الفصيل لا يزال مدرجًا على “قوائم الإرهاب”، كما يجلس على رأس هرمه “أبو محمد الجولاني”.

ودخل الفصيل بتحالفات على مر السنوات بدءًا من غرف العمليات، وحتى تشكيل تكتلات فصائلية، لكن “الجولاني” حافظ على نفسه كصانع قرار في هذه التحالفات، بدءًا من غرفة عمليات “جيش الفتح” ووصولًا إلى غرفة “الفتح المبين” التي لا تزال قائمة حتى اليوم، ومرورًا بتشكيل “جبهة فتح الشام”.

تجميد “القحطاني” وملاحقة “أبو أحمد زكور” سبقتهما أسماء كثيرة لقادة وشرعيين في “الهيئة” باتوا خارج أروقة الفصيل أمثال “أبو شعيب المصري”، وعبد الله المحيسني، و”أبو العبد أشداء” وغيرهم، وبقي الثابت الوحيد في معادلة “تحرير الشام” هو “أبو محمد الجولاني”.

الباحث المتخصص في الحركات الدينية الدكتور عبد الرحمن الحاج، قال لعنب بلدي، إن ما يجري فعليًا هو تكريس للسلطة بيد “الجولاني”، والتخلص من القادة الذين يعتقدون أنهم يملكون الشرعية لممارسة سلطة لا تقل عن تلك التي يملكها “الجولاني”.

وأضاف الباحث أن القادة الملاحقين في “الهيئة” شغلوا أدوارًا مهمة على طريق وصول الفصيل إلى ما هو عليه الآن من السيطرة والتنظيم، ما وضعهم في مناصب قيادية، وهو ما لا يريده “الجولاني”.

الحاج قال إن تحركات “الجولاني” اتخذت نمطًا تقليديًا من بناء الدكتاتوريات، تحت مفهوم “رفاق الأمس الذين يشكلون مجموعة بنت السلطة، يتم التخلص منهم واحدًا تلو الآخر بذرائع مختلفة (معظمها حقيقي) للاستفراد بالقرار”.

الباحث في الشؤون العسكرية بمركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، قال لعنب بلدي، إن “الهيئة” شهدت العديد من التصدعات أبرزها القائمة حاليًا.

ويرى الباحث أن الصدع الأحدث في كيان “الهيئة” هو واحد من احتمالين، إما حالة من عدم الرضا بين شخصيات قيادية في “تحرير الشام” حول السياسة العامة، وبالتالي بالانقلاب على قائدها، حتى لا يكونوا جزءًا من التشكيلة الحالية، وهو الاحتمال الظاهر.

والثاني أنه “نوع من التضليل”، وهو إحدى أدوات المعركة التي تديرها “تحرير الشام” نحو الداخل الذي يعاني حالة فصائلية، وتحديدًا بين فصائل “الجيش الوطني السوري” شمالي محافظة حلب.

ويرى حوراني أن “الهيئة” تريد بهذا “التضليل” إيهام خصومها بأنها تعاني ما يعانونه، ومن المحتمل أن يكون الانقسام الظاهر في أروقتها الحالية هو “خدعة تهدف للتوسع في مناطق (الجيش الوطني)”.

وأضاف أن هناك معلومات تتحدث عن أن “أبو أحمد زكور” الملاحق حديثًا من قبل “الهيئة” يريد تشكيل فصيل عسكري شمالي حلب، وهو ما يرتبط برغبة “الهيئة” باختراق المنطقة وبالتالي خلق فصيل عسكري يتبع لها شمالي حلب.

من اليمين القيادي في “هيئة تحرير الشام” جهاد الشيخ (أبو أحمد زكور) والقائد العام لـ”الهيئة” أبو محمد الجولاني و القيادي العسكري في “تحرير الشام”، ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”- 15 من تشرين الأول 2022 (Mayasara Bn Ali/ تويتر)

ما الأثر؟

الخلاف الذي يعصف اليوم بأروقة “الهيئة” ليس الأول، ولا الأكثر حدة، إذ سبق ونشر القيادي السابق فيها “أبو العبد اشداء” تسجيلًا مصورًا وعنونه بـ”كي لا تغرق السفينة“، كشف عبره عن التهاون في تحصين الجبهات، وحالة الفساد في دوائر “الهيئة”، واعتُقل بعدها.

الباحث رشيد حوراني قال إن “أبو العبد أشداء” كان يقود كتلة بشرية كبيرة وذات وزن في “الهيئة”، لكن الصدع لم يترك أثرًا على البنية التنظيمية العامة لها، رغم أنه حمل معه سيلًا من الفضائح بالنسبة للفصيل.

وخلصت دراسة أعدها مركز “كاندل للدراسات” إلى أنه لا صراعات داخلية أو مواجهات مسلحة على مستوى التيارات قد تنشب في “هيئة تحرير الشام” أو تؤدي إلى تفككها بناء على المعطيات الحالية.

وتوقعت أن تقتصر النتائج على استقالة أفراد مؤثرين من “هيئة تحرير الشام” مثل “أبو أحمد زكور” ومظهر الويس.

وأضافت الدراسة أن دور “الهيئة” قد يضعف في مناطق ريف حلب الشمالي وخاصة بعد انتهاء دور “القحطاني” والاستقالة المتوقعة لـ”زكور”، الأمر الذي ربما يدفع فصائل حليفة لـ”تحرير الشام” كـ”الحمزات” و”سليمان شاه” (العمشات) للبحث عن تحالفات جديدة لحماية نفسها إضافة إلى “أحرار الشام” (جناح صوفان) التي نقلت قسمًا من سلاحها الثقيل من محافظة إدلب إلى ريف حلب الشرقي.

وخلصت الدراسة إلى أن الأثر الأهم للأحداث قد يتمثل بتسارع متوقع للدول الفاعلة، وخاصة تركيا، لاتخاذ قرار بإنهاء ملف “هيئة تحرير الشام” بداية بإنهاء نفوذها في مناطق ريف حلب الشمالي.

وكخطوة ثانية، قد تمارَس ضغوط كبيرة على “الهيئة” للاندماج بـ”الجبهة الوطنية للتحرير” (فصيل معارض معتدل بمحافظة إدلب وريفها) مع التعامل بقوة السلاح مع من يرفض هذا الاندماج.

لمصلحة من؟

شكّلت “تحرير الشام” مع مرور السنوات حالة من العداء مع فصائل محلية، ووجهاء بعض المناطق وحتى جهات سياسية وسكان بعض القرى والبلدات، لكن حالة العداء التي كوّنتها مع جهات عسكرية كانت الأكثر تأثيرًا.

كبرى فصائل المعارضة “المعتدلة” المسلحة قذفت “تحرير الشام” بعناصرها وقادتها باتجاه تركيا ودول اللجوء، أو باتجاه شمالي حلب حيث تشكل “الجيش الوطني السوري” الذي يعرف اليوم بكونه “الفصيل الأكثر اعتدالًا” بين فصائل المعارضة.

الباحث المتخصص بشؤون الجماعات الجهادية عبد الرحمن الحاج، قال لعنب بلدي، إن أي زعزعة في كيان “تحرير الشام” ستصب بمصلحة فصائل “الجيش الوطني” نظريًا، لكن من الواضح أن أي انهيار محتمل لـ”الهيئة” سيغري جميع الأطراف لملء الفراغ بما في ذلك النظام.

ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى عودة “الجهاديين الأجانب” وظهور “القاعدة” من جديد، بحسب الحاج.

ويرى الباحث أن “الجيش الوطني” أو “الجبهة الوطنية للتحرير” هما أوفر الأطراف حظًا في ملء الفراغ، لكن هذا سيناريو يصعب تصوره في اللحظة الراهنة، إذ لا مؤشرات على انهيار داخل “الهيئة” ولا صراع داخلي، وبالتالي هذا سيناريو بعيد.

ومن بين السيناريوهات الأرجح، يتوقع الباحث أن يعيد “أبو محمد الجولاني” هيكلة مراكز القوة في “الهيئة”، ويعوض نقص القادة بقيادة موالية مضمونة الولاء بشكل شبه مطلق، وهذا أمر ليس صعبًا مع وجود جهاز أمن “قوي”.

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات