اللاذقية.. سائقون يحتالون على “GPS” لعدم كفاية المحروقات
اللاذقية – ليندا علي
لا يجد “أبو أحمد” (42 عامًا)، سائق “ميكروباص” على أحد خطوط النقل بين اللاذقية وريفها، أي حل سوى بالاعتماد على شقيقه لوضع جهاز التتبع “GPS” في حقيبة ومن ثم سلوك ذات خط “الميكروباص” لمرتين يوميًا، ليتمكن من تعبئة مخصصاته من المازوت، التي لا يمكنه الحصول عليها سوى في حال تأكد المعنيون من قيامه بعدد الرحلات المطلوب يوميًا.
“أبو أحمد” الذي طلب عدم ذكر أي معلومة عن اسمه أو الخط الذي يعمل عليه خوفًا من الملاحقة، قال إن الأجرة التي تم تحديدها لخطه والبالغة ألفي ليرة سورية، لا يمكن أن تتناسب على الإطلاق مع حجم العمل والاستهلاك سواء للمحروقات أو لإصلاح السيارة.
وذكر أنه لن يستطيع الحصول على المال الكافي لإطعام عائلته، ما لم يعمل بعقود أخرى سواء مع رياض الأطفال أو “الشماعات” (ورشات لتوضيب وتخزين الحمضيات) التي تنقل عمالها.
يحصل “أبو أحمد” على 34 ليتر مازوت يوميًا، تكفيه أربع رحلات ذهابًا وإيابًا من المدينة وحتى نهاية الخط في القرية التي يعمل فيها، وتصل غلّة اليوم كاملًا في حال التزم العمل بالحد الأعلى إلى 150 ألف ليرة.
يذهب من الغلّة مباشرة 68 ألف ليرة ثمن المازوت، ويتبقى له 82 ألف ليرة، قائلًا، “هذا المبلغ مستحيل أن يكفي عائلتي طعام يومها، ومع ذلك فإن مصاريف السيارة لا تنتهي هنا”.
وبحسب “أبو أحمد”، تحتاج السيارة إلى تغيير “كوليات” كل شهرين بمبلغ 200 ألف ليرة، وغيار زيت كل 15 يومًا بقيمة 300 ألف ليرة، وتغيير عجلات كل سنة بمبلغ خمسة ملايين ليرة، إضافة إلى 600 ألف ليرة ضريبة السيارة السنوية، و46 ألف ليرة ضريبة الـ”GPS” كل ستة أشهر.
أكد الرجل أن ما يجنيه من السيارة فيما لو التزم بالعمل لن يكفيه حتى مصاريفها لوحدها، وبالتالي فهو مضطر أن يعمل خارج الخط ليستطيع تحمل تلك النفقات وإطعام عائلته.
ولفت إلى أن جميع المسؤولين يدركون ذلك، لكنهم دائمًا يلجؤون للحلول السهلة، بالضغط على المواطنين وخنقهم عوضًا عن إيجاد حل مريح للجميع، كتخفيض سعر المازوت أو إلغاء المخصصات.
وسجل سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء 14000 ليرة سورية لشراء الدولار الواحد، و13800 ليرة لمبيعه، بحسب موقع “الليرة اليوم“، ويبلغ الحد الأدنى للرواتب الحكومية 186 ألف ليرة.
الصدارة لـ”سائقي القرداحة”
الحال مشابهة بالنسبة لـ”عاطف” 28 عامًا (اسم مستعار)، الذي يحاول عبثًا الانتهاء من تجهيز منزله ليتزوج، إلا أنه يفشل بسبب كثرة مصاريف السيارة وعدم قدرته على مواكبة استمرار ارتفاع الأسعار، رغم أنه استأجر أحد أصحاب الدراجات النارية من أجل وضع جهازه الـ”GPS” على دراجته، ومن ثم قيامه برحلتين يوميًا لذات مسار عمله على إحدى قرى اللاذقية.
يشتكي الشاب من قلة المخصصات، وعدم العدالة بالتوزيع، ويسوق مثالًا على حديثه، بأن سائقي خط اللاذقية- القرداحة يحصلون يوميًا على مخصصات تبلغ 46 ليترًا من المازوت، رغم أن طول الخط لا يتجاوز الـ48 كيلومترًا.
بينما لا يحصل سائقو خط اللاذقية- مرداش سوى على 34 ليترًا يوميًا، رغم أن طول خط سيرهم يصل إلى أكثر من 60 كيلومترًا، كذلك الحال في خط جبلة- اللاذقية بمسافة 25 كيلومترًا، فهم يحصلون على 34 ليترًا يوميًا، بينما يحصل سائقو خط الحفة- اللاذقية على 34 ليترًا رغم أن طول المسافة 35 كيلومترًا، لافتًا إلى أن الطرق الريفية تستهلك مازوتًا أكثر من الطرق السهلية كما هي الحال في أوتوستراد جبلة- اللاذقية.
كمية المازوت التي يوفرها “عاطف” من خلال استئجار الدراجة النارية لوضع جهاز التتبع عليها، كان يستخدمها خلال الصيف في الطلبات الخارجية وعقود “الشماعات”، بينما اليوم سيضطر لاستخدام الجزء الأكبر منها بالتدفئة لكون كميات المازوت المخصصة للتدفئة لن تكفي.
الركاب يدفعون الثمن
أمام الواقع السابق، فإن المواطنين وحدهم من يدفعون الثمن، فالزحام يزداد مع بداية الموسم الدراسي في الجامعة، ويتكدس البشر في “كراج اللاذقية” الشرقي، كذلك في “كراج الفاروس” بانتظار وسيلة نقل تقلهم، إضافة إلى استغلال الباصات لهم وطلب مبالغ كبيرة منهم.
وتم البدء بتركيب أجهزة الـ”GPS” في اللاذقية قبل عام، لتكون المحافظة الثانية التي يتم تركيب أجهزة التتبع فيها بعد العاصمة دمشق، حيث دشّن سائقو خط اللاذقية- جبلة النظام الجديد، الذي سرعان ما امتد ليشمل غالبية خطوط النقل في المحافظة.
ورغم أن تركيب الـ”GPS” أسهم بتحسن النقل بدرجة طفيفة في البداية، فإنه سرعان ما أثبت محدودية جدواه مع ابتكار السائقين المزيد من الحيل للالتفاف عليه، وأعلنت وزارة الداخلية عدة مرات عن اكتشاف مخالفات بخصوصه وإلقاء القبض على سائقين بتهمة الاحتيال.
ويرى كثير من السائقين أن السلطات تحاول أن تجعلهم يدفعون ثمن فشلها في تأمين المحروقات الكافية للجميع، خصوصًا أن كثرًا منهم مرتبطون بعقود نقل لرياض الأطفال و”الشماعات”، وبعض المعامل سواء الحكومية أو الخاصة، ليستطيعوا تأمين مبالغ كافية لإعالة أسرهم ودفع الضرائب ومستلزمات سيارتهم من الصيانة.
ولا يقتصر الأمر على محافظة اللاذقية، إذ يلجأ كثير من السائقين إلى الاحتيال على الـ”GPS”، ونقلت صحيفة “الوطن” المحلية، مطلع كانون الأول الحالي، عن مصدر في وزارة النفط، أنه تم ضبط مركبات على خط البرامكة- جديدة عرطوز، خبأت جهاز التتبع في مرآة لأحد “السرافيس”، وقال إن الهدف هو التلاعب بمخصصاتها والمتاجرة بها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :