“السلطة السياسية والإعلام في العالم العربي”.. علاقة معقدة
تقع الصحافة في موقع وسطي بين الجمهور والسلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبناء على هذا الأمر يطلق عليها السلطة الرابعة، خاصة أن لها سلطة المساءلة والمحاسبة والنقد لكلا الطرفين.
وبسبب موقعها، تعيش الصحافة بشكل دائم تحت ضغط الطرفين، الجمهور الذي يطالب بحقه بالمهنية والشفافية والوصول إلى المعلومات والحصول على القراءات والتحليلات للأحداث الجارية، والسلطة الحاكمة عبر السلطات الثلاث المذكورة في الأعلى، التي تحاول استغلال الصحافة والإعلام كسلاح ناعم في وجه خصومها أو إخضاع شعوبها.
وسط هذه الدوامة، نشأت عشرات النظريات التي توضح العلاقة بين هذه الأطراف وتشرحها لضمان استمرار عمل الصحافة بأفضل طريقة ممكنة، وورد العديد منها في كتاب “السلطة السياسية والإعلام في العالم العربي” للمؤلف أحمد قرّان الزهراني.
الكتاب المؤلف من خمسة فصول ضمن 261 صفحة من القطع الكبير، يفرد فصلًا كاملًا عن مفهوم السياسة والدولة والسلطة والديمقراطية، وعلاقة هذه المفاهيم بالصحافة، ويقدم النظريات العلمية بينها، وكذلك التأثير المتبادل، وكيف تخضع الصحافة لخدمة النظام السياسي في الدولة.
وبالإضافة إلى دراستين تحليلية وميدانية قدمهما الكتاب في الفصل الخامس، قدّم مقاييس تجميعية للدراسات الميدانية، وبالتالي يسهم بشكل مباشر بشرح مفهوم الدراسة في الصحافة وكيفية تقديمها للجمهور المستهدف.
يمكن تقسيم الشرائح المستهدفة من الكتاب إلى أربع: شريحة أولى عامة تهتم بالثقافة والمعرفة، وشريحة ثانية متخصصة ومكونة من الصحفيين والباحثين على حد سواء، والشريحة الثالثة تضم بالتحديد الصحفيين المهتمين بالعمل في السعودية مع الانفتاح الإعلامي الحالي والتغييرات التي تشهدها البلاد، أما الشريحة الرابعة فهي طلبة الإعلام الذين سيكون بوسعهم الاطلاع على نظريات مختلفة عن تلك التي قد يحصلون عليها خلال التعليم الأكاديمي العادي في الجامعات ومناهجها.
الشريحة الثالثة المذكورة يقع اهتمامها تحديدًا في الفصل الرابع، الذي حاول من خلاله الزهراني، المدرّس لمادة الإعلام في كلية الإعلام والاتصال في جامعة “الملك عبد العزيز” بمدينة جدة غربي السعودية، شرح بنية الحكم في السعودية، المكونة من الأسرة الحاكمة (آل سعود)، وهيئة كبار العلماء (دينية)، والتيار الديني ودوره في البلاد ودور القبيلة في المجتمع (يتكون المجتمع السعودي بمعظمه من قبائل عربية)، ويعتمد الكاتب في تحليله لمراكز القوى على الفترة التي سبقت وصول ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة، والتغييرات والتحولات التي حدّت من دور السلطة الدينية.
وإلى جانب ما ذكر، تعرض الزهراني لدور النفط في بنية الحكم وكذلك الهيئات المدنية، قبل أن يختتم الفصل بعلاقة السلطة السياسية والصحافة في السعودية، وعليه يمكن لمن يرغب بالعمل في قطاع الإعلام السعودي أو العربي في السعودية، فهم طبيعة المجتمع السعودي وطريقة الحكم وعلاقة الصحافة بكل ذلك، بالإضافة إلى النظريات المذكورة حول علاقة الصحافة بالدولة.
وفي 2020، أعلنت السعودية عن تأسيس “المدينة الإعلامية السعودية“ في العاصمة الرياض، ووقعت اتفاقيات مع مجموعة “علي بابا الصينية”، ومجموعة “إم بي سي” وقناة “العربية” والمجموعة السعودية للأبحاث.
ومنذ القرن الـ20، ومع القوة المالية التي امتلكتها دول الخليج العربي الغنية بالنفط، سعت لتأسيس مراكز ومؤسسات إعلامية وقنوات تلفزيونية، إخبارية وترفيهية.
وعلى مدى سنوات، شكلت مصر ولبنان المراكز الإعلامية للقنوات العربية، ويبدو أن الإعلام العربي انتقل إلى مراكز جديدة ضمن ثلاثة بلاد لها ثقلها الإقليمي في الوقت الحالي، قطر والسعودية والإمارات.
لا يخلو الكتاب الصادر عام 2015، وصدرت طبعته الثانية في 2021 عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، من نقد موجه إلى الأنظمة العربية الحاكمة، التي يرى الكاتب أنها تنتهج “أنماطًا جامدة من الحكم”، وتعمد لتهميش الحريات وعدم الاهتمام بحقوق الإنسان، داعيًا إياها لبدء مرحلة جديدة من عملية الإصلاح في مفاصل الدولة، تتعلق بالتحول الديمقراطي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :