عنب بلدي – يامن المغربي
رفع النظام السوري منذ وصول حافظ الأسد إلى سدة الحكم في سوريا عام 1971، شعار تحرير فلسطين والقضية الفلسطينية، ولا يكاد يخلو خطاب للأسدين الأب وابنه، من ذكر فلسطين وتكرار شعارات التحرير والقضية.
بعد إطلاق “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس) عملية “طوفان الأقصى” وتصعيد إسرائيل ضد قطاع غزة في إطار عملية “السيوف الحديدية”، في تشرين الأول الماضي، التي سببت مقتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، لا يبدو النظام السوري قادرًا على التدخل أو حتى تكرار الشعارات ذاتها التي اعتادها.
ويبدو لافتًا غياب أي تدخل مباشر للنظام في المعارك الدائرة، على عكس حليفه “حزب الله” الذي أعلن أمينه العام، حسن نصر الله، عدة مرات دخوله في المعركة لكن ضمن “قواعد الاشتباك”.
هذا الغياب لا يأتي فقط على الصعيد العسكري، بل كذلك الدبلوماسي والإعلامي، وهو ما يشي بتغييرات لدى النظام السوري فيما يخص التعامل مع القضية الفلسطينية، أو عجز على جميع المستويات يمنعه من التصعيد ولو على سبيل التهديد فقط.
إيران تتحرك
منذ انطلاق “السيوف الحديدية”، انتشر حديث إيراني ومن “حزب الله” عن وحدة الساحات، أي استعداد حلفاء إيران في المنطقة (حزب الله، ميليشيات إيرانية في سوريا والعراق، النظام السوري، الحوثيون في اليمن) للانخراط في المعركة إلى جانب حركة “حماس” في قطاع غزة.
وفي الوقت الذي انخرط فيه “حزب الله” جنوبي لبنان في المعارك ضمن “قواعد اشتباك 2006″، وأعلن “الحوثيون” عن إطلاق مسيرات وصواريخ باتجاه منطقة إيلات جنوبي فلسطين المحتلة، وتبني ميليشيات عراقية تسمى “المقاومة الإسلامية في العراق” استهداف قواعد أمريكية في سوريا والعراق، بقيت جبهة الجولان صامتة تقريبًا، باستثناء حوادث متفرقة، أعلنت عنها إسرائيل لا النظام السوري.
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، في 3 من كانون الأول الحالي، عن رصده عملية إطلاق صواريخ واحدة من الأراضي السورية تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورد على مصدرها بقمصف مدفعي.
ووفق نائبة السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، سابرينا سينغ، بلغ عدد الهجمات التي شنتها ميليشيات مدعومة من طهران على القواعد الأمريكية في سوريا والعراق منذ منتصف تشرين الأول الماضي وحتى 5 من كانون الأول الحالي 76 هجومًا.
في حين قالت القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم)، في 4 من كانون الأول الحالي، إن أربع هجمات وقعت على ثلاث سفن تجارية منفصلة تعمل في المياه الدولية جنوبي البحر الأحمر، وترتبط هذه السفن الثلاث بـ14 دولة منفصلة، إذ استجابت القوات الأمريكية لنداءات الاستغاثة من السفن وقدمت المساعدة.
وأعلنت إيران مقتل اثنين من مستشاري “الحرس الثوري”، في 2 من كانون الأول، خلال قصف إسرائيلي في سوريا.
وجاء الإعلان بعد قصف إسرائيلي تعرضت له عدة نقاط في محيط العاصمة السورية، دمشق، في الساعات الأولى من اليوم نفسه.
ونقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية عن العلاقات العامة في “الحرس الثوري”، أن محمد علي عطايي، وتقي زاده، وهما مستشاران لدى “الحرس الثوري”، قُتلا على يد “الكيان الصهيوني”، خلال “مهمتها الاستشارية” في سوريا.
ولم تتحدث وسائل الإعلام السورية الرسمية عن خسائر بشرية خلال الاستهداف الإسرائيلي، إذ نقلت الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، عن مصدر عسكري لم تسمِّه، أن الدفاعات الجوية تصدت لعدوان بالصواريخ في محيط العاصمة.
الأنظار إلى التطبيع
يدعو صمت النظام السوري، وعدم انطلاق أي هجمات من المناطق المتاخمة للجولان السوري المحتل، على عكس جبهات أخرى، للاستغراب، رغم انتشار ميليشيات إيرانية في المنطقة.
الباحث في مركز “إدراك للدراسات والاستشارات” باسل حفار، قال لعنب بلدي، إن النظام السوري لا ينظر إلى ما يجري في غزة باعتباره لحظة حاسمة أو معركة مصيرية للمنطقة، ويحاول فقط أن يستثمر في الحدث لا أن يشارك فيه، ولا يرمي بثقله بشكل كبير، ويريد فقط أن يخرج بفائدة ما من هذا الحدث.
وأوضح أن هذا الاستثمار يأتي عبر محاولة النظام ترسيخ مسار التطبيع معه، خاصة أن الدول التي طبعت علاقاتها معه (الإمارات والسعودية) ليست من الدول المتحمسة لفكرة مقاومة إسرائيل، بل هي في الطرف الآخر الموقع على اتفاقيات “أبراهام”.
لذا فسكوت النظام وعدم تفاعله كما اعتاد سابقًا في معارك سابقة، يشير إلى ترقب النظام وتسجيل موقف إلى جانب دول التطبيع، في محاولة لأن تشارك هذه الدول بشكل مباشر أو بالاتفاق مع إسرائيل بتعويم النظام، لذا يقدم الأخير هذه الورقة لها عبر عدم التفاعل، بحسب رأيه.
عجز عن الرد
منذ اللحظات الأولى لانطلاق معارك غزة في تشرين الأول الماضي، وتصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتكررة حول مستقبل القطاع، يبدو واضحًا أن المعركة ليست كالمعارك السابقة في أعوام 2008 و2014 و2018.
ويكثر الحديث عن مستقبل فلسطين المحتلة بشكل عام، بما في ذلك محاولة تهجير ملايين الفلسطينيين إلى مصر والأردن ودول أخرى، وهو ما يعني أن المنطقة ككل تواجه مستقبلًا جديدًا سيتأثر به النظام السوري، ومن هذه النقطة يمكن الحديث عن عدم انخراط الأخير في المعارك.
وإلى جانب اللعبة السياسية التي يحاول النظام السوري لعبها في ظل الظروف الحالية، هناك سبب آخر يدعو النظام السوري لعدم الدخول بجدية في المعارك، أهمها انهيار قدراته العسكرية التي أُنهكت بفعل المعارك داخل سوريا منذ عام 2011.
خلال السنوات الماضية، وحتى ما قبل 2011، قصفت إسرائيل مناطق سورية تحت حجج مختلفة، وكان رد النظام السوري جملته الشهيرة “سنرد في الزمان والمكان المناسبين”، بالإضافة إلى الرسائل المتطابقة لمجلس الأمن والأمم المتحدة، وبيانات التنديد المعتادة.
وفي العامين الأخيرين، تغير الخطاب إلى جملة معتادة تستخدمها وسائل الإعلام الرسمية عن إسقاط أهداف معادية إسرائيلية.
وفق الباحث باسل حفار، فإن جيش النظام ليس مهيأ للعب دور بمعركة بهذا الحجم، لا على الصعيد التنظيم ولا التسليح، كما أنه غير قادر على ضبط عناصره بشكل كامل.
وأضاف أن غير قادر على حماية نفسه من أي هجوم أو ضربات إسرائيلية على المرافق الحيوية التابعة له، وهذه كلها نقاط تشكل مانعًا أمام المشاركة أو حتى الإيحاء بهذه الحرب، حتى الميليشيات لم تشارك وفضلت الضغط في العراق واستهداف القواعد الأمريكية، أملًا بأن يفتح نقاش في “الكونجرس” حول الوجود الأمريكي في المنطقة، يجعل الكفة تميل للانسحاب من سوريا والعراق، لكن حتى الآن لم تستطع هذه الجهات أن تشكل فارقًا في المعركة نفسها.
ولا يبدو القرار العسكري في سوريا بيد النظام وحده، وبالإضافة إلى التحالفات العسكرية مع إيران، هناك الجانب الروسي أيضًا، الذي يمسك بزمام عدد من الملفات في سوريا، وهو ما يؤثر بشكل مباشر أيضًا على عملية اتخاذ القرار.
الوجود الروسي قد يمنح النظام السوري هامشًا للمناورة، ووفق الباحث باسل حفار، فإن النظام السوري ضعيف عسكريًا، لكن وجود روسيا وتمتعه بدعمها يعطيه بعدًا عسكريًا إضافيًا، خاصة أن معظم تحركاته العسكرية تأتي بالشراكة والتنسيق مع موسكو.
ماذا عن القدرة العسكرية؟
وفق موقع “Global Fire Power“، المتخصص بالقدرات العسكرية للجيوش، يحتل الجيش السوري المرتبة 64 من أصل 145 دولة، فيما تحتل إسرائيل المرتبة 18 ضمن أقوى جيوش العالم.
وبحسب الموقع، تتفوق إسرائيل من ناحية القوات الجوية والقوى العاملة، فيما يتفوق الجانب السوري من ناحية سلاح المدفعية والدبابات، علمًا أن هذا التفوق يأتي من ناحية أعداد القطع العسكرية الموجودة لا من الجانب التقني.
ورغم استيراد النظام السوري عددًا من المنظومات الحديثة للدفاع الجوي (بانتسير)، فإنها لم تكن بالأعداد الكافية لتغطية جميع الأجواء السورية، ولم يتم إنشاء منظومات حديثة تشكّل طبقات تغطية متعددة كما كانت في سبعينيات القرن الـ20، كما أن تطوير هذه المنظومات يجب أن يكون بشكل كامل لا جزئي كما حصل في التسعينيات.
في دراسة للعقيد الركن السابق خالد المطلق، نشرها مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” في 2020، تعتمد القوات السورية على السلاح المستورد من الاتحاد السوفييتي سابقًا وروسيا حاليًا، وهذه الأسلحة لا تمتلك منظومات ذات دقة عالية، ويطلق عليها أسلحة الاستخدام لمرة واحدة، بسبب السلبيات التي تظهر بعد أول معركة حقيقية يُستخدم فيها السلاح.
وتلاشت معظم الإمكانيات الفنية والإلكترونية للأسلحة السورية في قطاع الدفاع الجوي، كما أن الكوادر الفنية لم تستطع تطوير هذه المنظومات أو إيجاد بديل حقيقي لها.