“البيئة الآمنة”.. مشروع يواجه موانع في سوريا
تستمر الجهود الرامية للوصول إلى “بيئة آمنة ومحايدة” في سوريا، وهي المرحلة التي تسبق إجراء انتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة، بعد مرور أكثر من 12 عامًا على اندلاع الثورة السورية المنادية بإسقاط النظام السوري.
وبينما عُرقلت المسارات السياسية الرامية للوصول إلى حل سياسي، بقيت محاولات العمل لتحقيق “البيئة الآمنة” لكن هذه المحاولات اقتصرت على أنشطة وبيانات المنظمات غير الحكومية، ومراكز الدراسات، بعد مرور سنوات على ذكرها لأول مرة على أنها هدف لمفاوضات سياسية ترعاها الأمم المتحدة في سوريا.
الخطة التي اعتبرت ضرورية للوصول إلى حل ينهي معاناة السوريين المستمرة حتى اليوم، تواجه موانع قانونية، وأمنية، وعسكرية، تعيق بدورها الملفات التي قد تحدث تأثيرًا على الملف السوري، أبرزها العودة الآمنة للاجئين.
ووردت عبارة “البيئة الآمنة” في الحالة السورية، ضمن بيان جنيف، كأهم وظيفة لهيئة الحكم الانتقالي، وأنشئت “اللجنة الدستورية” على ضوئها لتنفيذ إصلاح دستوري يفترض أن تليه عملية استفتاء على الدستور ثم الانتخابات.
“وحدة دعم الاستقرار” (منظمة غير حكومية) أطلقت قبل أشهر مسار “البيئة الآمنة والمحايدة” في كل من مدينة جرابلس، والباب، ومارع، واعزاز، وغازي عنتاب التركية، بمشاركة ممثلين عن الفعاليات المدنية والمنتديات السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
ويهدف المشروع لتحقيق “بيئة آمنة ومحايدة في سوريا”، تمهيدًا للعملية الانتقالية، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، تماشيًا مع المساعي الدولية لجهود المجتمع الدولي والقرارات الصادرة عن المنظمات الدولية في هذا السياق، بالتنسيق مع “هيئة التفاوض” الممثلة للمعارضة السورية، التي تشرف على العملية التفاوضية مع النظام السوري، ضمن مسارات ترعاها الأمم المتحدة.
ما “البيئة الآمنة والمحايدة”
منذ المرة الأولى التي أطلق فيها مصطلح “البيئة الآمنة والمحايدة”، اقترن بإجراء انتخابات “عادلة ونزيهة” في سوريا، وتشمل جميع فئات السوريين، وجاء ذكره على لسان المبعوث الأمين العام للأمم المتحدة غير بيدرسون في تشرين الأول 2019.
وما لبث أن خرج هذا المصطلح للعلن، حتى رحبّت “المجموعة المصغرة بشأن سوريا” التي تضم وزراء خارجية مصر، وفرنسا، وألمانيا، والأردن، والسعودية، وبريطانيا، وأمريكا، عبر بيان مشترك قالت فيه:
نثمّن عاليًا جهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص غيير بيدرسون التي أفضت إلى إطلاق هذا الاجتماع، هذه خطوة إيجابية طال انتظارها، ونجاحها يتطلب تواصلًا والتزامًا كبيرًا، يمكن لهذه اللجنة تطبيق أبعاد أخرى من قرار مجلس الأمن (2254)، بما في ذلك إشراك جميع السوريين، وخصوصا النساء، بشكل جدي في العملية السياسية، إننا ندعم جهود توفير بيئة آمنة ومحايدة لتمكين سوريا من إجراء انتخابات حرة ونزيهة، تحت إشراف الأمم المتحدة. |
وارتبط تحقيق “البيئة الآمنة والمحايدة” في سوريا، بتهيئة البنية الاجتماعية والأمنية والسياسية، لإجراء استفتاء على الدستور الجديد الذي من المفروض أن تصل له اجتماعات “اللجنة الدستورية” المعلّقة منذ 2021.
وفي عام 2022، عقب زيارة بيدرسون إلى الدوحة وطهران، ولقائه مع “هيئة التفاوض” السورية، دعا إلى محادثات دبلوماسية “جادة” لإحراز تقدم في مسار “خطوة مقابل خطوة” بهدف الوصول لتطبيق القرار “2254”.
وقال حينها، “يبقى هدفنا هو خلق نوع من البيئة الآمنة والهادئة والمحايدة، تتم فيها العملية الدستورية، وفي نهاية المطاف يمكن إجراء انتخابات تدار تحت إشراف الأمم المتحدة، وفقًا لما نص عليه قرار مجلس الأمن 2254“.
في حين رأت دراسة أصدرها “مركز الحوار السوري“، وكتبها الباحثان أحمد القربي، ونورس العبدالله، أن بيدرسون كان مجرد “صدى للمواقف الدولية والإقليمية التي كانت في مجملها مسايرة للرؤية الروسية للحل في سوريا، من خلال تركيزه على اللجنة الدستورية، وتبني الرواية الروسية حول ملفي البيئة الآمنة والإرهاب”.
مسار المشروع
تركز المشروع على عدة نقاط رئيسية بحسب ما أعلنت عنه “وحدة دعم الاستقرار” بدءًا من القضاء، ومآخذ القانون، وحقوق اللاجئين والنازحين، ووصولًا إصلاح الجيش، والانتخابات التي أُشير لها على أنها “من ثمار البيئة الآمنة”.
المدير التنفيذي لـ”وحدة دعم الاستقرار”، منذر السلال، قال لعنب بلدي إن المشروع يهدف إلى إشراك المجتمعات المحلية السورية بالعملية السياسية، ورفع الوعي السياسي للسوريين فيما يتعلق بالعملية السياسية الجارية، وخاصة الموجودين في الداخل السوري.
وأضاف أن القائمين على المشروع يحددون أهدافهم القادمة بناء على العملية السياسية التي نص عليها قرار مجلس الأمن “2254”.
وعلى اعتبار أن العملية السياسية في سوريا المتمثلة بـ”السلال الأربع”، متوقفة حاليًا يعمل القائمون على المشروع، بحسب السلال، لتهيئة أرضية المجتمع السوري لأي حل سياسي، بناء على توفير “بيئة آمنة ومحايدة”.
“السلال الأربع” هو مصطلح أطلق على مخرجات الجولة الرابعة من مفاوضات “جنيف” بشأن سوريا عام 2017، وتنص الأولى منها على إنشاء “حكومة جديرة بالثقة”، وشاملة للجميع غير طائفية خلال ستة أشهر، والسلة الثانية بدء عملية صوغ دستور جديد خلال ستة أشهر أيضًا.
أما السلة الثالثة فتتضمن مناقشة إجراء انتخابات “حرة نزيهة” تحت إشراف الأمم المتحدة، وتشمل أعضاء من الجالية في المهجر التي يحق لها التصويت، وتكون بعد وضع الدستور في غضون 18 شهرًا. و”سلة رابعة” أضيفت إلى جدول الأعمال، بناء على طلب وفد النظام السوري، وهي “مناقشة استراتيجية مكافحة الإرهاب”. |
ويرى منذر السلال أن تطبيق هذه “السلال” بمفهومها الحقيقي، يحتاج إلى “بيئة آمنة ومحايدة”، للوصول إلى حل سياسي في سوريا.
ومن جهة أخرى، يحتاج مفهوم “عودة اللاجئين الآمنة” الذي تتحدث عنه دول الجوار بشكل متكرر إلى تجهيز “بيئة آمنة ومحايدة”، بحسب السلال، الذي يرى أن الحديث عن “عودة آمنة” دون تحضير “بيئة آمنة” هو تجاهل لكل ما حدث في سوريا، ولا يزال يحدث.
السلال قال إن التوجه الدولي الذي يظهر أن اللاجئين بحاجة “تعافي مبكر” وتوفير فرص العمل في سوريا، ليعودوا إلى بلدهم، علمًا أن هذه الجزئيات كانت متوفرة بالنسبة لهم عندما غادروا، بالتالي هي ليست الأسباب المباشرة لعدم عودتهم إلى سوريا.
وأضاف أن وجود أفكار ومخرجات متعلقة بـ”البيئة الآمنة والمحايدة” تظهر المشكلات التي يعاني منها السوريون في كل قطاع على حدة، هو رسالة للدول التي تسعى لعودة اللاجئين، أن المشكلة “ليست خدمية فقط”.
لجميع المعنيين
يتوقع القائمون على المشروع أن يخرجوا بنتائج أعمالهم في غضون عام واحد من بداية تنفيذه على شكل بيانات ستقدم مستقبلًا إلى جميع المعنيين بالملف السوري من “هيئة التفاوض” والأمم المتحدة.
المدير التنفيذي لـ”وحدة دعم الاستقرار” منذر سلال، قال إن “الوحدة” تنظّم كتابًا للجهات المعنية بالملف السوري مع نهاية كل مشروع تطلقه في سوريا، وهو ما سيحدث مع نهاية مشروع “البيئة الآمنة” في آب 2024.
وأضاف أن المشروع يجري بتنسيق مع المعارضة السورية، وهو ما حصل خلال ورشات العمل المتعلقة بالدستور السوري، إذ كان ممثلون عن “اللجنة الدستورية” يجرون حوارات مع السوريين فيما يتعلق بالدستور السوري خلال المشروع نفسه.
وفيما يتعلق بـ”البيئة الآمنة والمحايدة” تنسق “وحدة دعم الاستقرار” مع “هيئة التفاوض” كون مفهوم “البيئة الآمنة” مرتبط بعمل “الهيئة” بشكل رئيس.
موانع “البيئة الآمنة”
عام 2017، أصدر مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” دراسة بعنوان “البيئة الآمنة والهادئة والمحايدة في سوريا: المفهوم والموانع” حاولت تشريح المفهوم السياسي للمصطلح، والموانع أمامه.
واستخلصت الدراسة من مفهوم “البيئة الآمنة والمحايدة” أن عملية “الاختيار الحر للشعب يفترض أن تجري ضمن ظروف طبيعية”، من الجوانب كافة، السياسية، والأمنية، والقانونية، وغيرها.
وأضافت أن الممارسة السياسية وعملية الاقتراع يجب أن تجري ضمن بيئة “خالية من العنف والترهيب والإكراه”، قبل عملية الاقتراع وأثناءها وبعدها.
وبهذا المعنى رأت الدراسة أن “البيئة الآمنة والهادئة والمحايدة” هي مجمل الظروف والشروط القانونية والأمنية والسياسية التي يجب توفرها ضمن دولةٍ ما، ليتمكن الشعب من تحقيق إرادته التي هي مرجع ومناط السلطة في الدولة.
الدراسة خلصت إلى أن لـ”البيئة الآمنة” موانع قانونية، فإذا كان اتجاه المجتمع الدولي، نحو إلى الإصلاح الدستوري وإجراء انتخابات، فإن البيئة الآمنة تسبق أي عملية انتخاب أو استفتاء على الدستور.
ولعل المعضلات التشريعية أو القانونية التي تحتاج إلى حل حقيقي هي قانون الانتخابات، فبموجب أيّ قانون انتخابي سيجري الاستفتاء، ومن الذي يشرف على اللجنة الانتخابية، وهل تلجأ البيئة إلى قانون الانتخابات الذي أصدره النظام برقم (5) تاريخ 17/3/ 2014، وتكون لجنة الانتخابات المحددة بموجب هذا القانون هي التي تشرف على الاستفتاء.
وكون هذا القانون صدر من طرف واحد وبإرادة منفردة من النظام، وتم إقراره من “مجلس الشعب” الذي لا يمثل الإرادة الشعبية، لأن أعضاءه يُعينون من قبل أجهزة الأمن في انتخابات صورية، فإن قانون الانتخابات لا يتفق مع أي من المعايير والأعراف والمواثيق الدولية، ويخالف بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وربطت الدراسة إمكانية تحقيق “البيئة الآمنة” بإمكانية إصلاح البنية العسكرية، والأمنية في سوريا، إضافة إلى قضايا متعلقة بحاجة اللاجئين، وأخرى دستورية، وأوصت بمجموعة من الخطوات وهي:
- إيجاد المرجعية اللازمة للتمهيد لوجود البيئة الآمنة في سوريا التي تمكن الشعب من تحقيق إرادته الحرة.
- إلغاء المحاكم الاستثنائية والقوانين الجائرة التي تكرس سلطة الاستبداد، وتمنع وتجّرم الرأي المعارض.
- إصدار قانونين جديدين للأحزاب والانتخابات، وإعطاء الفرصة لكل السوريين في العمل السياسي والديمقراطي.
- إعادة النظر في تركيبة وعقيدة الجيش والأجهزة الأمنية، وتطهيرها من العناصر التي ارتكبت انتهاكات بحق المدنيين السوريين، وإلحاقها بالسلطة المدنية، وإخضاعها للقانون والقضاء.
- إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، تحت إشراف الأمم المتحدة، إعادة آمنة وطوعية وكريمة.
- إلغاء كل عمليات التجنيس لأفراد الميليشيات الأجنبية، وإخراج كل المسلحين الأجانب من البلاد.
- تأمين الإفراج عن المعتقلين في معتقلات النظام، والكشف عن مصير المختفين قسريًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :