جريدة عنب بلدي – العدد 53 – الأحد – 24-2-2013
من أشهر المفردات المستخدمة في الخطاب الإعلامي والسياسي ضمن ثقافة البعث، مفردتي الهيمنة والاستكبار، وعادةً ما توصف بذلك القوى الغربيّة عمومًا، وأمريكا على وجه الخصوص. وبغض النظر عن التوظيف التخديري للكلمة، فإن هذين المعنيين يفسّران الكثير ممّا يجري هذه الأيام.
فما الذي يجعل الأسد متمسّكًا بالحكم إلى هذه الدرجة؟ إنّها الرغبة في الهيمنة على الآخرين، وإخضاعهم لأمره، الرغبة في الهيمنة على مقدّرات دولة كاملة، والاستئثار بها للفئة الحاكمة فقط، وهي أيضًا الرغبة في الاستكبار، في بناء الجاه والمكانة والمنزلة والقيمة العالية، إنه الرئيس، القادر، المتصرّف، المدبّر، إن الاستكبار يرضي نزعة التألّه عند من هو مريض بها.
وذات التعليل يصحّ على الدول الراعية للنظام، فما الذي تريده روسيا من دعم الأسد؟ كلنا يعرف أنها تريد مصالحها، لكنها ليست مجرّد مصالح عاديّة يمكن لأيّ نظام حكم بديل أن يتفاوض معها لإقناعها بضمان مصالحها تلك مقابل التخليّ عن بشار الأسد، بل هي رغبات متضخمة جدًا في الهيمنة على قطاعات حيويّة، أي إغناء الخزينة الروسيّة ولو على حساب فقر الشعب السوريّ.
حتى الدول القويّة، بل الدول القويّة والكبيرة بالذات هي التي تتضخّم لديها الرغبة في الهيمنة والاستكبار (المحليّ والعالميّ)، لكن بالتأكيد بأساليب أكثر ذكاءً وتحضّرًا.
غسيل الأدمغة الإعلاميّ واحدة من أنجع الأساليب للسيطرة على الآخرين، وإخضاعهم لرغبات الفئة القليلة الحاكمة التي تستأثر بمعظم الموارد، وأمريكا مثال رائد في ذلك.
أمّا للسيطرة الخارجيّة فهناك صناديق النقد الدوليّة، وبنك النقد، ومحاربة الإرهاب، والشركات العابرة للقارات، ووسائل إعلام عالميّة.
ومن هذه الزاوية أيضًا يمكن فهم العداء للإسلام، ومحاربته (أقصد الحرب الثقافيّة والفكريّة: تجريد الدين من محتواه القيميّ)، وخاصّة ما يقال عن العداء الأمريكيّ للإسلام.
لأنّ الإسلام يستند في جوهره إلى التوحيد، الذي يعني بأنّ للكون إله واحدٌ فقط، لا يكون الخضوع إلّا له، ويتساوى البشر جميعًا أمام هذا الإله.
لقد عادى كفّار قريش الإسلام كما تعاديه أي حكومة اليوم تسعى للهيمنة، لأنّ الإسلام الحقّ سيجرّد هذه الفئة من امتيازاتها واحتكاراتها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، ويعيد تداولها لتكون بين الناس كلهم، وهذه هي جوهر رسالته: لا هيمنة ولا خضوع إلا للإله الواحد الحق.
ففي السياسة الأمر بالتشاور {وأمرهم شورى بينهم}، والـ ‹بينهم› هذه تشمل الجميع، لذلك تعتبر أداة تطبيق الشورى أقرب للمقصود كلما شملت عددًا أكبر من الناس.
وفي الاقتصاد والثروة الأمر بالتداول {كي لا يكون دولةً بين الأغنياء منكم}، فاحتكار المال وعدم تداوله أمر مرفوض، وعلى المشرّعين أن يضعوا القوانين ليطبّقوا ذلك (الضرائب المتزايدة مع تزايد الدخل مثلًا).
وفي العلم الأمر بالتدارس {وأمّا السائل فلا تنهر}، ‹من سئل عن علم فكتمه ألجم من نار يوم القيامة›، لأن الجهل هو أداة الهيمنة الأولى، والخوف هو أداة الاستكبار ووسيلته.
وهكذا تُجفّف مقاصد الدين شرايين تضخّم الدولة، وسيطرتها على المقدّرات والمكتسبات، وتجرّد الحيتان من امتيازاتهم لصالح عموم الناس.. وهذا حقًا ما يحارب في الإسلام، وليس التطبيقات الفقهيّة الشخصيّة التي يستفزون الناس بالحديث عنها ويشغلوهم بالاهتمام بها وحدها.
إنّ نجاح الثورة مرتبط بكسر الهيمنة والاستكبار، فالسلطة هي أداة لخدمة الناس ورعاية شؤونهم، وليست للسيطرة على مقدراتهم والاستكبار عليهم.