ثلاثة منهم يروون قصص تطوعهم ومشاعرهم
ذوو إعاقة يكرسون حياتهم للعمل الإنساني في الشمال السوري
عنب بلدي – ريم حمود
“لم أشعر بالندم يومًا على متابعتي بالعمل التطوعي، رغم إصابتي في أثناء إزالة الذخائر غير المنفجرة”، بهذه الكلمات تحدث حسن الطلفاح، المتطوع في “الدفاع المدني السوري“، مبديًا إصراره على البقاء ضمن فرق إزالة الذخائر غير المنفجرة (UXO).
ولم يكن حسن الوحيد ممن تركت الحرب آثارها على أجسادهم في أثناء عملهم متطوعين بالعمل الإنساني ولم يستسلموا للواقع، إذ تواصلت عنب بلدي خلال إعداد هذا التقرير مع ثلاثة أشخاص ذوي إعاقة، ولكن إصابتهم دفعتهم نحو التوجه للعمل الإنساني.
مع بدء أحداث الثورة السورية في آذار 2011، انتشرت ثقافة التطوع بشكل واسع، ونشط متطوعون مع منظمات إنسانية وإغاثية لمساعدة السوريين، ومحاولة التخفيف عنهم بشتى الطرق.
تسلط عنب بلدي في هذا التقرير الضوء على مساهمة فئة ذوي الإعاقة في مجال العمل الإنساني، وتكريس حياتهم للعمل التطوعي رغم جميع الصعوبات والعوائق التي تعترضهم، إذ تحول هدفهم الرئيس إلى تقديم أقصى ما يستطيعون في خدمة الآخرين.
“التحدي” دافع
بعد تعرض الأشخاص لإصابات سببت تغيرات بحركتهم الطبيعية أو خسارة أحد أعضاء جسدهم، تزداد الصعوبات المرافقة للعزيمة والتوجه نحو محاولات الإسهام بالتغيير عبر التطوع، وإثبات الحضور في المجتمع المحيط، ومنهم حسن الطلفاح، ابن كفر زيتا بريف حماة الشمالي.
أصيب حسن عام 2014 في أثناء عمله بإزالة ذخائر غير منفجرة، ما تسبب بفقدان ساقه اليسرى وضرر بعظام اليمنى، ولكن الحادث الذي حصل لم يكن سوى دافع لعدم الاستسلام للإصابة والاستمرار بالعمل التطوعي.
قال حسن (29 عامًا) لعنب بلدي، إن الإصابة حصلت بعدما داس على ذخيرة غير منفجرة من مخلفات قنابل عنقودية مغطاة بالعشب وغير ظاهرة.
وبعد إصابته، بدأ بعض الأشخاص من محيط حسن الحديث عن عدم قدرته على العودة للعمل التطوعي، ما خلق تحديًا كبيرًا بداخله لإثبات أن فقدانه لساقه لا يعوقه أو يمنع مساهمته بالعمل الإنساني، وفق حديثه لعنب بلدي.
قرار عودة الشاب للعمل بعد فترة العلاج التي دامت قرابة عام ونصف، واستجابته للحاجة في تلك الفترة للتطوع في إنقاذ حياة الأفراد عبر إزالة الذخائر غير المنفجرة، لم يكن سهلًا أو خاليًا من الصعوبات.
وتشهد سوريا منذ بدء أحداث الثورة السورية عام 2011 ارتفاعًا في أعداد المصابين وذوي الإعاقة، إذ وصلت نسبتهم إلى 28% من السكان، بحسب تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) صدر عام 2022.
حسن ليس الشخص الوحيد الذي تحدى المجتمع وإصابته لتحقيق ما يحلم به، إذ إن الشاب ويسي، ابن بلدة منّغ بريف حلب الشمالي، كانت إصابته من أكبر دوافعه لإنشاء بيئة تناسب المصابين في الشمال السوري.
ويسي حجازي (31 عامًا)، وهو أحد مصابي الحرب، قال لعنب بلدي، إنه تعرض لعدة إصابات وأكبرها تأثيرًا حدث عام 2012، إثر إصابته بحرق بالنخاع الشوكي ما أدى إلى شلله، ولكن العلاج الفيزيائي المستمر أسهم في تحسين وضعه الصحي قليلًا.
وبعد تلقى العلاج، عاد ويسي للمشي بطريقة مختلفة عبر الاستناد إلى أحد الأشخاص، لعدم قدرته على استخدام عكازات طبية، جراء إصابة أخرى بيده اليسرى وصعوبة استخدامها، وفقًا لحديثه.
إصابة ويسي وشعوره باحتياجات ذوي الإعاقة، دفعاه عام 2019 نحو إنشاء جمعية “ذوي الهمم” في مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، وتهدف لتمكين هذه الفئة من الأشخاص بالمجتمع.
عند بدئه العمل التطوعي، واجه ويسي انتقادات من عائلته مع محاولات لإقناعه بالتخلي عن هذا النشاط، لكن شعوره بالحاجة للمتابعة كان أقوى، بحسب تعبيره.
الصعوبات حاضرة
وفقًا للمتطوعين، لا يخلو عمل ذوي الإعاقة بمجال التطوع من الصعوبات، عبر خضوعهم في بعض الأوقات لحركات لا تلائم إصاباتهم، ويصعب عليهم تنفيذها بسبب طبيعتها التي تكون صعبة أحيانًا.
ومن الصعوبات التي يعاني منها الشبان الثلاثة الذين تواصلت معهم عنب بلدي، المشي لساعات طويلة، إذ يرهق مكان الإصابة ويتعبها ويسبب مضاعفات لديهم في بعض الأوقات، ولا حلول سوى أخذ قسط من الراحة أو استخدام الحبوب المسكنة للآلام حتى زوالها.
جاسم سليمان من أبناء قرية العشارنة، تحدث لعنب بلدي عن آلام شديدة يتعرض لها في أثناء عمله كمتطوع مع منظمة “MAPS” في الشمال السوري، وذلك إثر إصابة كانت قد تسببت بقصر في ساقة اليمنى بنحو 10 سم، وتركيبه مفصلًا اصطناعيًا في الفخذ.
إصابة الشاب جاسم عام 2013 غيرت من طبيعة حياته بالكامل، ولكنها لم تمنعه من محاولة الدخول بالعمل التطوعي مجددًا بعد انقطاع دام سبع سنوات، ويعمل في المنظمة على جمع المعلومات وتوزيع الإغاثة والقسائم النقدية وتدريبات مهنية، ما يتطلب الوقوف لفترات طويلة، بحسب ما تحدث به لعنب بلدي.
عند اتخاذ جاسم قرار العودة والتقديم على العمل التطوعي ضمن المنظمات بالشمال السوري، لم يلقَ ترحيبًا من بعضها دون تحديد لأسمائها “لتجنب المشكلات”، والسبب، كما قال، رؤيتهم لطريقة حركته جراء الإصابة.
وأفاد جاسم لعنب بلدي أنه يكلف بعض الأحيان بمهمات صعبة من قبل إدارة المنظمة التي ينشط فيها، ما يؤثر على نفسيته بطريقة “سيئة”، حسب وصفه، ويدفعه ذلك للمكابرة على ألمه للإثبات بأنه قادر على التنفيذ، ومن أهم هذه الصعوبات عدم القدرة على العمل اللوجستي من نقل مساعدات وغيرها.
حسن الطلفاح أيضًا يواجه مشكلات مشابهة، وإحداها الإحساس بـ”ألم شديد” بعد المشي لساعات طويلة مع ارتدائه للطرف الاصطناعي، ما يؤدي إلى حدوث مضاعفات أحيانًا مثل انخفاض مستوى ضغط الدم لديه.
قال حسن لعنب بلدي، إنه يعمل على كتابة تقارير لقصص المصابين بالذخائر غير المنفجرة في “الدفاع المدني السوري”، وينعكس سماع تلك القصص على نفسيته بشكل إيجابي أو سلبي، خاصة مع عدم التشابه بين حالته وتلك الحالات.
وبحسب القصص التي رواها الشابان لعنب بلدي، فإن العمل التطوعي لأشخاص لديهم إصابات بطرق مختلفة لا يخلو من الصعوبات والمواقف السلبية والإيجابية في آن واحد، وإنهما يستمدان الطاقة في كثير من الأحيان من تلك القصص عند الإحساس بالضعف أو التعب.
نظرة المجتمع
يعتبر ويسي حجازي أن أشخاصًا من المجتمع المحيط به كوّنوا صورة نمطية عن الشخص المصاب عبر التقليل من قدرته على القيام بأعمال معينة، مستندًا إلى ذلك بمناداة بعضهم لذوي الإعاقة بـ”العاجز”، إذ تأتي وكأنها رسالة غير مباشرة تلخص الاستهانة بقدراتهم، وهذا أكثر ما يكره سماعه ويسي، بحسب تعبيره.
وأوضح الشاب لعنب بلدي أنه بعد الإصابة أصبح أكثر إنتاجًا، وتغيرت حياته نحو الأفضل في جميع النواحي، ويرى أن الإعاقة الجسدية ليست دليلًا على العجز، بينما الإعاقة الذهنية هي التي قد تكون سببًا بذلك.
وبناء على تجربة ويسي بالعمل التطوعي في جمعية “ذوي الهمم”، أفاد أن المصطلحات المستخدمة من جانب المجتمع تؤثر سلبًا على نفسية المصابين، وأن تجنب تلك المصطلحات، وتحسين نفسية المصاب، واجب على محيط المصاب من عائلة أو أصدقاء أو منظمات إنسانية.
ومن وجهة نظر ويسي، يلعب الدعم النفسي دورًا مهمًا في خلق شخصية سليمة لدى المصاب ودفعه نحو الانخراط بالمجتمع، وهذا ما لاحظه خلال الورشات التدريبية التي تقدمها جمعيته للمصابين من مختلف الأعمار.
يوافق 5 من كانون الأول اليوم العالمي للتطوع، واعتمدته الأمم المتحدة عام 1985، ويهدف لتقدير جهود المتطوعين حول العالم والاعتراف بدور العمل الجماعي، مع تشجيع المزيد من الأشخاص على الانضمام للعمل التطوعي.
وفي تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عام 2021، ذكر أن 36% من النازحين السوريين هم من ذوي الإعاقة، وينحدرون من المناطق التي شهدت قصفًا مكثفًا من قوات النظام السوري وحليفها الروسي، ويقيمون في شمال شرقي وشمال غربي سوريا، ويعمل الكثير منهم لإعالة أسرهم رغم الإصابة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :