عرب يقصدونها للعلاج.. أسباب تنعش السياحة الطبية في سوريا

  • 2023/12/10
  • 1:59 م
انخفاض التكلفة يدفع العرب للتوجه إلى سوريا بهدف العلاج - 21 من أيلول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

انخفاض التكلفة يدفع العرب للتوجه إلى سوريا بهدف العلاج - 21 من أيلول 2023 (عنب بلدي/ سارة الأحمد)

عنب بلدي – رهام السوادي

“نصحني صديقي بالذهاب إلى سوريا لإجراء عملية تجميلية لأنفي، مستندًا إلى تجربته السابقة، إذ أجرى هناك نفس العملية”، هذا ما قاله الشاب العراقي مصطفى فاضل، الذي ينحدر من مدينة كربلاء، لعنب بلدي.

وأوضح أنه يفضّل الذهاب إلى سوريا دونًا عن غيرها لإجراء العملية، لأنها دولة عربية يفهم لغة شعبها، ولأن الشعب السوري معروف بتعامله “اللطيف”، إضافة إلى الأسعار المنخفضة.

وأوضح أن العملية في العراق تكلفه أكثر من 1500 دولار أمريكي، بينما في سوريا فالتكلفة حوالي 400 دولار.

وجاءت نهاد أبو شقرا من المملكة الأردنية لعلاج أسنانها في سوريا، قبل أسبوعين، معللة ذلك بارتفاع تكلفة العلاج في الأردن، وقالت لعنب بلدي، إن تكلفة حفر وحشو ثلاثة أسنان في الأردن تصل إلى قرابة 600 دولار، بينما في سوريا فكلفتها حوالي 50 دولارًا.

ولفتت نهاد إلى أن المعاينة في سوريا كلفتها ثلاثة دولارات، في حين أن التكلفة في الأردن تبلغ 112 دولارًا.

عشوائية وأجور منخفضة

سألت عنب بلدي خمسة أشخاص من جنسيات عربية مختلفة عن سبب توجههم إلى سوريا طلبًا للعلاج عامة والتجميلي خاصة، وأجمعوا على أن تكلفة العلاج في سوريا رخيصة بالنسبة لدولهم.

طبيبة جلدية سورية قالت لعنب بلدي، إن انخفاض التكلفة في سوريا يعود إلى تكلفة المنتجات المستخدمة، إذ تعتمد أغلب مراكز التجميل المنتجات الكورية والصينية التي تعد أرخص من المنتجات الفرنسية والألمانية المعتمدة في عديد من الدول.

وتوجد “عشوائية” في شراء مراكز التجميل للمنتجات التجميلية، مثل “الفيلر” و”البوتوكس” و”الميزو” وغيرها من المنتجات التجميلية، كما لا يوجد ترخيص لهذه المنتجات المستوردة في سوريا، ما يجعل سعرها أرخص لعدم دفع رسوم الترخيص، حسب الطبيبة.

وأشارت إلى أن الطبيب لا يلتفت إلى بلد المنتج أو طريقة دخوله إلى سوريا، وما يهمه هو أن يكون المنتج مجربًا ولا يحمل أضرارًا.

من جهة أخرى، قال طبيب أسناء مقيم في دمشق، إن المنتجات المستخدمة ذات جودة “عالية”، إلا أن ما يجعل تكلفة العلاج أرخص هو أجور اليد العاملة في سوريا، التي تعد منخفضة نسبة إلى دول الجوار.

“نقاط قوة”

بلغ عدد القادمين إلى سوريا منذ بداية العام الحالي حتى 26 تشرين الثاني الماضي 1.9 مليون زائر، ومن المتوقع أن يصل إلى مليونين حتى نهاية العام، 30% منهم سياح، بحسب ما قاله وزير السياحة، محمد رامي مرتيني، لإذاعة “شام إف إم”.

وذكرت رئاسة مجلس الوزراء أن نسبة السياح القادمين إلى سوريا للعلاج تشكّل 5% من إجمالي عدد السياح الوافدين من جنسيات مختلفة.

ويعتبر التفاوت في تكاليف الخدمات الطبية المقدمة في سوريا مقارنة مع بقية الدول، ووجود عدد من مشاهير الأطباء السوريين المقيمين والمغتربين، والسمعة الحسنة للطبيب السوري، من “نقاط القوة” التي تمتلكها سوريا في مجال التجميل.

وبحسب ما قالته وزارة السياحة، تمتلك سوريا تنوعًا في القطاعات الطبية “المؤهلة” والتي تمتلك ميزة تنافسية، مثل طب الأسنان والعيون وعمليات تصحيح البصر، والطب التجميلي.

وتعد سوريا من “أرخص” دول العالم بعلاج الأسنان، وهذا ما يجعلها مقصدًا للناس من مختلف أنحاء العالم، وفق ما قاله نقيب أطباء الأسنان، زكريا الباشا، لإذاعة “شام إف إم”.

أفاد طبيب الأسنان المقيم في دمشق، عنب بلدي، أن السياحة الطبية في سوريا ترتكز بنسبة 90% على السوريين المغتربين، و10% على السياح العرب.

وأرجع اختيار سوريا كجهة للسياحة الطبية إلى ثلاثة أسباب، أولها جودة العمل والإتقان، وثانيًا الأسعار، إذ إنها في سوريا منخفضة مقارنة بدول الجوار، وثالثًا المرافق السياحية التي تعد رخيصة في سوريا، مثل المطاعم والفنادق.

انتشار لمراكز التجميل

خلال السنوات الماضية، برز توجه واضح برغبة لدى الأطباء في سوريا باختيارهم اختصاص التجميل دونًا عن أي اختصاص آخر، بسبب المردود المادي من هذا الاختصاص الذي لا يوازي أي تخصص آخر.

طبيبة الجلدية قالت إن مراكز التجميل لاقت انتشارًا في دمشق، وكل من يملك نقودًا بدأ يستثمر في قطاع التجميل، لما يجنيه من أرباح.

وأعطت الطبيبة مثالًا على مراكز إزالة الشعر عن طريق الليزر، التي تشهد إقبالًا من الفتيات، وتدر الملايين.

وبحسب تصريح سابق لنقيب الأطباء في سوريا، وصلت أعداد الأطباء المختصين في التجميل خلال الأعوام الماضية إلى أضعاف عدد الأطباء المختصين باختصاصات أصبحت نادرة اليوم، منها التخدير، والصدرية، والجراحة الصدرية، والعصبية، والجراحة العصبية.

وتعاني مناطق سيطرة النظام في سوريا نقصًا كبيرًا في الكوادر الطبية من مختلف الاختصاصات، بسبب هجرة معظم الأطباء، وظروف ممارسة المهنة في سوريا في ظل أزمات اقتصادية ومعيشية وخدمية لا تُشجع على استمرار العمل فيها، دون حلول حكومية مُجدية قد تساعد في تخفيف آثار ندرة الاختصاصات الطبية الضرورية.

خطط رسمية

يشير مصطلح السياحة الطبية إلى حركة الأشخاص من بلدهم إلى دولة أخرى بهدف الحصول على العلاج، وتعد السياحة الطبية أحد محفزات النمو الاقتصادي لعديد من الدول، ما يدفعها لتطوير قطاعها الصحي وتنفيذ برامج لجذب المرضى الأجانب.

وفي 8 من حزيران الماضي، قال وزير السياحة، محمد رامي مرتيني، في مؤتمر “السياحة العلاجية والاستشفائية” في الأردن، إن قطاع السياحة الطبية مجال استثماري “مهم جدًا”، ومن الممكن أن يدر على اقتصاد أي دولة مليارات الدولارات.

ونقلت جريدة “الوطن” عن نقيب أطباء سوريا، عبد القادر الحسن، عن وضع مخططات لمشروع مدينة طبية في الصبورة بريف دمشق أمام الحكومة، التي تعهدت بتذليل العقبات الروتينية أمامه.

المدينة الطبية بالصبورة مشروع قديم، تحدث عنه نقيب الصيادلة السابق، محمود الحسن، في 2017، مطلقًا عليه اسم “فاركو”، وكانت تكلفته عشرة مليارات ليرة سورية في ذلك الوقت، وسيقام على مساحة تبلغ 160 دونمًا.

وكان من المقرر أن يعرض المشروع على شركات إيرانية أو تابعة لإحدى الدول المقربة من النظام لاستثماره، بحسب ما نقله موقع “أثر برس“.

وتعاني سوريا، على مختلف جهات السيطرة، تراجع الخدمات الطبية الأساسية، مثل تعطل الأجهزة ونقص في المعدات والأدوية.

طبيب الأسنان المقيم في دمشق كان قبل عام 2011 ضمن فريق السياحة الطبية، الذي يعمل على تنسيق العمل بين وزارة السياحة والصحة والنقابات، لفتح مكاتب في دول الخليج العربي تكون تابعة لمؤسسة تعنى بالسياحة الطبية.

وتعمل هذه المؤسسة على تقدير التكلفة ومدة العملية، بينما يؤمّن المكتب السياحي الفندق وتوصيل السائح من المطار مع مُرافق يبقى معه طوال فترة رحلته، إلا أن العمل على هذا المشروع توقف بعد 2011، حسب الطبيب.

وأشار الطبيب إلى عدم وجود ترويج للسياحة الطبية في سوريا، بينما يعتمد الترويج على تجربة المرضى وتوصياتهم.

قلق من عدم الاستقرار

يتكرر قصف مطار “دمشق الدولي” بالصواريخ، ما يتسبب بخروجه عن العمل، وكان أحدث استهداف في 26 من تشرين الثاني الماضي، إذ قالت وزارة الدفاع، إن “عدوانًا جويًا” استهدف المطار من اتجاه الجولان السوري المحتل، ما أدى إلى خروجه عن الخدمة.

ولا تقتصر الاستهدافات التي يعتقد النظام أن إسرائيل خلفها على المطارات، ففي 2 من كانون الأول الحالي، استهدفت غارات إسرائيلية محيط العاصمة دمشق، ما أدى إلى مقتل اثنين من مستشاري “الحرس الثوري الإيراني”.

وأعلن تنظيم “الدولة الإسلامية” مسؤوليته عن تفجيرين استهدفا منطقة السيدة زينب، في محافظة ريف دمشق، التي تعد منطقة جذب للسياح العراقيين والإيرانيين، في تموز الماضي، وأسفرا عن نحو عشرة قتلى وعشرات الجرحى.

وذكرت صحيفة “أخبار الأردن” الإلكترونية أن الاتصال بشابين أردنيين كانا دخلا الأراضي السورية قبل عيد الأضحى بهدف السياحة انقطع في تموز الماضي، في حين رجح شقيق أحدهما أنهما اختطفا على يد ميليشيات مسلحة.

ولم تكن المرة الأولى، إذ استعاد الأردن مواطنه عبد الكريم قطيش الفاعوري، البالغ من العمر 67 عامًا، بعد نحو أسبوعين من اختطافه، عقب دخوله الأراضي السورية في 26 من كانون الأول 2022 بهدف السياحة.

ويشكّل هذا النوع من الأخبار قلقًا لدى بعض من يفكر في زيارة سوريا بهدف العلاج أو السياحة، كما حدث مع غنوة بسبوس، وهي مواطنة لبنانية كانت تفكر بالقدوم إلى سوريا لإجراء جراحة تجميلية لأنفها.

وقالت غنوة لعنب بلدي، إن ما دفعها لاختيار سوريا هو تفاوت الأسعار، إذ تكلف عمليتها 2000 دولار في لبنان، بينما في سوريا فتكلف بين 200 و600 دولار.

إلا أن عائلتها لم تسمح لها بالذهاب خوفًا من حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة.

أما نهاد أبو شقرا فتحدثت عن مخاوفها قبل التوجه من لبنان إلى سوريا أول مرة، لكن مع الوقت اعتادت السفر، بسبب معاملة الأطباء مع المرضى، ومن جهة أخرى يعتقد مصطفى فاضل أن حالة عدم الاستقرار ملازمة للعراق أيضًا، ما يجعلها “معتادة”.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع