يشمل المعارضين وأسرهم..
ما وراء قانون استثمار الأموال المصادَرة بحكم قضائي في سوريا
أقر “مجلس الشعب” قانونًا يتيح لحكومة النظام السوري إدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم، سواء صدر الحكم قبل نفاذ هذا القانون أم بعده، دون إيضاح الفئات التي يستهدفها القرار وأثره عليهم.
في 30 من تشرين الثاني الماضي، وافق أعضاء “مجلس الشعب” بالأكثرية على مشروع القانون الذي ستتولى وزارة المالية بموجبه إدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادَرة بموجب حكم قضائي عدا الأراضي الواقعة خارج المخططات التنظيمية، حيث ستكون إدارتها واستثمارها لوزارة الزراعة.
وبحسب القانون المبرم، في حال كانت الأموال عبارة عن شركة أو أسهم أو حصص في شركة، تبقى هذه الشركة خاضعة لأحكام قانون الشركات، وتجري إدارتها واستثمارها من قبل وزارة المالية بما لا يتعارض مع قانون الشركات.
ويتحكم رئيس مجلس الوزراء بملكية الأموال المصادرة بحيث يمكنه نقلها إلى الجهات العامة ذات الطابع الإداري دون مقابل بناء على طلب الوزير المختص، دون أن يترتب على ذلك أي ضريبة أو رسم، وبمقابل (لم يحدد) يؤول إلى الخزينة العامة في حال نقل الملكية إلى الجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي.
ويسمح المشروع لرئيس مجلس الوزراء تخصيص جزء من الأموال المذكورة لأي من الجهات العامة بناء على طلب من الوزير المختص، ويصدر بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزيري المالية والزراعة نظام خاص يتضمن قواعد إدارة واستثمار ونقل ملكية وتخصيص هذه الأموال المنقولة وغير المنقولة.
وصرح وزير المالية في حكومة النظام السوري، كنان ياغي، أن القانون الجديد يضمن “وحدة تبعية الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم”، وعدم تشتت إدارتها واستثمارها بين أكثر من جهة عامة ونقل ملكيتها أو تخصيصها للجهات العامة وفقًا لضوابط محددة.
من يشمل؟
قالت مقررة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في “مجلس الشعب”، غادة إبراهيم، في تصريحات لصحيفة “الوطن” المحلية مطلع الشهر الماضي، إن “هذه الأموال مصادرة من محكومين ثبت تورطهم بملفات فساد أو الذين استغلوا وضع البلد الراهن وارتكبوا جرم الخيانة”.
وأضافت إبراهيم أن “أسباب مصادرة الأموال متعددة وتكون كبيرة ولا تأتي إلا بموجب حكم قضائي مبرم أي نهائي لا رجعة فيه، وبالدرجة الأولى تكون فسادًا إداريًا أو وطنيًا، وبالتالي يجب أن يكون الشخص المتورط في هذه الملفات ثبت عليه الجرم”.
مدير برنامج التقاضي الاستراتيجي في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، طارق حوكان، قال لعنب بلدي، إن القانون يستهدف السوريين ممن صدرت بحقهم أحكام مبرمة تنص على مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة، وهو ما يضع شريحة واسعة من السوريين الذين صدرت بحقهم أحكام من محكمة “الإرهاب” أو المحكمة الميدانية العسكرية تقدّر بعشرات الآلاف أو أكثر.
وتتجاوز الآثار المترتبة على هذا القانون الأشخاص المحكومين إلى أسرهم، وفق حوكان، الذي أشار إلى أنه يستهدف كل المعارضين السوريين وأسرهم الذين صدرت بحقهم أحكام مبرمة وبأثر رجعي سابق على صدوره.
المحامي أحمد صوان، قال لعنب بلدي، إن هذا القانون يشمل كل سوري صدر بحقه حكم قضائي مبرم بمصادرة الأموال، بغض النظر عن توجهه السياسي إن كان معارضًا أم لا، لكنه من ناحية عملية يشمل بالدرجة الأولى المعارضين الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية من محكمة “الإرهاب”.
وشدد صوان على خطورة القرار لأنه يسري بمفعول رجعي بحيث يشمل الأحكام التي صدرت قبله أو بعده، وهو ما وصفه بـ”مخالفة كل الأعراف وقواعد العدالة”، لأن قواعد العدالة في جميع القوانين الدولية تسري دائمًا على الوقائع والأحداث التي تحدث بعد صدورها.
ماذا عن الأحكام الغيابية؟
لم يوضح القانون الجديد إن كانت الأحكام القضائية الغيابية الصادرة بحق السوريين بما يخص مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة تدخل أيضًا ضمن مفاعيل هذا القانون.
أفاد مدير برنامج التقاضي الاستراتيجي في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، طارق حوكان، أن الأحكام الغيابية من حيث المبدأ هي أحكام لها طابع مؤقت ينتهي وجودها بإلقاء القبض على المحكوم أو تسليم نفسه حيث تتم إعادة محاكمته أي أنها أحكام “غير مبرمة”.
ويختلف هذا المبدأ في حال الأحكام الغيابية الصادرة عن محكمة “الإرهاب”، من حيث إنها تصدر أحكام غير قابلة للطعن أو إعادة المحاكمة في حال جرى إلقاء القبض على المحكوم غيابيًا، أي أنها تصبح أحكامًا مبرمة حسب المادة “6” من القانون رقم “22” لعام 2012 الذي نص على إحداث محكمة قضايا “الإرهاب”، بحسب ما أوضحه حوكان.
وبالإضافة إلى هذه المحكمة، لم يوضح القانون الصادر وضع المحكومين الذين لم يجرِ إلقاء القبض عليهم أو تسليم أنفسهم، وفق حوكان، الذي يعتقد بالنظر إلى ممارسات النظام السابقة أن كل الأحكام الغيابية ستشمل بهذا القانون.
في نيسان 2011، قررت حكومة النظام السوري رفع حالة الطوارئ وإلغاء محكمة “أمن الدولة العليا”، وفي تموز عام 2012، أصدرت الحكومة قانون “مكافحة الإرهاب”، وفي الشهر نفسه صدّق رئيس النظام السوري، بشار الأسد، على القانون رقم “22” المؤسس لمحكمة “مكافحة الإرهاب” كي تقضي بذلك القانون، الذي أعطى الحق للنائب العام بتجميد أملاك كل من يرتكب الجرائم المتعلقة بـ”الأعمال الإرهابية” أو أي جريمة بموجب هذا القانون.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أوضحت، في بيان صدر في تموز 2016، “أن الحكومة السورية تعاقب أسرًا بأكملها مرتبطة بأشخاص مدرجين تعسفًا على لائحة (إرهابيين مزعومين)، وذلك عبر تجميد أموال تلك العائلات المنقولة وغير المنقولة”.
عائق إضافي
بررت مقررة لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في “مجلس الشعب”، غادة إبراهيم، طرح القانون بأنه “يأتي في إطار التأطير القانوني لهذا الموضوع، وهي حالة موجودة في كل بلدان العالم بأن تتم مصادرة أموال الأشخاص الفاسدين”، مشيرة إلى أن هذا “حق طبيعي للدولة أن تدير هذه الأموال وتستثمرها”، وهي “ضرورية كون الحرب أفرزت العديد من حالات الفساد وكذلك خيانة الوطن”.
يرى المحامي السوري طارق حوكان أن القانون الجديد يعد انتهاكًا لحق الملكية الذي يفترض أنه مصون بموجب الدستور والقوانين الدولية، وهو “عائق إضافي” وضعه النظام لحرمان المعارضين من العودة إلى سوريا، يضاف إلى الأسباب الأخرى المتعلقة بأمنهم الشخصي والخوف من الاعتقال أو الاختفاء.
وحول الأسباب التي دفعت النظام لإقرار هذا القانون، ذكر حوكان أن الضائقة الاقتصادية التي تمر بحكومة النظام، والبحث عن مصادر جديدة للتمويل من أهم الأسباب، بالإضافة إلى التضييق على المعارضين و”الانتقام منهم نتيجة مواقفهم من النظام”.
ولا يعد هذا القانون الأول من نوعه بما يخص مصادرة أملاك السوريين، إذ تعددت القوانين التي فرضها النظام السوري التي استملك بها عقارات السوريين، فيما كان أكثرها إثارة للجدل القانون رقم “10” لعام 2018.
وحول أوجه التشابه بين القانون الجديد الصادر والقوانين التي أبرمت سابقًا، قال مدير برنامج التقاضي الاستراتيجي في “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”، إن القانون الصادر هو حلقة جديدة ضمن القوانين والمراسيم التي بدأ النظام بإصدارها منذ عام 2011، والتي يهدف من ورائها الاستيلاء على أملاك السوريين بشكل عام والمعارضين بشكل خاص.
ومن ضمن هذه القوانين، القانون رقم “10” لعام 2018، الذي نص على إحداث مناطق تنظيمية، أما الاختلافات بينهما فإن القانون الجديد يشمل الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة للشخص المحكوم بحكم مبرم بينما شمل القانون رقم “10” فقط العقارات.
ويستهدف القانون الجديد الأموال المصادرة دون تعويض، بينما حسب القانون “10” يجري تعويض المالكين بتعويضات تقدرها لجنة تشكل لهذه الغاية، ويشمل القانون الجديد فقط الأشخاص الصادرة بحقهم أحكام بالمصادرة، بينما القانون رقم “10” يشمل المالكين للعقارات ضمن المنطقة التنظيمية المقترحة ولو لم تصدر بحقهم أحكام، وفق ما أوضحه حوكان.
وبحسب تقرير لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان” عام 2020، فإنه لا يقل عن 10767 شخصًا لا يزالون يخضعون لمحكمة قضايا “الإرهاب”، وقرابة 91 ألف قضية نظرت بها المحكمة حتى ذلك الوقت، و3970 حالة حجزت بها على ممتلكات الأشخاص.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :