قد يخلط البعض بين عنوان «نحو ثورة اجتماعية شاملة» وبين الهدف الأساسي من ثورتنا «إسقاط النظام»، وربما اعتبر الأمر تكليفًا للثورة بما لا تطيق، فمن المستحيل أن يكون عامان من العمر، قادرين على تغيير طباع نفسية حفرها الدهر، فتنحل كل تلك العقد والعقبات بمجرد ثورة على نظام حكم!
لا يا سادتي، حديثنا عن حاجتنا لتعميم الثورة لتطال كل «ظلم» استشرى بيننا، وكل فساد شاع بين الناس، ليس إثقالًا على الثورة، بل هو نوع جديد من التفكير نجربه للمرة الأولى، فتحت الثورة أعيننا عليه، لنتجرأ ونثور على كل ما يخالف المنطق والعقل والشرع والحق!
ثمّ إن الاحتكاك الأكبر بالناس، الأمر الذي حققه لنا العمل الثوري أو النزوح أو الظروف التي فرضت على أي منّا، عرّفنا بأنماط جديدة من العيوب الاجتماعية التي لم ننتبه لها، ولا سبيل للمرور بها إلا بتسليط بعض الضوء عليها، لتشخيصها، بغية حلّها…
أحد تلك العيوب التي شهدتها مؤخّرا كثيرًا -للأسف- هو الأنانية!
النزوح والاقتراب من أصناف عديد من البشر، وملامسة واقع بلدات وقرى متواضعة بإمكانياتها لكنّها تحاول تنظيم أمور آلاف «الضيوف» إليها بكرم وحبّ، يفتح عيوننا على عيوب اجتماعية تحتاج منّا لمعونات أيضًا!
حينما يتساوى على طوابير المعونات الجميع، يغدو الحكم لضمير الإنسان، ذاك الذي يدرك تمامًا حاجته، أمام حاجة غيره..
نعم، لا أنكر أننا نشهد قصصًا تشبه «اسق أخاك النميري» ونشهد أشخاصًا «يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» ولعلّنا نمر دون أن ننتبه لأولئك الذين «يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف».. لكن في المقابل، نشاهد من يحاول الإحاطة بكل مساعدة يمكن له أن ينالها، من غذاء ودواء وطاقة وماء ومأوى وملبس، حفاظًا على أمواله المكنوزة، مستغّلًا كل فرصة للأخذ، دون أن يفكر بأن دوره هو العطاء!
لا شكّ أن خصلة كهذه ليست وليدة اللحظة، لكنّ الأوضاع الصعبة تجعلها تبدو بشكل أقبح، إذ تشعر أن كلّ ذرة ينالها من لا يحتاجها بغير حقّ، تستلب استلابًا من حقّ محتاج!
ولعلّ هذا المرض النفسي، أحد الأمور التي تعزّز حكم أي ظالم، إذ أنّى لأناني لا يهتم سوى بمصلحته، أن يثور بوجه ظالم ويعرّض حياته وممتلكاته و «مصالحه الشخصية» للخطر والزوال في سبيل رفع ظلم طال سواه؟ أنّى له أن يثور ما دام يحصّل ما يريد «ومن بعده فليكن الطوفان»…
ربما لا يمكننا فعل شيء لشخص بالغ يقوم بهذا، لكنّ للأمر بعدًا تربويًا لما نربّي أطفالنا عليه، لما نعلّمهم إياه حول الأنا، والتملّك، والحرص، وعدم التشارك والمشاركة.. لتصل لحالات مرضيّة تتجاوز ذلك لتتعدا على حقوق الآخرين!
لعلّ مشاهداتنا هذا، ستجعلنا أكثر حرصًا على زرع «الجود» في أبنائنا مستقبلًا…
وصلّى الله على الحبيب إذ قال ذات عسرة..
« مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لا زَادَ لَهُ «
نحو ثورة اجتماعية شاملة، نحو مجتمع يسوده «الإيثار»..