عنب بلدي – محمد فنصة
خلال نحو شهر واحد، أصدرت حكومة النظام السوري عدة قرارات بفرض رسوم خدمية أو قانونية تصب في خزينة الدولة، ما يطرح التساؤل حول أسباب هذا التوجه، وفائدته على الاقتصاد السوري.
مطلع الشهر الحالي، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المرسوم التشريعي رقم “37” لعام 2023، الذي يجيز، وفقًا للفقرة المضافة للمادة “26” من قانون خدمة العلم، للمكلفين بالخدمة الاحتياطية وبلغوا سن الـ40 من عمرهم أو أكثر ولم يلتحقوا بعد، دفع بدل نقدي عن الواجب القانوني في الخدمة الاحتياطية بقيمة 4800 دولار أمريكي أو ما يعادلها بالليرة السورية (67 مليون ليرة سورية تقريبًا).
وسبق هذا المرسوم مرسوم آخر منح “عفوًا” مشروطًا لـ”الفرار الداخلي” على أن يسلم الشخص نفسه خلال ثلاثة أشهر، ولـ”الفرار الخارجي” على أن يسلم الشخص نفسه خلال ستة أشهر، وهو ما يمنح أكبر عدد من المتخلفين الاحتياطيين الفرصة للتقدم بدفع البدل النقدي.
ونهاية الشهر الماضي أيضًا، أقر “مجلس الشعب” قانونًا يتعلق بإدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم (غير قابل للطعن)، سواء صدر الحكم قبل نفاذ هذا القانون أم بعده.
وبحسب القانون الجديد، ستتولى وزارة المالية إدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي، عدا الأراضي الواقعة خارج المخططات التنظيمية، حيث ستكون إدارتها واستثمارها لوزارة الزراعة، أما في حال كانت الأموال عبارة عن شركة أو أسهم أو حصص في شركة فهي ستدار من قبل وزارة المالية.
يهدف القانون إلى تحويل الأموال المصادرة المجمدة بموجب حكم قضائي إلى الدولة لاستثمارها بما يحقق عوائد لخزينة الدولة، وفق تصريحات مقررة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في “مجلس الشعب”، غادة إبراهيم.
وأوضحت إبراهيم أن “هذه الأموال مصادرة من محكومين ثبت تورطهم بملفات فساد أو الذين استغلوا وضع البلد الراهن وارتكبوا جرم الخيانة”، في حين عادة ما يتهم النظام معارضيه بتهم “الخيانة” ليتمكن من مصادرة ممتلكاتهم.
وفي 29 من تشرين الأول الماضي، أصدر الأسد قانونًا متعلقًا برسوم الأعمال والخدمات القنصلية، رفع قيمتها إلى نسب تجاوزت الـ100%.
رسوم بديلة عن الضرائب
الباحث الاقتصادي في “المركز السوري لبحوث السياسات” ربيع نصر، أوضح لعنب بلدي أن الاقتصاد الذي يعتمد على الضرائب والرسوم له جانب جيد دائمًا بالنسبة للميزانية العامة للدولة، وهو أفضل من اعتماد الاقتصاد على المنح والمساعدات أو على الموارد الطبيعية.
وبالرغم من أن الاقتصادات المتقدمة تكون فيها نسب الضرائب والرسوم مرتفعة بحيث تمول سياسات الدعم، فإن حكومات هذه الدولة في ذات الوقت تحرص على الإنفاق الرشيد والمساءلة من قبل المجتمع ولأغراض تخدم المصلحة العامة والتنمية، بحسب نصر.
وأضاف نصر أنه ينبغي أيضًا للدول التي تقتطع رسومًا وضرائب أن يكون لديها اقتصاد متعافٍ نشط يولد قيمًا مضافة، بحيث لا تستخدم الضرائب والرسوم لخنق أو الإضرار بالنشاط الاقتصادي، وإنما أداة لإعادة توزيع الدخل باتجاه التنمية ومساعدة الناس الأكثر تضررًا وفقرًا.
الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات” محمد العبد الله، قال لعنب بلدي، إنه من منظور النظام فهو يتبع سياسة حالية بدأ بها منذ عدة سنوات، وهي تنفيذ خطوات متدرجة باتجاه تغطية العجز المالي المتفاقم في ظل اقتصاد “شبه مشلول” نتيجة توقف الإنتاجية.
وتحاول حكومة النظام البحث بشتى الوسائل والسبل عن أي إمكانية لتوريد القطع الأجنبي للخزينة بالمقام الأول، ومحاولة استثمار أي شيء يمكن استثماره بما يخفف من العجز المالي في الموازنة العامة، وفق الباحث.
ولا يعتقد العبد الله أن النظام قادر على فرض مزيد من الضرائب في الوقت الحاضر، لأن المجتمع المحلي في سوريا يعاني انخفاضًا حادًا في مستوى الدخل وارتفاع التكاليف المعيشية، لذلك ربما لا يلجأ إلى رفع الضرائب لعدم رفع “النقمة الشعبية” تجاهه، ومحاولة الاستفادة من فرض الرسوم على السوريين في الخارج.
في منتصف العام الحالي، تجاوز متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، بحسب “مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة“، حاجز ستة ملايين ونصف مليون ليرة سورية، فيما وصل الحد الأدنى إلى نحو أربعة ملايين و100 ألف ليرة سورية، ليتضح حجم الهوة التي تفصل الحد الأدنى للأجور عن متوسط تكاليف المعيشة الآخذة بالارتفاع باستمرار.
وحول الأسباب التي أوصلت سياسة النظام الاقتصادية لهذا الشكل، أفاد نصر بأنها تتمثل بعجز الدولة الإنتاجي، والاعتماد على الاستيراد بعد أن خسرت رأس مالها البشري بسبب العمليات العسكرية، ومن بعدها فرض النظام قوانين والتحكم بالاقتصاد من قبل “نخبة مقربة منه”، كما أصبح حجم المستوردات يصل إلى ستة أضعاف الصادرات، وهو ما شكل عجزًا كبيرًا وطلبًا على العملة الأجنبية وتدهور العملة المحلية وارتفاعًا في الأسعار.
أضاف نصر أن النظام أصبح يتوجه نحو فرض رسوم أو ضرائب بالعملة الأجنبية، لأن فرضها بالعملة المحلية يأكل قيمتها الحقيقية.
ومنذ مطلع العام الحالي، شهدت الليرة انخفاضًا كبيرًا في قيمتها، إذ خسرت نحو 100% في سبعة أشهر، ويتطلب تدهور قيمة الليرة، وما يرافقه من ارتفاع كبير في الأسعار وضعف في القوة الشرائية، زيادة كبيرة في الرواتب توازي حجم الاحتياجات.
غير مبررة ولا تغطي العجز
يرى الباحث الاقتصادي في مركز “عمران للدراسات” محمد العبد الله، أن القرار الخاص باستثمار الأموال المصادرة يهدف منه النظام إلى الاستفادة من أي شيء متوفر لديه، بحيث ينظر إلى إمكانية استخدام هذه الأموال أو المصادرات للاستفادة منها واستثمارها في مجال معين بما يدر عليه عائدًا يغطي جزءًا من عجز الموازنة.
وقدّر العبد الله الإيرادات التي تدخل الخزينة حاليًا بأنها “شبه معدومة” في ظل هذا الواقع الاقتصادي المتردي، واصفًا الإجراءات المتعلقة بفرض الرسوم بـ”الوقوف على الرمق الأخير”.
من جهته، اعتبر الباحث الاقتصادي في “المركز السوري لبحوث السياسات” ربيع نصر أن الرسوم التي فرضت على جوازات السفر جاءت بعد دفع الناس للهجرة، وبنفس الوقت يجري ابتزازهم بأنه مقابل هذه الهجرة يجب دفع رسم “على شكل إتاوة” بأسعار خيالية.
ويعد جواز السفر السوري ثاني أسوأ جواز سفر بعد أفغانستان، بحسب موقع “Passport Index” المتخصص بمقارنة جوازات السفر بناء على عدد الدول التي يتيح لأصحابها السفر إليها دون تأشيرة، ومع ذلك، فإن جواز السفر السوري هو أحد أغلى جوازات السفر في العالم.
ووصف نصر فرض بدل عن الخدمة الاحتياطية بأنه “ابتزاز” لمن لا يرغبون المشاركة بالقتال مع قوات النظام، عبر أخذ رسوم “مرتفعة جدًا” منهم بالعملة الصعبة لتمويل العجز الهائل في الميزانية العامة.
ويعتقد الباحث الاقتصادي أن كل هذه الرسوم لا تشكل إيرادات كافية لتغطية العجز المستمر.
وبشكل مشابه، يرى العبد الله أن الرسوم لن تغني بشكل كبير أو تحقق الهدف الذي يطمح إليه النظام في محاولة تغطية العجز أو زيادة القطع الأجنبي، ولكنها مبالغ محدودة يبقى يعول عليها في ظل فقدانه الأمل حتى الوقت الحاضر، مع غياب أي حل سياسي، أو دعم دولي يصب باتجاه استمراره أو بقائه.
ويرى نصر أن المشكلة الكبرى باستمرار سياسة فرض الرسوم أنها تعطي مؤشرات للمستقبل بأن هذه السلطة مستمرة بنفس العقلية التي تخنق القطاع الإنتاجي داخل البلد وتقلل الطلب أمام العرض، لأنها تفرض على السكان رسومًا للتخلص من الخدمة العسكرية أو الهجرة، وهو ما سيجبر الأهالي على بيع ما تبقى لهم من ممتلكات أو مدخرات للوصول إلى هذه الغاية.
وفق دراسة بعنوان “زيادة الرواتب: سياسة النظام الدافعة لعسكرة المجتمع”، نُشرت في تشرين الثاني 2022، استخدمت حكومة النظام منذ عقود أسلوب الضرائب غير المباشرة لتمويل زيادة الرواتب والأجور، وهي تُفرض على المنتجات البترولية والأسمنت والأسمدة، إضافة إلى الزيوت المعدنية وغيرها من المنتجات الأخرى، وتسمى هذه الضرائب “فروقات الأسعار”، لأن المؤسسات العامة التي تسوق هذه المواد تحول المبالغ مباشرة إلى وزارة المالية.
وأسهم رفع أسعار الطاقة بتمويل زيادة الرواتب والأجور، وزادت بذلك تكاليف المنتجات السورية وأسعار الخدمات، وأدت هذه الزيادة إلى تخفيض قدرة الصناعة السورية على المنافسة في السوق الوطنية والأسواق الدولية.