سوريا.. ما أثر السماح بتصدير المواد الغذائية الأساسية
أثار قرار السماح بتصدير مواد غذائية أساسية في سوريا، ومن ضمنها زيت الزيتون، انتقادات شعبية لما يمكن أن يؤثر على توافر هذه المواد بالسوق أو على زيادة أسعارها، في ظل تدهور وضع الدخل المعيشي للسكان.
وجاء في قرار رئاسة مجلس الوزراء الصادر، في 6 من كانون الأول، السماح بتصدير مادة زيت الزيتون المفلترة والمعبأة بعبوات لا تزيد عن حجم خمسة ليترات أو كيلوجرام، وبكمية لا تزيد عن خمسة آلاف طن، مع إمكانية زيادة هذه الكميات، وفق تطورات سعر وكمية المادة في السوق المحلية.
واستندت هذه التوصية للاجتماعات المنعقدة مع “مجلس الأعمال السوري- الصيني” واتحاد غرف الصناعة والتجارة السورية ووزارة الخارجية، لتحديد المواد القابلة للتصدير، واقتراح السماح بتصدير مادة زيت الزيتون إلى الصين بعبوات صغيرة.
وفي ذات القرار، سمح بتصدير ذكور أغنام “العواس”، والماعز الجبلي طيلة العام، باستثناء فترة التكاثر الممتدة من 12 من كانون الثاني ولغاية نهاية آذار من كل عام، وذلك وفق الشروط الصحية المحددة من قبل وزارة الزراعة.
كما أتاح القرار بناء على توصية اللجنة المتضمنة، السماح بتصدير كل من المعكرونة والشعيرية المصنعة محليًا، بكمية تساوي كميات القمح المستوردة من قبل الشركات المصنعة لها.
والسماح بتصدير البقوليات المعلبة بعد استيرادها بقصد التصنيع والتعليب لدى المعامل المنتجة لهذا النوع من المعلبات، بما يتناسب مع حجم التصدير لتلك المعامل، والسماح لها باستخدام القطع الأجنبي الناجم عن التصدير لاستيراد البقوليات الجافة بما يتناسب مع الطاقة الإنتاجية لهذه المعامل.
ما الآثار؟
جاء قرار السماح بتصدير مادة زيت الزيتون بعد نحو ثلاثة أشهر على قرار منع تصديره، بدءًا من مطلع أيلول الماضي، بناءً على توصية اللجنة الاقتصادية، ونتيجة لدراسة واقع الإنتاج لموسم 2023- 2024، والكميات المتوقع إنتاجها مقارنة مع الاحتياج الفعلي وسبل تسويق الفائض منه.
وبحسب مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة، عبير جوهر، فالغرض كان من قرار منع التصدير، تلبية احتياجات السوق المحلية من المادة بأسعار مناسبة، أمام انخفاض في الإنتاج مقارنة بالمواسم السابقة، جراء “التغيرات المناخية، وكونه إنتاجًا سنويًا في معظم المحافظات”.
الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي، قال لعنب بلدي إن تصدير المواد الأساسية وبينها زيت الزيتون خارج أوقات الموسم، يمكن أن يؤدي لمزيد من ارتفاع أسعار تلك المواد وبالتالي زيادة العبء على السكان داخل مناطق سيطرة النظام.
كما يرى قضيماتي أنه بالمقابل لن تكون هناك آثار ملموسة على عجلة الاقتصاد السوري بعد إتاحة التصدير، مرجعًا ذلك إلى أن تكلفة الإتاوات وغياب البنى التحتية الأساسية لتشغيل وتنشيط التجارة والصناعة غير موجودة كالكهرباء.
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “حماة”، إبراهيم قوشجي، قال لصحيفة “تشرين” الحكومية، في 9 من كانون الأول، إن قرار منع الاستيراد أو التصدير بأشكاله المختلفة، يبقى معالجات جزئية لقطاع محدود وليس بخطوات علاجية للاقتصاد الكلي.
وأفاد أن التصدير يخفف من الضغط على سعر الصرف لليرة السورية مقابل الدولار، بشرط عودة القطع من الخارج أو تمويل المستوردات، وألا يكون التصدير طريقة لخروج رؤوس الأموال أو ما بقي منها أو عوائد الاستثمارات المحلية للخارج، بحيث يصبح سببًا وطريقًا لهجرتها.
وحول تأثير التصدير، قال قوشجي إنه سيؤثر على أسعار السلع المحلية، بما يسهم في ارتفاعها، فإذا كانت صفيحة الزيت تباع حاليًا بـ 1.2 مليون ليرة سورية، فقد يصل سعرها مع بدء التصدير إلى 1.5 مليون ليرة أو أكثر.
جاءت سوريا في الترتيب الثالث ضمن الدول العربية بإمكانية حصول السكان على الغذاء وقدرتهم على تحمل تكاليف تأمينه، وسجلت هذا العام ارتفاعًا بأسعار المواد الغذائية بنسبة 11%، عما كانت عليه في عام 2019، بحسب تقرير للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (ESCWA).
وحسب تقرير برنامج الأغذية العالمي، ارتفع سعر سلة الغذاء المرجعية في سوريا، بنسبة 100% منذ بداية العام الحالي، وثلاثة أضعاف مقارنة بالعام الماضي.
ما الأسباب؟
بررت بنود القرار الصادر حول السماح بتصدير الزيتون بأنه جاء بناءً على طلب الشركات المنتجة لعبوات مادة زيت الزيتون، بالسماح بتصديره بعبوات وكميات محددة، كون منع تصديره أدى إلى خسارة “الأسواق الخارجية وفقدان أحد أكبر موارد القطع الأجنبي”.
وقال رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، غزوان المصري، لموقع “أثر” المحلي، إن الموافقات اشترطت استيراد المواد الأولية للتصدير مثل أنه من يريد أن يصدر المعكرونة يجب أن يستورد القمح وهكذا، أما فيما يخص زيت الزيتون فيجب أن يكون معبأ بعبوات صغيرة وبكميات محددة وبالتالي “لن يؤثر على السعر”.
وأضاف المصري أن الاتحاد طالب بالموافقات على تصدير هذه المواد، “لتشجيع الصناعات كون الأسواق السورية حاليًا تعاني من ضعف في القوة الشرائية، وجاءت هذه الموافقات لاستمرار عمل المعامل والمصانع”.
وأشار المصري إلى أن هذه المواد كان من المسموح تصديرها قبل أزمة “كورونا”، مطالبًا بتخفيف الإجراءات التصديرية التي تؤخر أحيانًا عمليات التصدير، كون التصدير أحد أهم موارد القطع الأجنبي للبلاد، كما يضمن تشغيل المعامل بكامل طاقتها الإنتاجية كونها لا تعمل الآن إلا بحوالي 25 – 30% من طاقتها الإنتاجية.
ويرى الباحث الاقتصادي أدهم قضيماتي أن قرار التصدير بما يخص هذه المواد الغذائية جاء بعد رفع الدعم عن العديد من المواد التي كانت مدعومة بسوريا خلال الفترة الماضية، وذلك كمحاولة حكومة النظام إدخال القطع الأجنبي بشكل أكبر من خلال زيادة الصادرات للدول “الصديقة”.
وبالرغم من عدم استهلاك سكان هذه الدول للمواد السورية، تنشط رخص الأسعار المصدرة بشكل بسيط عملية التصدير، وفق الباحث.
وتحاول حكومة النظام أن تصدر خارجيًا بأن الوضع في سوريا “آمن وأن أبواب التصدير مفتوحة أمام التجار”، وذلك لجذبهم وإعادتهم للبلد، وفق قضيماتي، الذي شكك بأن يكون هذا الترويج واقعي كون المواد المصدرة من المعامل تتعرض خلال طريق الشحن داخل سوريا لدفع “إتاوات”، وهو ما يرفع التكلفة على التجار للتصدير.
وتسببت قرارات سابقة سمحت فيها حكومة النظام بتصدير مواد غذائية أساسية من فقدانها وارتفاع أسعارها بالسوق المحلية.
وفي أيار الماضي، فتحت حكومة النظام باب التصدير لمادة بطاطا الطعام للكميات الفائضة عن حاجة السوق المحلية والمقدّرة بكمية 40 ألف طن وذلك حتى نفاد الكمية.
كما سمحت بتصدير مادة الثوم الأخضر لكمية خمسة آلاف طن كحد أقصى، وذلك لمدة شهرين، وزعمت الحكومة أن قرار تصدير المادتين يهدف إلى “دعم الفلاحين وضمان عدم تعرضهم للخسارة، بسبب غلاء الأسمدة والمحروقات، واعتماده بالكامل على السوق المحلية سيعني خسارة أليمة لهذا الموسم”.
وتسبب هذا القرار حينها بارتفاع أسعار المادتين في السوق، خاصة أن البطاطا تعتبر من الخضار التي تشكل حلًا منقذًا لكثير من الأسر، في ظل انخفاض القوة الشرائية للسكان، ووقوع 90% منهم تحت خط الفقر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :