يعاني أهالي دمشق وريفها من ارتفاع بأسعار بيع الخبز، مع انتشار بيعه على البسطات، إذ يصل سعر ربطة الخبز المزدوجة إلى عشرة آلاف ليرة، بوزن 2200 غرامًا وعدد أرغفة 14 رغيفًا.
عدم الالتزام بالأسعار المحددة من الحكومة ينشئ أسواقًا ممنوعة أو متهربة من الضرائب، وتسمى عادة بـ”السوق السوداء”، وتتجه العائلات إليها في حالة عدم القدرة على تأمين العائلة لاحتياجاتها، وتباع فيها البضائع بالسعر “الحر” بأسعار أعلى من أسعارها الحقيقة، لمن هم على استعداد لدفع مبالغ إضافية لتوفير مادة الخبز، قوتهم الأساسي.
تلاعب بالأسعار
أدى التعامل مع “البطاقة الذكية” التي بدأ العمل عليها في أواخر 2019 بالتعاون بين وزارتي التجارة الداخلية وحماية المستهلك والنفط والثروة المعدنية في حكومة النظام إلى انقسام المجتمع لفئتين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وهي الفئة “المدعومة” و”المستبعدة من الدعم”.
الهدف من العمل وفق منظومة “البطاقة الذكية” جاء للحد من التلاعب بالأسعار والاحتكار، ولخلق “سعر توازني” في السوق.
ورغم الإعلانات المستمرة عن حملات ضبط وفرض من النظام السوري للمخالفين، وتحديد وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في سوريا لسعر ربطة الخبز للفئات “المدعومة” و”المستبعدة من الدعم” لا تزال تُباع بأسعار مختلفة، وتخرق بذلك القوانين الاقتصادية والمالية حتى اليوم.
جابر (تحفظ على ذكر اسمه لمخاوف أمنية) من سكان مدينة جرمانا بريف دمشق، قال لعنب بلدي إن سعر الخبز “المدعوم” يصل إلى 1000 ليرة للربطة العادية أو 2000 ليرة للربطة المزدوجة بوزن 2200 غرامًا.
بينما يباع الخبز “غير المدعوم” في الأفران بسعر يصل لخمسة آلاف ليرة سورية، وتباع الربطة المزدوجة بوزن 2200 بالسعر “الحر” بعشرة آلاف ليرة بـ”السوق السوداء” المنتشرة بالفترة الأخيرة في مدينة جرمانا، دون رقابة، وفقًا لجابر.
وحددت الحكومة سعر ربطة الخبز ضمن “الدعم” بـ 200 ليرة ووزن 1100، إلا أن سعرها يختلف باختلاف المؤسسات والمحافظات.
ورفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك سعر ربطة الخبز “للمستبعدين من الدعم” في 6 من تشرين الثاني الماضي، من 1250 ليرة سورية إلى ثلاثة آلاف، لكنها تباع بسعر يصل إلى 6000 آلاف ليرة سورية.
ووفقًا للبيانات الأممية، تعتبر سوريا من بين البلدان الستة التي تعاني أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم، إذ يوجد 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون انعدام الأمن الغذائي، كما يعيش أكثر من 90% من السكان تحت خط الفقر.
لا حلول بديلة
انتشار “السوق السوداء” لم يكن حالة خاصة حيث يقيم جابر، إذ شهدت أحياء التضامن والميدان وركن الدين وبرزة وغيرها في دمشق هذا الانتشار والارتفاع بسعر الخبز.
وبحسب شهادات من عائلات تواصلت معهم عنب بلدي، فإن أسباب عديدة تلعب دورًا بانتشار “السوق السوداء” وإجبار العائلات على الشراء بأسعار لا تناسب قدرتهم المالية، وفقًا للظروف المعيشية والاقتصادية في سوريا.
أحمد، من سكان حي التضامن جنوبي دمشق، أفاد عنب بلدي، أن بعض العائلات تتقصد إرسال أشخاص عدة من أفراد الأسرة لشراء الخبز من الأفران المخصصة لفئة “المستبعدين من الدعم”، ما يخلق نقصًا بمنح ما تبقى من أشخاص ينتظرون دورهم لساعات طويلة.
وعند حدوث مثل هذه التصرفات يجبر المحرومون من الحصول على الخبز باللجوء لشراء ربطات الخبز من “السوق السوداء” بأسعار مضاعفة لتأمين قوت يومهم، وفقًا للشاب أحمد (فضل عدم ذكر اسمه الكامل).
ولا تتوقف محاولات توثيق الحوادث بتصويرها وتقديم الشكاوي والاعتراض على منح بعض الأشخاص دون غيرهم حصة أكثر مما يحق لهم، لكن الجواب يأتي دومًا “من لا يريد الوقوف لساعات لانتظار دوره يفضل أن يشتري خبزه من خارج الأفران”، وفقًا لأحمد.
معاناة الفئة “المدعومة” لم يكن بحالة مختلفة، إذ قالت نسرين المقيمة في حي الميدان بدمشق، ولديها “بطاقة ذكية” لعنب بلدي، إنه يحق لها استلام ربطتين مزدوجتين بحسب أعداد أفراد أسرتها، إلا أن المعتمد لا يسلمها إلا ربطة مزدوجة واحدة (14 رغيفًا)، بحجة عدم الإرسال الفرن كمية تكفي الجميع على الرغم من أن الفرن يرسل الكمية وفقًا لعدد البطاقات لديه.
لإيجاد حل حاولت نسرين (تحفظت على ذكرت اسمها لأسباب خاصة) تغيير المعتمد، لكنها لم تلحظ تغييرًا في المعاملة، ما يجبرها على اللجوء للتقنين بمادة الخبز أو الخضوع للسعر “الحر”.
ويقدم بعض الناس على الشراء بالسعر “الحر” بسبب انخفاض كمية المخصصات ضمن “البطاقة” أو عدم منح الكمية المخصصة للعائلة من قبل المعتمد.