خطيب بدلة
في عالم الـ”تيك توك” يوجد شيء اسمه البث المباشر، أو “اللايف”. دخل أحد الأشخاص، ذات مرة، إلى بثي، وفي نيته الدعوة لإقامة دولة خلافة إسلامية في سوريا، على منهاج الصحابة! مَهَّد لفكرته بقوله: ومعلوم أن اليسار الماركسي حكم سوريا منذ الاستقلال عام 1946، وبالتالي فإن…
لم أدعه يكمل كلامه. طلبت منه أن يذكر لي فترة واحدة حكم خلالها اليسار الماركسي سوريا. هنا بدأ يراوغ، قال: أنت تدعي أنك ديمقراطي، فلماذا لا تدعني أكمل فكرتي؟ قلت له: أولًا، أنا لم أدَّعِ أنني ديمقراطي، بل العكس، حينما أدير حوارًا بين 300 شخص موجودين على “اللايف”، وتأتي أنت لإقناعهم بضرورة إقامة دولة “داعشية”، ستجدني مستبدًا، وثانيًا، أنت تبني فكرتك على مقدمة كاذبة، وإذا كنت صادقًا اذكر لي، وللحاضرين، فترة تاريخية واحدة حكم خلالها اليسار سوريا. أجاب بأن تلك الفترات كثيرة، ثم تهلل وجهه فجأة، كأنه فطن إلى أمر يخرجه من مأزقه، فقال: حزب “البعث العربي الاشتراكي” يحكم سوريا منذ 1963، وكلنا نعلم أن “البعث” يساري.
قلت: حينما تريد أن تزور، لا تتحدث باسمنا مستخدمًا عبارة “كلنا نعرف”، “البعث”، يا أخ، حزب قومي إسلامي، أكد مؤسسُه المسيحي ميشال عفلق على التلازم والتداخل بين العروبة والإسلام، وكان يردد في مجالسه عبارة “كان محمد كلَّ العرب، فليكن كلُّ العرب اليوم محمدًا”، وكان ينتقد الحركات القومية في الغرب، لأنها لا ترتبط بدين ما، ويضيف، حرفيًا “في حين أن الإسلام بالنسبة إلى العرب ليس عقيدة آخِرَويّة فحسب، ولا هو أخلاق مجردة، بل هو أجلى مُفصح عن شعور المسلمين الكوني، ونظرتهم إلى الحياة، وأقوى تعبير عن وحدة شخصيتهم”.
وتقدم شخص آخر، يبدو أنه متفق معه، بمعلومة أشد غرابة، وهي أن القوى الديمقراطية في سوريا، ما زالت، منذ فجر الاستقلال، تعمل على إبعاد المسلمين عن الحكم. هذا القول، أدهشني، فعلى علمي أنه لا توجد قوى “ديمقراطية” بين القوى التي تصارعت على الحكم في سوريا منذ 1946، وإذا أردنا أن نقوم بجَردة لتلك القوى، نجد فيها القوميين العرب، وهؤلاء يتعاملون مع أبناء القوميات الأخرى بالازدراء، والإبعاد، ويقرنون القومية بالدين، كما عند عفلق، وبعضهم يعلنون أن فكرهم عروبي، وحدوي، ناصري، و”الإخوان المسلمون” يعتبرون سوريا جزءًا صغيرًا من أرض الخلافة الإسلامية، التي ليس لها أرض محددة أصلًا، وفكرهم يتلخص باللافتة التي كتبوها في شمالي سوريا بعد سنة 2015 “الديمقراطية طريق التخلف”، والشيوعيون كانوا يتبنون النسخة الماركسية اللينينية الستالينية، وتتلخص بمبدأ اسمه “دكتاتورية البروليتاريا”، ولم يتبنَّ شيوعي واحد فكرة الديمقراطية قبل ظهور غورباتشوف، وطرحه فكرتي البروسترويكا والغلاسنوست، أي بعد سنة 1990.
وتركيبة الأسرة السورية، أساسًا، دكتاتورية، فالأب يُسمى، بكل وضوح “رب الأسرة”، وهو الآمر الناهي الذي لا رادّ لمشيئته ضمن حدود الأسرة، وكل أنواع القمع والاضطهاد وأكل الحقوق تمارَس على المرأة، وكذلك الطفل الذي يُقمع إذا كان ذكرًا، ويُقمع بشكل مضاعف إذا كان أنثى. وتأتي، حضرتك، لتتهم مجتمعنا بأنه ديمقراطي!