أعلنت السفارة السورية في المملكة العربية السعودية استئناف خدماتها القنصلية، بدءًا من 17 كانون الأول الحالي، وأضافت أن مراجعة السفارة يتم بناء على حجز موعد مسبق على الموقع الإلكتروني للسفارة وفق التاريخ الذي يلائم السوريين المقيمين في السعودية، لتخفيف فترات الانتظار.
قرار استئناف عمل السفارة سبقه بيوم تعيين النظام السوري نائب وزير الخارجية، أيمن سوسان، سفيرًا لدى السعودية.
وذكرت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، أن سوسان أدى اليمين القانونية أمام الأسد، سفيرًا لدى الرياض، وجرى تعيينه بحضور وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد.
ويأتي استئناف عمل السفارة في وقت يعيش فيه التقارب العربي مع النظام السوري حالة من الفتور سبقت التصعيد الإسرائيلي في غزة، المستمر منذ 7 من تشرين الأول الماضي.
ولم تعيّن السعودية سفيرًا لها في دمشق بعد، إذ عينت مجموعة من السفراء في آب الماضي، لدى سبع دول، سوريا ليست بينها.
“ثمرة” للتطبيع العربي
يرى الباحث في العلاقات السياسية بلال السلايمة، أن افتتاح السفارة السورية في الرياض واستئناف عملها ثمرة للتطبيع العربي الذي حصل مع النظام السوري، والذي بلغ ذروته بإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ومشاركة رئيس النظام السوري في القمة العربية التي انعقدت في السعودية.
السلايمة أضاف أنه من المهم متابعة الخطوات التي ستقوم بها السعودية فيما يتعلق بافتتاح سفارتها في دمشق، مؤكدًا وجود أحاديث عن نوع من التردد السعودي في إعادة فتح سفارتها في دمشق حتى الآن، وهو ما يترك أثرًا على المدى الذي يمكن أن يصل له هذا التطبيع بين النظام السوري وبقية الدول العربية.
وأكد أن التطبيع العربي مع النظام السوري لم ينعكس على تحريك الملف السوري سياسيًا، ولا يبدو أن المبادرة العربية قد توصلت إلى أي إنجاز، بالإضافة إلى “لجنة الاتصال الوزارية العربية” المعنية في دمشق لم تجتمع منذ فترة نتيجة الحرب في غزة، ما يعني أن التطبيع الذي حصل لم تكن له أي آثار على مسار الحل السياسي في سوريا حتى الآن.
وعقدت “لجنة الاتصال الوزارية العربية”، في 15 من آب الماضي، لقاءها الأول والوحيد، في العاصمة المصرية القاهرة.
وأصدر وزراء خارجية “لجنة الاتصال الوزارية العربية” بشأن سوريا، بيانًا ختاميًا إثر اجتماع على مستوى وزاري، ضم وزراء خارجية كل من مصر والعراق والسعودية والأردن ولبنان، والنظام السوري.
ووفق البيان، جرى خلال اللقاء بحث تطورات الوضع في سوريا، واتصالات أعضاء اللجنة وحكومة النظام مع الأمم المتحدة و”الدول الصديقة” في إطار جهود تحريك “الأزمة” نحو التسوية الشاملة، اتساقًا مع المرجعيات الدولية ذات الصلة.
وأكد المشاركون أن الحل الوحيد لـ”الأزمة السورية” هو الحل السياسي، معربين عن تطلعهم إلى استئناف العمل في المسار الدستوري السوري (أعمال اللجنة الدستورية متوقفة منذ حزيران 2022)، وعقد الاجتماع المقبل لـ”اللجنة الدستورية السورية” في سلطنة عمان، قبل نهاية العام الحالي، مع التوافق على أهمية استكمال المسار بجدية، باعتباره أحد المحاور الرئيسية على طريق إنهاء “الأزمة” وتحقيق التسوية و”المصالحة الوطنية” المنشودة.
في 8 من تشرين الأول الحالي، قال وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، إن “لجنة الاتصال العربية” بدأت بحماسة، لكن ثمة ضغوطًا غربية شديدة على اللجنة حتى لا تعطي أي شيء قبل النظام السوري، من منطلق “يكفي أنكم أعدتم الحكومة السورية إلى الجامعة العربية”، وفق ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.
مسار مستمر
الدكتور في القانون والباحث في مركز “الحوار السوري” أحمد قربي، اعتبر أن قضية تبادل السفراء هو خطوة ومن المتوقع تطورها خلال الفترات المقبلة، وفي حال لم تتطور وهو ما استبعده الباحث، فمن الممكن أن يظهر نوع من البطء لمسار التطبيع وليس إيقافه بالكامل.
وأوضح القربي، لعنب بلدي، أنه من الأساس التطبيع مع النظام السوري لم يتوقف، بل ع العكس فالمسار قائم، والعوامل الأساسية التي دفعت لعملية التطبيع ما زالت قائمة وعلى وجه الخصوص، في ظل تراخي الموقف الأمريكي وهو ما ظهر واضحًا بعد الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا في شباط الماضي.
مسيرة التطبيع بين السعودية والنظام والتي ظهرت بشكل واضح عقب الزلزال، ومهدت لحضور بشار الأسد للقمة العربية، مسارها مستمر والعوامل الأساسية التي أسهمت فيها، على رأسها التراخي الأمريكي، ورغبة بعض الدول العربية بالحد من النفوذ الإيراني والتركي، ما زالت موجودة”
أحمد قربي، الدكتور في القانون والباحث في مركز “الحوار السوري” |
خطوات سابقة
وبعد سنوات طويلة تخللتها إلى جانب القطيعة تصريحات كثيرة هاجم خلالها النظام السوري المملكة وحكّامها، وتأكيد سعودي أواخر 2021 أن الحرب في سوريا لم تنتهِ، وأن الأسد يقف على “هرم من الجثث”، غيّرت الرياض لهجتها تجاه النظام بوضوح بعد الزلزال المدمر في 6 من شباط الماضي، وصولًا إلى لقاءات رفيعة المستوى، والحديث عن لقاءات على مستوى أكبر على المدى المنظور.
وكان وزير الخارجية السعودي صرح، في 18 من شباط الماضي، على هامش مؤتمر “ميونيخ للأمن 2023″، أن هناك “إجماعًا عربيًا على أن الوضع في سوريا يجب ألا يستمر على ما هو عليه”.
وفي 18 من نيسان الماضي، استقبل الأسد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في زيارة سعودية هي الأولى من نوعها إلى دمشق، منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.
الزيارة التي استمرت لساعات فقط، تبعها بيان للخارجية السعودية، جاء فيه أن الوزير نقل تحيات الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد، محمد بن سلمان، للأسد.
وجرى خلال اللقاء مناقشة الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي لـ”الأزمة السورية”، وبحث للخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة تنهي جميع تداعيات “الأزمة” وتحقق المصالحة الوطنية، وتسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، بحسب البيان.
سبقت هذه الزيارة بأقل من أسبوع زيارة مماثلة لوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى مدينة جدة السعودية، بدعوة من نظيره السعودي في 12 من نيسان الماضي.
وجاء في بيان صحفي مشترك في ختام الزيارة، أن الجانبين اتفقا على أهمية حل الصعوبات الإنسانية، توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات إلى جميع مناطق سوريا، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم.
كما أكد الجانبان أهمية تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بأشكاله وتنظيماته، وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وضرورة دعم مؤسسات الدولة لبسط سيطرتها على أراضيها، لإنهاء وجود “الميليشيات المسلحة” فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن السوري.
وتطرق البيان للخطوات اللازمة للتسوية السياسية الشاملة بما ينهي تداعيات “الأزمة”، ويحقق المصالحة الوطنية، ويسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، وهي قضايا ناقشها أيضًا ابن فرحان في لقائه مع الأسد.
وتوجه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى السعودية في زيارتين منفصلتين الأولى كانت في 19 من أيار الماضي، للمشاركة في القمة العربية بدورتها الـ32، والتي انعقدت في مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر.
وتعتبر مشاركة الأسد في قمة جدة، الأولى منذ عام 2010، حين انعقدت القمة العربية في مدينة سرت الليبية، كما كانت الزيارة الأولى إلى السعودية بعد اندلاع الثورة في سوريا.
والزيارة الثانية في 10 من تشرين الثاني، للمشاركة في أعمال القمة العربية الطارئة حول غزة.
وناقشت عنب بلدي في ملف حمل اسم ” الرياض ودمشق.. خطوة بخطوة الأسد تحت العباءة السعودية” التقارب السعودي مع النظام السوري، ومساعي الرياض لإعادة النظام إلى “الحضن العربي”، إلى جانب موقف المعارضة السورية، والموقفين، الأمريكي والأوروبي، من هذه الخطوات، مع قراءة الآثار السياسية والاقتصادية التي قد تنجم عنها.