غير الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، في 6 من شباط، حياة سوريين يقيمون في عشر ولايات تركية تضررت إثر الكارثة، ليترك بعضهم داخل خيام مهترئة مع أطفالهم.
ولا يستثنى من هذا الواقع أطفال من ذوي الإعاقة، زاد العيش في المخيمات من وضعهم سوءًا وغيّبهم عن خدمات يحتاجونها.
خيام “لا تحمي”
لم تكن خيارات السوريين الناجين من الزلزال واسعة ولا توجد رفاهية الاختيار، فكان من نصيب عائلة عبد الله الشعار (أب لثلاثة أطفال) أحدهما مريض توحد الانتقال لمخيم عشوائي بمدينة أنطاكيا جنوبي تركيا.
عبد الله الشعار، قال لعنب بلدي، إن طفله عدي (ثمانية أعوام) يعاني من اضطرابات عديدة داخل المخيم مع وجود حالة من الضياع بين أشخاص لم يعتد على رؤيتهم، كما أنه لا يستطيع التأقلم والاندماج مع البيئة المحيطة لوضعه الصحي الخاص، وفقًا لعبدالله.
الطفل عدي كان يخضع لجلسات لتحسين سلوكياته وتسهيل اندماجه بالمجتمع المحيط ضمن “جمعية فلوكا” العاملة في مدينة هاتاي، ولكن الزلزال غيّر من نمط الحياة بالمنطقة ما أدى لفقدانه فرصة علاجه ووضع عائلته ضمن ظروف غير مناسبة، بحسب والده عبد الله الشعار.
من الممكن أن يسبب مرض التوحد الإعاقة للمصاب إلا أن التشخيص والعلاج المبكرين يمكن أن يعززا إمكانية العيش باستقلالية عند الكبر، ولذلك لا بد من تعريف الأهل بالاضطرابات الإدراكية واللغوية التي توجه لاحتمال الإصابة بالتوحد، وبأهم خيارات المعالجة التي يمكن القيام بها.
وأفاد عبد الله أنه مع كل هطول للأمطار تغرق خيام العائلات بالمياه لتصبح حالتها “مأساوية”، وفقًا لوصفه، ولا تتوقف مشكلة العائلة على هطول الأمطار بل بتقديم الوعود المستمرة بنقلها لمخيم يتكون من منازل متنقلة (كرفانات) لكن دون تنفيذ.
أمراض.. وغياب للخصوصية
وصلت مشكلات البيئة غير المناسبة إلى ظهور حشرات وحيوانات بالقرب من خيام العائلات، من بينها العقارب وبعض أنواع القوارض كالجرذ، وفقًا للعائلات التي تواصلت معها عنب بلدي.
وتلجأ العائلات في المخيمات العشوائية إلى استخدام الحمامات المشتركة التي تفتقر إلى الخصوصية، وغير صالحة لاستخدام العديد من ذوي الإعاقة، فضلًا عن كونها بيئة خصبة لانتشار الأمراض لغياب النظافة.
شاهيناز زربو وعائلتها المقيمة بمخيم عشوائي في أرض زراعية في منطقة ألطنوز التابعة لمدينة أنطاكيا، تحدثت لعنب بلدي عن رؤيتها لحشرات مختلفة بالقرب من الخيام، ما زاد من مخاوفها، خاصة مع تعرض أبنائها إلى أمراض جلدية عديدة.
حاولت اللاجئة شاهيناز زربو، التواصل مع مفوضية الأمم المتحدة مرات عديدة على أمل فتح ملف لجوء للعائلة دون جدوى أو فائدة، على الرغم من شرحها لظروفهم داخل المخيمات من انتشار للأمراض الجلدية بين أطفالها وتكسير الخيام في أثناء المطر ووجود تقرير طبي يؤكد عدم رؤية زوجها في إحدى عيناه.
وإثر الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وأربع محافظات سورية في 6 من شباط الماضي، فتحت مفوضية اللاجئين في تركيا، ملفات جديدة للاجئين السوريين المتضررين وأعادت تقييم ملفات قديمة لعشرات منها عالقة منذ سنوات، بينما لم تتواصل المفوضية مع جميع من اتخذت قرارًا بالنظر في ملفاتهم، واقتصر تواصلها مع العائلات عند تحديد موعد المقابلة فقط.
خوف واضطرابات تركها الزلزال
وبحسب الشهادات التي حصلت عليها عنب بلدي، فإن الزلزال خلق أشكال مختلفة من الاضطرابات على بعض الأهالي من اللاجئين السوريين في تركيا مع حالة من الخوف من الأبنية لمن كان حاضرًا خلال لحظات الزلزال بالإضافة لاضطرابات نفسية لدى الأطفال.
شاهيناز زربو، قالت لعنب بلدي، إن ابنتها (19 عامًا)، تعاني من مشكلات عصبية إذ تشتد أعصاب أيديها عند الشعور بالخوف حتى اليوم، نظرًا لانتظارها فترة زمنية خروج أخويها الاثنين من تحت الأنقاض.
تسبب الزلزال بمخاوف لدى أطفال شاهيناز من الأصوات العالية بكل أشكالها، إذ يستحضرون بذلك انهدام الأبنية والصراخ الخارج من تحت الركام لطلب النجدة.
وأوضح عبدالله الشعار لعنب بلدي، أنه منذ وقوع الزلزال لا يجرؤ على العيش في منزل بعد ما شاهده من كارثة في مدينة أنطاكيا، ويزيد عمله في الإنشاءات مخاوفه إذ يتطلب الوقوف بأماكن مرتفعة في أثناء البناء.
أما عن ابنه عدي، المصاب بالتوحد، فاختلفت تصرفاته بعد الانتقال إلى المخيمات العشوائية وأصبح أكثر انفعالية وانعزالًا، دون قدرة العائلة على تغيير واقعهم لعدم القدرة على استئجار منزل قابل للسكن بأسعار مناسبة، وفقًا لعبد الله.
وبحسب تقرير صادر عن منظمة “أطباء بلا حدود” حول الصحة النفسية بعد الزلزال، سيكون لدى جميع المتضررين من الزلزال، باختلاف مستويات الضرر الذي تعرضوا لها، رد فعل نفسي واستجابة طبيعية للكارثة.
ويتطلب هذا المستوى من الأعراض جلسات دعم نفسي، واهتمامًا ورعاية خاصة لتجنب تفاقم المشكلة، وفق التقرير.
وبحسب رئاسة الهجرة التركية يقيم في تركيا ثلاثة ملايين و237 ألفًا و585 لاجئ سوري خاضع لـ”نظام الحماية المؤقتة”.
انتقاد للاستجابة
تعرضت ولاية كهرمان مرعش التركية فجر 6 من شباط لزلزال بشدة 7.7 درجات، وتبعه في ظهيرة اليوم نفسه زلزال آخر بشدّة 7.6 درجات، تبعتها آلاف الهزات الارتدادية العنيفة.
وأثر الزلزال على عشر ولايات بتركيا، ما أدى إلى وفاة أكثر من 56 ألف شخص إثره، وأصيب نحو من 100 ألف آخرين، وفق لبيانات “المكتب الإقليمي للشؤون الإنسانية” التابع للأمم المتحدة.
وفي 27 من نيسان الماضي، أصدرت منظمة “العفو الدولية” تقريرًا صحفيًا قالت فيه إنه يجري التغافل عن الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يعيشون في مخيمات النزوح بعد الزلزال، خلال الاستجابة الإنسانية للكارثة.
ويوثق التقرير المنشور بعنوان “جميعًا بحاجة إلى الكرامة: استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة خلال الاستجابة للزلازل في تركيا“، كيف يعيشون في مآوٍ غير لائقة، ويستند بشكل أساسي إلى مقابلات أُجريت مع متضرري الزلزال في عددًا من محافظات الجنوب التركي المتضررة.
وقال نائب مديرة أبحاث برنامج الاستجابة للأزمات لدى منظمة “العفو الدولية”، إن اتباع نهج واحد للتعامل مع جميع الفئات خلال ترتيبات الإيواء الطارئة يستبعد أي متطلبات خاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة للعيش بكرامة، بحسب التقرير.
وأشارت المنظمة في تقريرها، لحجم نطاق الأزمة الإنسانية التي خلفها الزلزال ومدى صعوبتها، مع التأكيد على ضرورة أن يحظى الأشخاص ذوي الإعاقة بكامل الاحترام مهما كان حجم الحالة الطارئة.