جبهة حرب واجبة في لاهاي

  • 2023/12/03
  • 12:33 م
غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

غزوان قرنفل

في اجتماعها الـ67، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم “19\ 67” في 29 من تشرين الثاني 2012، الذي يقضي بمنح فلسطين وضع “دولة غير عضو” مراقب بالأمم المتحدة، وذلك بتأييد 138 عضوًا ومعارضة 9 وامتناع 41 دولة عن التصويت، وبذلك تكون الأمم المتحدة قد طورت وضع فلسطين من “كيان غير عضو” إلى “دولة غير عضو” لها صفة مراقب، وهو ما يسهّل الطريق أمامها لتكون في المستقبل دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.

في نهاية العام 2014، وقع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، على ميثاق روما الأساسي المنشئ لمحكمة الجنايات الدولية، وفي نيسان 2015، انضمت فلسطين رسميًا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

في 5 من شباط 2021، أصدرت الدائرة التمهيدية لمحكمة الجنايات الدولية قرارها التي أعلنت فيه الولاية القضائية لتلك المحكمة على دولة فلسطين (التي تشمل الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية) باعتبارها طرفًا في ميثاق روما الأساسي المنشئ لتلك المحكمة.

وبالتالي فإن الأثر القانوني الأهم لهذا القرار أنه جعل ثمة ولاية للمحكمة لمحاكمة القادة الإسرائيليين من مرتكبي الجرائم المدرجة ضمن الاختصاص القضائي لها كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان والإبادة الجماعية، والعديد من الجرائم الأخرى التي تندرج تحت هذه العناوين والمرتكبة بحق الفلسطينيين ضمن أراضي الدولة الفلسطينية بصرف النظر عما إذا كانت إسرائيل غير مصدّقة على ميثاق روما الأساسي رغم توقيعها عليه، باعتبار أن “دولة فلسطين” وقعت على الميثاق وانضمت إلى نظام المحكمة.

نصت الفقرة “أ” من المادة “13” من نظام روما على أن للمحكمة أن تمارس اختصاصها إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من تلك الجرائم قد ارتكبت، وبالتالي فإنه يتعين الآن على السلطة الفلسطينية أن تحيل إلى المحكمة كل الحالات التي ارتكبت فيها إسرائيل جرائمها سواء في غزة أو بعض مناطق الضفة الغربية، وهي حالات ربما أكثر من أن تحصى، وأن تطالب بمحاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي وقادته العسكريين الذين يرتكبون جرائمهم جهارًا نهارًا وأمام أعين العالم أجمع غير عابئين بكل مواقف الرفض والإدانة الشعبية وإدانة بعض الحكومات لجرائمهم.

كما يتعين أيضًا على المدعي العام لتلك المحكمة أن يباشر تحقيقاته بهذه الجرائم من تلقاء نفسه طالما كانت تدخل في اختصاص محكمته، وذلك استنادًا إلى نص المادة “15” من النظام التي تنص على أن “للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة”.

والحقيقة أن هذه المعركة القانونية لا يكفي فيها التسلح بالقانون الدولي وحده على أهميته، بل تحتاج إلى مجهود وحشد كبيرين على الصعيدين السياسي والدبلوماسي ضمن مؤسسات الأمم المتحدة وجميع المنظمات الدولية والإقليمية، فضلًا عن العلاقات الدبلوماسية مع الدول والهيئات المختلفة لتوفير كل سبل الدعم واستثمار هذا الزخم العالمي الرافض لتلك الجرائم والمطالب بإنصاف الشعب الفلسطيني ودعم موقفه فيما يتعلق بحل الدولتين.

هذا الجهد لم نلحظ أي تحرك فلسطيني بشأنه رغم مضي أكثر من شهر على الحملة العسكرية الصهيونية على غزة وبعض مناطق الضفة الغربية، وسقوط أكثر من 12 ألف قتيل فلسطيني وعشرات آلاف الجرحى، وتدمير بنى تحتية وأعيان محمية بالمئات، وهو ما يثير الدهشة والتساؤل عن الجدوى التي دفعت بالسلطة الفلسطينية للانضمام إلى نظام المحكمة الجنائية الدولية إن لم يتم توظيفها واستثمارها الآن.

ربما للسلطة الفلسطينية تقديراتها المغايرة لتمنياتنا والتي تأخذ بعين الاعتبار المواقف العربية المتهافتة تجاه ما يحصل، وهي ربما لا تجرؤ على الخروج عن هذا السياق، لكن ذلك تمامًا هو ما يجب أن يشكّل دافعًا ومحفزًا أكثر لفعل ذلك، لأن الركون إلى المواقف العربية طوال 70 عامًا لم يفضِ إلا إلى مزيد من احتلال الأراضي ومزيد من التوسع الاستيطاني الصهيوني في تلك الأراضي، ومزيد من المتاجرة بقضية الشعب الفلسطيني.

وإذا كان خيار معظم الحكومات العربية الامتثال للمشروع الصهيوني فهو بالتأكيد ليس خيارًا يعبّر عن الفلسطينيين وحقهم في إنشاء دولتهم المستقلة، ويتعين على الفلسطينيين اليوم أن يتذكروا أن بعض الحكومات العربية قد أعملت قتلًا وتشريدًا بشعبها أكثر مما فعل العدو الصهيوني نفسه بهم، ويجب أن يدركوا أن وحدتهم وسلاحهم وحده من يحميهم ويحمي حقوقهم.

القيادة ليست فقط عملية إدارة أرض وموارد وتدبر شؤون شعب، القيادة حقًا هي تلك التي تعرف كيف تصنع مستقبلًا لهذا الشعب، وتعرف متى تفتح جبهة وتدير معركة وتستثمر انتصارًا ومتى لا تفعل، وأزعم أن اللحظة الراهنة هي الأمثل والأصوب لفتح جبهة حرب بأدوات مغايرة ولكن هذه المرة في لاهاي.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي