حرّاس البوابة.. كيف يدار التحرير الصحفي
علي عيد
يختلف دور إدارة التحرير في وسائل الإعلام عن دور الإدارة العامة، وتتقاطعان وتتعاونان في إنجاح عمل المؤسسة، لكن ذلك لا يمنع شيئًا من التضارب المؤذي أو تنازع الصلاحيات في كثير من الأوقات لأسباب تتعلق بالخطط الاقتصادية للمؤسسة، وحتى النزاع على الدور ورسم السياسات، وهذا ما يفسر لجوء كثير من المؤسسات للفصل بين الإدارة ورئاسة التحرير.
ذات يوم كنت ضمن فريق إدارة التحرير في مؤسسة إعلامية خاصة يملكها رجال أعمال كبار، اشتد النقاش على مرتجعات الصحيفة المطبوعة، فاستنكر أحد أعضاء مجلس الإدارة المالكين هذا الأمر، وهو رجل اقتصاد يملك معامل لصناعة المشروبات الغازية، وضرب مثلًا بأن تلك المصانع لم تشهد مرتجعات هي بمنزلة خسارة اقتصادية محققة.
كان الرجل وشركاؤه من مالكي الوسيلة الإعلامية يفكرون بها تفكيرهم بالمعامل والماكينات، بينما كان رئيس التحرير وفريق إدارة التحرير يصارعون لتحقيق أهداف الرسالة الإعلامية، والوصول وإرضاء الجمهور، وكذلك إرضاء المعلنين، وتجنب الصدام مع السلطة، أضف إلى لوم المالكين.
يختلف دور إدارة التحرير عن دور الإدارة العامة أو إدارة العمليات أو المطابع أو الإعلان أو التوزيع، دون التقليل من شأن أي منها، لكنها يجب أن تخضع جميعها لمعادلة “رابح- رابح”، إذ لا يمكن فصل نجاح إدارة التحرير عن بقية الإدارات، لكنها تبقى الأهم، لأنها تمثل عصب المؤسسة الإعلامية، وهي إدارة تستثمر في العقول لا في الماكينات أو المكونات المادية، كما أنها شديدة الحساسية، وكادرها يتعرض لضغط شديد سببه مسؤوليته، من جهة، عن إدارة وصناعة وتمرير المحتوى، ومسؤوليته، من جهة ثانية، عن ضمان تقديم خدمات رابحة، عندما تكون المؤسسة ربحية.
وعندما تكون المؤسسة الإعلامية مملوكة للحكومة، أو ممولة من المانحين، فإن إدارة التحرير مسؤولة عن تحقيق الأهداف الإعلامية التي أنشئت من أجلها المؤسسة، سواء تحقيق الاستقلالية أو الرقابة والمساءلة، أو إطلاع الجمهور على خطط ومشاريع الدولة ومعرفة موقفه وردود فعله.
يعرف رئيس ومدير التحرير ومديرو الأقسام على أنهم حرّاس البوابة (Media gatekeepers)، وهو مصطلح يشير إلى مسؤولية الصحفي عن الاختيار والتصفية وإقرار ما يمكن بثه أو نشره، وبأي شكل يتم ذلك، وبالنسبة لإداريي العمل الصحفي، يلعب رؤساء ومديرو التحرير دور صانع السياسات في المؤسسات، وهم مسؤولون عن تمرير وإجازة المحتوى، وتوجيه الفريق، ما يعني أنهم في المستوى الأدق والأخطر والأكثر مسؤولية في حراسة البوابة الإعلامية.
يتعرض حرّاس البوابات من إداريي التحرير لضغط يومي، سواء في الصحيفة الإلكترونية أو الورقية أو وكالة الأنباء أو التلفزيون والإذاعة، فهم يضعون سياسات متوسطة وطويلة الأمد تصطدم يوميًا بمتغيرات سياسية واجتماعية وأمنية، ما يعني أنهم مضطرون لإجراء تقييم يومي لخططهم وسياساتهم، وامتلاك المرونة لاتخاذ قرار اللحظة، وهذا مرتبط بطبيعة المهنة.
ويلعب رئيس التحرير دور المحرّك المركزي في عمل وسائل الإعلام، وتقع على عاتقه مسؤولية كل ما تقدمه المؤسسة من محتوى، بينما يقوم مدير التحرير بدور تنفيذي بمواجهة رئيس التحرير، بحيث يشرف على تنفيذ السياسات، ويضمن التزام الفريق بالخط التحريري اليومي أو طويل الأمد، كما يكون الأكثر صلة ببقية فريق التحرير من رؤساء أقسام ومحررين وفنيين.
يجب أن يتمتع رئيس ومدير التحرير بمرونة كبيرة، وخبرة واسعة واطلاع، وقدرة على تحمل ضغط العمل، كما يجب أن يتمتعا بالقدرة على فهم المتغيرات واتخاذ قرارات سريعة وملائمة، وأن يجيدا مهارات التواصل بأكثر من اتجاه، باتجاه فريق التحرير وكادر العمل من جهة لضمان بيئة عمل مناسبة، ومع الجهات الأخرى سواء كانت حكومة أو مالكين أو ممولين ومانحين لفهم ما يجري وإقرار سياسات إدارية في حال كانت إدارة التحرير غير مفصولة عن الإدارة العامة.
أضف إلى ما سبق، فإن إدارة التحرير يجب أن تضم صحفيين ذوي خبرة عالية في الكتابة والتحرير، وثقافة واسعة بمختلف القضايا، ومعرفة واطلاع على ما يجري في المحيط.
يعتبر منصبا رئيس التحرير ومدير التحرير سياديين في المؤسسات الإعلامية، فإذا كانت حكومية فالحكومة هي من تقرر من يجب تعيينه في هذين المنصبين، وإن كانت خاصة فيخضع الأمر لقرار المالك، أو مجلس الإدارة، وهذان المنصبان الصعبان نادرًا ما يتم ملؤهما بالانتخاب، لأن من يتولى مسؤوليتهما ليس شرطًا أن يتمتع بشعبية في المؤسسة، بل بخبرة ومهارة، ولا بأس بأن يتمتع بشعبية مهنية.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :