“الكاراتيه” شمالي سوريا.. رياضة تعوقها قلة الإمكانيات والبحث عن لقمة العيش
عنب بلدي – حسن إبراهيم
العمل الشاق في مهنة الحدادة مدة 12 ساعة يوميًا، لم يثنِ الشاب محمد سعيد عبد الله عكاش عن ممارسة رياضته المفضلة “الكاراتيه” في إدلب شمال غربي سوريا.
رغم عمله الشاق والتزاماته المنزلية، استطاع الشاب (20 عامًا) اجتياز اختبار المهارات، والحصول على الحزام الأسود درجة “دان 2” بعلامة تزيد على 80%، ويأمل أن يشارك في البطولات العالمية.
في الشمال السوري، تعاني الرياضات الجماعية بشكل العام والفردية خصوصًا قلة الاهتمام بها، وعدم الاعتراف الدولي بالاتحادات المشكّلة، ما يجبر مدربي هذه الرياضات على البحث عن أعمال أخرى لتحصيل لقمة عيشهم.
محمد سعيد عكاش لاعب “كاراتيه” يمارس هذه الرياضة منذ طفولته، ويعتمد على مهنة الحدادة الشاقة في تأمين معيشته، وقال لعنب بلدي، إنه اختار هذه الرياضة عن غيرها لحبه الشديد لها وليتعلم الدفاع عن النفس.
وأضاف أن اللاعبين في الشمال يعانون ظروفًا معيشية قاسية، ويجدون أنفسهم مجبرين على العمل لتأمين لقمة عيشهم، معتبرًا أن الرياضة هواية ولا يمكن للاعبين بأي حال التفرغ للوصول إلى درجات متقدمة فيها.
“الكاراتيه” أخلاق
“الكاراتيه” نوع من أنواع الفنون القتالية اليابانية، تستخدم في هذه الرياضة الأيدي والأقدام والركب والمرافق كأسلحة، وهي رياضة دفاعية تتميز بالأخلاق العالية للاعبين والمبدأ الصارم لها أن “الكاراتيه أخلاق أو لا تكون”.
ويختلف ترتيب الأحزمة من مدرسة إلى أخرى أو من بلد إلى آخر، ويربط جاكيت اللاعب بحزام، ويكون هذا الحزام من ألوان مختلفة للدلالة على مستوى المهارة القتالية التي وصل إليها الشخص.
وتعتبر درجة الحزام الأبيض دون درجة أو درجة البداية، ولا تتطلب أي اختبارات قبول أو ترقية، فاللاعب يحمل الحزام الأبيض من أول يوم يدخل فيه لنادي “الكاراتيه”.
لا إمكانيات مادية ولوجستية
بعد اجتياز محمد اختبار الحزام الأسود بدرجة “دان 2″، يأمل أن يشارك في البطولات الدولية والعالمية، وأن تلقى رياضة “الكاراتيه” الاهتمام للمشاركة في البطولات التي تقام في تركيا، على غرار لعبة “الجودو”، لافتًا إلى أنه يريد نقل ما تعلمه من هذه اللعبة للاعبين آخرين وفق ظروفه المتاحة.
محمد أحمد مزنوق (50 عامًا) مدرب “كاراتيه” حاز بطولة محافظة إدلب والجائرة البرونزية على مستوى الجمهورية عام 1998، ترك تدريب “الكاراتيه” واتجه لمهنة تدريس مادة الكيمياء لطلاب الثانوية، وأصبحت الرياضة بالنسبة له مجرد هواية.
رغم انشغال المدرب بمتابعة دراساته العليا في الكيمياء، يحرص بشكل دائم على حضور مسابقات “الكاراتيه” والمشاركة في الاختبارات لتجديد ما تعلمه سابقًا.
وقال المدرب لعنب بلدي، إن رياضة “الكاراتيه” في الشمال السوري تعاني عدم وجود أماكن مخصصة لها، وارتفاع تكاليف تنقلات اللاعبين التي تحول بينهم وبين ممارسة الرياضة، وعدم القدرة على المشاركة في البطولات الخارجية، ما يجعل الأهالي يبتعدون عنها، ويهتمون بإرسال أطفالهم لرياضات تمكنهم من المشاركة الخارجية.
ويواجه رياضيو اللعبة وغيرها صعوبات في تأمين مستلزماتهم على مستوى الألبسة والأحذية والتنقلات، وسط واقع اقتصادي ومعيشي متردٍّ، في منطقة تضم 4.5 مليون إنسان، 4.1 مليون منهم بحاجة إلى مساعدة، و3.3 مليون منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي.
ومع كثرة اليد العاملة وتراجع فرص العمل، لم يطرأ أي تغيير على أجرة العمال في الشمال السوري، ولا تتجاوز أجرة العامل اليومية في أحسن الأحوال 70 ليرة تركية (أقل من ثلاثة دولارات).
قلة وعي بأهمية الرياضة.. القصف سبب
اهتمام الأهالي بتعليم أبنائهم، وتأمين فرص عمل لهم، يمنع بعض العائلات من تشجيع أبنائهم على ممارسة الرياضة بشكل منتظم، ويصل في بعض الأحيان إلى منع الآباء أبناءهم من ممارسة الرياضة.
المدرب وسيم ستوت (42 عامًا) ينحدر من ريف حلب، وهو مسؤول القسم الفني في لجنة “الكاراتيه” بمديرية الرياضة بحكومة “الإنقاذ”، مارس رياضة “الكاراتيه” منذ كان عمره سبعة أعوام، وشارك في بطولات كبرى، قال لعنب بلدي إن الرياضة تواجه قلة وعي بأهميتها.
وأضاف المدرب أن اللجنة عملت على تنظيم أول بطولة رياضية في الشمال السوري لرياضة “الكاراتيه” مطلع عام 2014، وبنت آمالًا على الأطفال الذين تم تدربيهم في البداية، لكن نسبة التسرب من الرياضة كانت كبيرة، بسبب بحث اللاعبين عن أعمال يكسبون منها أرزاقهم.
بعد تهجير أهالي حلب إلى إدلب، سعى وسيم لتشكيل اتحاد لـ”الكاراتيه” في إدلب، لكنه اصطدم بواقع معيشي صعب، أجبر مدربي هذه الرياضة على ترك مهنة التدريب، والبحث عن أعمال أخرى، كما أن القصف المتكرر على القرى والبلدات والتهجير أجبر اللاعبين على الابتعاد عن ممارسة الرياضة.
أسس وسيم نادي الجيل الذي يضم ثمانية مدربين لـ”الكاراتيه” و300 لاعب، لكن القصف على قرى سرمين وجبل الزاوية جنوبي إدلب، وتكاليف التنقلات المرتفعة حالت دون قدرة بعض لاعبيه على المشاركة في اختبارات اجتياز الأحزمة المقامة في مدينة إدلب، ويأمل بتحسن الظروف ومشاركة بقية اللاعبين مطلع العام المقبل.
وتستمر قوات النظام وروسيا بقصف مناطق شمال غربي سوريا رغم وجود اتفاقيات بوقف إطلاق النار، وصعّدت عسكريًا على الشمال السوري، في تشرين الأول الماضي، ما أسفر عن مقتل أكثر من 70 شخصًا وإصابة 349 آخرين، وتضرر أكثر من 40 منشأة صحية و27 مدرسة و20 شبكة للمياه.
وأثّر التصعيد على أكثر من 2300 موقع، وأدى إلى نزوح أكثر من 120 ألف شخص، وهو أكبر تصعيد في شمال غربي سوريا منذ عام 2019، وفق مكتب تنسيق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA).
اختبارات وآمال بمشاركة خارجية
رئيس اللجنة الفنية العليا لـ”الكاراتيه”، سائد الحاج خلف، تحدث عن وجود مساعٍ واتصالات لتنظيم بطولات، ولتشكيل منتخب وطني يمثل جميع مناطق الشمال السوري، والمشاركة ضمن بطولات لـ”الكاراتيه” في تركيا.
وقال المدرب سائد لعنب بلدي، إن مدينة إدلب شهدت اختبارات اجتياز لـ20 لاعبًا في الحزام البني، وثلاثة لاعبين في الحزام الأسود درجة “دان 2″، واستطاع 80% من اللاعبين اجتياز الاختبارات بنجاح.
وذكر رئيس اللجنة أن الاختبار يضم خمس مواد هي “الكاتا” 40 نقطة، و”الكيهون” وهي عبارة عن مجموعة حركات منتظمة 20 نقطة، والقتال 20 نقطة، والاختبار النظري عشر نقاط، والتوازن عشر نقاط.
ويجب على اللاعب تحصيل 60 نقطة لاجتياز الاختبار، وفي حال رسوبه يعيد المواد التي رسب بها فقط، وذلك في الاختبارات المقبلة ضمن الرزنامة الرياضية التي أعدتها اللجنة، وفق الحاج خلف.
من جانبه قال المدرب وسيم ستوت، إن تركيا اهتمت بدعم الرياضات الفردية في الشمال السوري، لكن باعتبار أن مسؤولي الملف الرياضي في “الكيانات الثورية” هم مدربو “جودو”، توجه الاهتمام بشكل تلقائي لرياضة “الجودو” دون بقية الرياضات الفردية.
وأضاف ستوت أن هناك مستويات متقدمة من اللاعبين الصاعدين في رياضة “الكاراتيه”، ويأمل أن يتم تسليط الضوء على هذه القدرات، لتأخذ حقها بإبراز مهاراتها في بطولات عالمية.
ويرى أنه يجب على الدول الفقيرة أو التي تعاني حروبًا الاهتمام بالرياضات الفردية بشكل عام، لأن هذه الرياضات لا تحتاج إلى الكثير من الدعم على خلاف الرياضات الجماعية، كما أن لاعبًا واحدًا يستطيع تمثيل المنطقة وإحراز الألقاب.
“الجودو” حاضرة
مقارنة بالرياضات الفردية الأخرى، تحظى رياضة “الجودو” بحضور في البطولات التي تقام في تركيا، وأثبت اللاعبون السوريون جدارتهم في هذه الرياضة، رغم صعوبات واجهتهم.
في آب الماضي، وصل إلى ولاية سكاريا التركية 24 لاعبًا من فئات البراعم والأشبال والصغار ضمن “منتخب سوريا الحر” للمشاركة في بطولة “سكاريا” الدولية لرياضة “الجودو”، وحصل المنتخب على المركز الثالث بالترتيب العام لفئة الصغار بذهبيتين وبرونزيتين.
وشارك اللاعب محمد الملقي بوزن +45 كيلوغرامًا، واللاعب مصطفى الملقي بوزن +50 كيلوغرامًا في بطولة “عيد النصر للكاراتيه” التي جرت في ولاية غازي عينتاب، وحصلا على المركز الأول بميداليتين ذهبيتين، في آب الماضي.
وفي 2022، شارك 15 لاعبًا من شمالي سوريا في بطولة “سكاريا”، وحصلوا على المراكز الأولى والثانية وحصدوا سبع ميداليات ذهبية.
وفي تموز 2022، حقق “منتخب سوريا الحر” المركز الثاني بالترتيب العام في بطولة “كوجالي الدولية” لرياضة “الجودو” التي أُقيمت في ولاية كوجالي التركية، بـ20 لاعبًا قادمين من محافظتي إدلب وحلب.
وحصل اللاعب يزيد شاهين على ذهبية بوزن 26 كيلوغرامًا لفئة الصغار، وأحرز اللاعب زين الدين الخطيب فضية بوزن 34 كيلوغرامًا لنفس الفئة، وأحرز الأخوان محمد وعبد الرؤوف أسد برونزية بوزن 22 و26 كيلوغرامًا لفئة البراعم.
شارك في إعداد التقرير مراسل عنب بلدي في إدلب أنس الخولي
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :